نشرة ال«توك شو» من «المصري اليوم»: خبير يحذر من الشتاء المقبل.. الضوابط الجديدة لحذف غير المستحقين من التموين    قفزة في سعر الكتكوت.. أسعار الفراخ والبيض في الشرقية اليوم الأحد 8 سبتمبر 2024    إصابة 7 أشخاص في حادثة إطلاق نار بولاية أمريكية والمنفذ حر طليق    عاجل - آخر تحديثات أسعار الدولار اليوم الأحد8 سبمبر 2024    بدء العام الدراسي الجديد بالمدارس الدولية اليوم.. و5 تشديدات مهمة من التعليم    عاجل.. حدث ليلا: صواريخ على كريات شمونة ومظاهرات تل أبيب وإعلان الطوارئ في بوليفيا بسبب الحرائق    الجزائر.. هيئة الانتخابات تنشر نسب التصويت الأولية في الرئاسية    الحكومة الروسية تأمر بإنشاء سفارة في جمهورية الدومينيكان    تعرف على موعد مباراة مصر وبوتسوانا والقنوات الناقلة    بيان مهم بشأن تحول الطقس اليوم الأحد 8 سبتمبر 2024    حبس 4 أشخاص ضُبط بحوزتهم أسلحة نارية وبيضاء بدون ترخيص بالقاهرة    أحمد مجدي: أحب تجربة المسلسلات متعددة الأجزاء    وزير الدفاع: القوات المسلحة ستظل زاخرة بالقدرات والكفاءات    «عبدالعاطي»: طالبت المسؤولين الإماراتيين بتقنين أوضاع أبناء الجالية المصرية    إعلام فلسطيني: الاحتلال يقتحم 4 بلدات بالضفة.. وينسف بنايات في غزة    عاجل.. اعرف نتيجة الدور الثاني للثانوية العامة عبر موقع الوزارة الرسمي فوز ظهورها    بعد غرامة «تذكرة الساعتين».. احذر هذه المخالفات في مترو الأنفاق عقوبتها تصل ل 1000 جنيه    بدء عمية فرز الأصوات في الانتخابات الرئاسية بالجزائر    مخرجة مسلسل «تيتا زوزو» تهدي بوستر دعائي لروح المنتج الراحل تامر فتحي (صورة)    مش عيب.. محمد الشرنوبي يكشف حقيقة حصوله على الشهادة الإعدادية    رحاب أحمد بطلة رفع الأثقال بدورة الألعاب البارالمبية تحفر اسمها بأحرف من ذهب    حزب الله اللبناني ينشر ملخص عملياته ضد الجيش الإسرائيلي يوم السبت    سيناء الغالية.. أمانة في رقبة الجيش والشعب    عامر حسين: قررت إيقاف نجلي وشقيقي من قبل.. وتلقيت تهديدات بالقتل لهذا السبب    "اتبسطت معاكم جدا".. أحمد سعد يُعلق على نجاح حفله في العراق    إعلان لبيع مدرسة ب تلاميذها يثير غضبا واسعا في المغرب    تعليق غريب من نجم منتخب مصر بشأن أزمة حسام حسن وأحمد حجازي    السيطرة على حريق بمخلفات دواجن في قها    التربية والتعليم تنفي تأجيل الدراسة في العام الدراسي الجديد    الزمالك يعلن رفع إيقاف مشاركة فريق السلة فى دورى BAL    قبل «الغربلة».. خيري رمضان يكشف حقيقة حذف المواطنين من بطاقات التموين بسبب امتلاكهم تكييف (فيديو)    أبرز نشاط وزير البترول والثروة المعدنية خلال 24ساعة    عامر حسين يكشف عن كواليس حريق ستاد الإسكندرية    لا تلم الآخرين على أخطائك.. برج الجدي اليوم الأحد 8 سبتمبر    وزير الثقافة يشهد فعاليات النسخة الثانية من «ملتقى العاصمة لفنون الطفل»    كيف احتفل النبي بذكرى مولده الشريف.. الإفتاء توضح    ثقف نفسك | 10 خطوات لتدوام على الصلاة على رسول الله    داعية يحرم ارتداء الرجال للون الأحمر: لباس النساء والكفار    الصحة تكشف تفاصيل استعدادها للعام الدراسي الجديد    عامر حسين يحدد موعد الإعلان عن الشكل الجديد للدوري    نتيجة تقليل الاغتراب 2024.. الرابط الرسمي لموقع التنسيق الإلكتروني    هل يستعد اليسار الفرنسي لمعركة ضد ماكرون ورئيس الحكومة الجديد؟    محافظ الغربية يوجه بتيسير استكمال ملفات التصالح بمخالفات البناء    المقاولون العرب يضم حارس مرمى غزل المحلة    هيئة السكك الحديد تعلن عن موعد إيقاف تشغيل قطارات المصيف بين القاهرة ومرسى مطروح    عبد الحليم قنديل: نتنياهو يشعل جحيما فى غزة والضفة لكنه يحترق فيه    داعية يفجر مفاجأة عن سبب وفاة عريس الشرقية    وكيل «تعليم كفر الشيخ» يناقش الاستعدادات لاستقبال العام الدراسي الجديد    4 طرق بسيطة لعلاج عين السمكة في المنزل    الصحة تكشف تفاصيل حملة توصيل الدواء بالمجان للمرضى    حدث بالفن| وفاة فنان تووليت يحذر نادي بيراميدز وهيفاء تكشف حقيقة حذف أغانيها من قبل روتانا    أستاذ استشعار عن بُعد يكشف مفاجأة بشأن انهيار سد النهضة    إحالة المتهمين بالتنقيب عن الآثار في الشرابية للمحاكمة الجنائية    الصحفيين: قانون الإجراءات الجنائية طرح للنقاش بطريقة تثير علامات الاستفهام -(تفاصيل)    بمناسبة المولد النبوي 2024.. طريقة تحضير السمسمية بسهولة    1200 مستفيد من قافلة جامعة القاهرة الشاملة بالجيزة بالتعاون مع التحالف الوطني    تفاصيل المسابقة السنوية لحفظ القرآن الكريم فى سوهاج    منظومة الشكاوى الحكومية: الأوقاف تحقق نسب إنجاز واستجابات مميزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من أوزوريس إلى الحسين.. المصريون والعائلات المقدسة
نشر في اليوم السابع يوم 23 - 07 - 2024

فى كل سنة فى مثل تلك الأيام، حيث نشهد ذكرى استشهاد الإمام الحسين، أجدنى أتأمل ذلك التفاعل العاطفى من المصريين مع ذكراه، تفاعل تلقائى عفوى غير متكلف بارتباط بطقوس مذهبية ولا تداخلات سياسية.. فقط مزيج من الحب والتعاطف. أوزوريس.. السيد المسيح عليه السلام.. الإمام الحسين.. إيزيس.. السيدة العذراء.. السيدة زينب، كأنه يوجد نمط خاص لاختيار المصريين من يتعلقون بهم من الشخصيات الدينية، وتعلق المصرى بأى من تلك الشخصيات لا يقف عند حدود ما يمكننى وصفه ب«الرصانة والوقار الدينيين»، وإنما تراه يتعامل معه بحميمية ومودة وعفوية من يعامل به بعض أهل بيته.
دائما يوجد نموذج «البطل المضحى بحياته فى سبيل تحقق الخير لغيره».. من أوزوريس الذى ألقى فى النيل ثم استعيد جثمانه وقطع لأجزاء دفنت متفرقة فى أنحاء مصر لتمنح تربتها البركة والخصوبة، والمسيح عيسى بن مريم الذى ضحى براحته وأمانه، وحمل روحه على كفه فى مواجهة كل من نفاق تجار الدين من اليهود، واليد الباطشة للإمبراطورية الرومانية، والحسين الذى وقف بين قلة من أتباعه فى مواجهة جيش يزيد بحديده وناره.
كل منهم كان يريد الخلاص والنجاة للناس، فأوزوريس - حسبما تذكر أسطورته - بعد أن علّم المصريين الزراعة والكتابة والبناء والفلك والتحكم بالنيل، وضع زوجته إيزيس على عرشه نائبة عنه، وسافر ليطوف بأنحاء العالم، ينقل معارفه وعلومه للبشر، ليخرجهم من ظلمات الهمجية، ويعلمهم كيف يقيمون الحضارات.
والمسيح ترك حضن أمه الدافئ، وامتطى حماره وراح يطوف بالمدن والقرى وينادى فى الناس أن يتوبوا فقد اقترب ملكوت السماء، ووقف صارما فى مواجهة من حولوا الدين إلى تجارة وبيت الله إلى سوق، ومن غالوا فى التدين إلى حد التشدد، وقالوا: «من ليس مثلنا كافر!» إلى حد أنهم كانوا ينتهكون حرمات البيوت ويتلصصون على الناس بحجة «مراقبة تطبيق الشريعة»، فصار الناس فى ضياع بين هؤلاء وهؤلاء، وكادوا أن ييأسوا من أن يجدوا الطريق إلى الله، فجاءهم المسيح لينتشلهم من تلك الدوامة.
والحسين - ولنأخذ هنا وقفة طويلة معه - غادر مأمنه فى كل من مكة والمدينة، حيث أنصاره ومحبوه و «عزوته»، وتحرك فى قلة من أتباعه، واتخذ طريق السفر العسير إلى العراق، بعد أن استنصر به الرافضون حكم يزيد بن معاوية، ورغم بلوغه أمر خذلانهم له، ورغم أن أناسا من أهل العقل والثقة أرادوا إثناءه عما أراد، كعبدالله بن عباس بن عبدالمطلب، وعبدالله بن عمر بن الخطاب الذى كأنما كان يرى من بين أستار الغيب حين ضمه مودعا وهو يقول: «أستودعك الله من قتيل»، وحتى الفرزدق الشاعر الذى قال له عبارته الشهيرة: «قلوب الناس معك، وسيوفهم مع بنى أمية»، فلم يثنه هذا عن عزمه.
لم يكن ذلك عن اندفاع انفعالى أعمى كما قد يحسب البعض ممن بلغ بعضهم أن قال: «إن الحسين قد قتل بشرع جده لخروجه على ولى الأمر»، ولا كان عن حماس ثورى، كما يحب أن يروج أولئك الذين لا يرون فى الحياة شيئا سوى الثورات، وكأنما هى غاية لذاتها.
وإنما كان الحسين يدرك حقيقة واضحة هى أن بنى أمية لن يتركوه إلا مبايعا لهم أو قتيلا بسيوفهم ولو تعلق بأستار الكعبة أو اعتصم بقبر جده الرسول، فهو يخشى أن تنتهك حرمة المدينتين المقدستين - مكة والمدينة - بسبب ملاحقة بنى أمية له، فلهذا قال لمن حاولوا إثناءه عن السفر: «لئن قتلت خارجا منها بشبر أخب إلى أن أقتل داخلا منها بشبر »، وقد كان بعيد النظر حقا، فبعد فاجعة استشهاده وكثير من آل بيته وأنصاره فى كربلاء «61 هجريا/680م» بسنتين، داهم جيش يزيد المدينة المنورة، وأوقع فيها مذبحة مرعبة فيما يعرف ب«واقعة الحرة»، «الحرة هى الحجارة البركانية السوداء التى اشتهرت بها المدينة».
وهو لا يريد ممن يدعون نصرتهم له أن يغروا أحدا بعده من آل بيته فيهلكوه، فأراد امتحان صدقهم، فإن تبين كذبهم - وقد تبين - صار فى ذلك تحذير للناس منهم.
أراد كذلك إقامة الحجة على أعدائه، فقال لهم حين حاصروه: إنه يعرض عليهم ثلاثة اختيارات، أن يعود من حيث أتى، أو أن يذهب إلى دمشق - عاصمة الأمويين - فيلتقى يزيدا ويتفاوضا، أو أن يفتحوا له طريقا لبعض ثغور المسلمين ليجاهد فى سبيل الله ويقضى باقى حياته فى ذلك.. فأبوا إلا قتله.
كل هذا يقول إن الحسين حين خرج كان يتوقع مصيره، لكنه لم ير حلا آخر لينقذ الآخرين مما يتهددهم إلا أن يضحى بنفسه عن طيب خاطر.
وكل من الثلاثة - أوزوريس والمسيح والحسين - تعرضوا للخيانة، فأوزوريس خانه أخوه الإله الشرير «ست»، والمسيح خانه تابعه يهوذا الإسخريوطى بحفنة من العملات، والحسين خانه من راسلوه فدعوه ووعدوه النصر ثم فوجئ بهم فى جيش يزيد يرفعون سيوفهم عليه.
وللنساء نصيب من حب المصريين الذين تحس أنهم - باختلاف أعمارهم - يبحثون دائما عن «الأم» التى يتشبثون بطرف ثوبها.
فهذه إيزيس، الأم الكبرى عظيمة الحيلة والدهاء والسحر، التى علمت الأمهات كيفية علاج لدغات العقارب لأطفالهن، ولقنتهن الرقى لحماية الطفل من الأرواح السيئة وعين الحاسد، وهى الراعية لطفلها حورس حتى يكبر ويشتد عوده، ويصبح ملوك مصر القديمة تجسيدا له، فهى عمليا أم الملوك بل وأم المصريين جميعا، وحتى فى تشييع الميت إلى مثواه الأخير كانت إيزيس - مع أختها نفتيس - قدوة للمصريات، فمشهد النائحات المتشحات بالسواد فى الجنائز، وترديد بعضهن أقوال مثل «يا اخويا.. يا سبعى.. يا راجلى» فى بعض قرى مصر وأوساطها الشعبية، ما هو إلا تكرار لما فعلته إيزيس بعد انتشالها جسد أوزوريس.
وهذه السيدة مريم العذراء، إذ يروعها خبر أمر ملك اليهود هيرودوس بقتل الأطفال دون العامين فى بيت لحم، بسبب نبوءة بميلاد طفل يهدد ملكه، فتحمل العذراء رضيعها وتتخذ الطريق الشاقة من بيت لحم مرورا بغزة ثم صحراء شمالى سيناء القاسية إلى مصر لتظل فى ارتحال وتنقل بين مدنها شمالا وجنوبا لمدة ثلاث سنوات حتى يأتيها نبأ هلاك الطاغية هيرودوس ورفع السيف عن الأطفال.
وأما السيدة زينب، بنت على بن أبى طالب، وأخت الإمام الحسين، فهى أم العواجز والمساكين لاشتهارها بأعمال البر والإحسان للفقراء، وهى أم هاشم، أى أم بنى هاشم، وهو تكريم لها بأنها بمثابة الأم لقومها بنى هاشم لاشتهارها بالحكمة ولجوئهم لها لطلب النصيحة، وهى ذات الشجاعة العالية حين نظرت فى عينى الطاغية يزيد بن معاوية بن أبى سفيان، وردت على سخريته من أخيها الحسين وأبيها الإمام على بقولها: «بدين الله ودين جدى، ودين أبى ودين أخى، هديت أنت وأبيك وجدك »، فلما قال مرتبكا: «كذبت يا عدوة الله»، رمته بنظرة ازدراء وأجابته: «أنت تشتم بقوة سلطانك!».
فكأنما انتقى المصريون النماذج الثلاثة من عصورهم الحضارية الفرعونية والقبطية والإسلامية، ليترجموا فى حبهم رؤية المصرى لما يجب أن تكون عليه الأم.. وللحديث بقية فى المقال المقبل إن شاء الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.