عندما نودعه، لابد من أن نتذكر له كل أشعاره وقصائده، التى عبرت عن كل مراحل حياته المليئة بالعطاء، والتى كشفت عن عشقه لهذا الشعب وتراب هذا الوطن. هوقداسة، البابا شنودة الثالث، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، والذى لقب بالعديد من الألقاب مثل " الأسد المرقسى، معلم الأجيال، قديس العصر، ذهبى الفم الثانى ، وراعى الرعاة، رجل الحكمة والسلام ، إثناسيوس القرن الواحد والعشرين، أديب القرن الواحد والعشرين. هو"نظير جيد روفائيل" يتيم الأم، تولى رعايته والده وأخوه الأكبر، بدأ فى كتابة الشعر فى سن مبكرة حينما كان يدرس فى كلية الآداب بجامعة القاهرة فقال: "أحقا كان لى أم فماتت؟"..أم أنى خلقت بدون أم؟ رمانى الله فى الدنيا غريبا..أحلق فى فضاء مدلهم وأسأل يا زمانى أين حظى.. بأخت أو بخالٍ أو بعم؟ وأسأل عن صديق لا أجده.. كأنى لست فى أهلى وقومى" ومن هنا نجد إحساس فقدان الأمومة، الذى شعر به قداسة البابا، واليتم الذى حاول أن يتبادله بحب الله والعلم والوطن وانشغاله بكافة قضايا التعليم حتى إنه أصبح فى منتصف الستينيات أسقفا للتعليم وعميدا للكلية الإكليريكية، وهنا لا ننسى خفة دمه عندما قال الشعر الفكاهى فى قصيدته الشهيرة "الجغرافيا": حاجة غريبة بأدخلها بالعافية فى مخى ما تدخلشى بنشوف فى الأطلس أمريكا وألمانيا وبلاد الدوتشى ماتقول لى بأى فوتوغرافيا وتقول ما تقول ما هاصدقشى حاجة غريبة بأدخلها بالعافية فى مخى ما تدخلشى ورياح مبللولة تجيب مية ورياح جافة متمطرشى ورياح بتساحل فى الساحل تتبع تعريجة وتمشى ورياح بتغير وجهتها ورياح تمشى متحودشى أنا عقلى اتلخبط فين ديا وديا وبين ديا وديا ما أفرقشى حاجة غريبة بأدخلها بالعافية فى مخى ما تدخلشى وبعد تخرجه فى كلية الآداب والتحاقة برئاسة تحرير مجلة مدارس الأحد، تبدأ محطة جديدة فى حياته، وهى انعزاله لحياة الرهبنة التى كان يرى فيها النقاء الكامل لكى ينفرد بعبادة الله فى الصحارى والمغارات والأديرة وهنا كتب قصيدة سائح أنا فى البيداء وحدى.. ليس لى شأن بغيرى لى جحرُ فى شقوق التل.. قد أخفيت جحرى وسأمضى منه يوماً .. ساكنا ما لست أدرى سائحاً أجتاز فى الصحراء .. من قفر لقفر ليس لى دير فكل البيد .. والآكام ديرى لا ولا سور فلن يرتاح .. للأسوار فكرى أنا طير هائم فى الجو..لم أشغف بوكر أنا فى الدنيا طليق ... فى إقامتى وسيرى أنا حر حين أغفو... حين أمشى حين أجرى وغريب أنا أمر الناس ... شيء غير أمرى ومع مرور السنوات ومع تزايد مسئولياته بشئون البابوية والكنيسة، يشتاق قداسة البابا لحياة الصحارى والأديرة ليكون أكثر انعزالا بغرض التعبد والتأمل والتفكر فى كون الله وطبيعته. ويقول البابا فى قصيدته "حرمت البرارى": "حرمت البرارى وأجواءها.. وعشت زِحام الألوف أُلَبى.. وصرت أزور وصرت أُزار.. وصرت أُجادل فى الدين غيري.. وأشغل قلبى بالمشكلات.. فأين السكون وأين الهدوء؟.. إذا قلت أنى خسرت الأم فهم يعجبون وهم يسألون.. ألست تُنادى باسم المسيح؟!.. ولكن ذكرى حياة الجبال فأين فؤادى يقضى الليالى.. وما عاد ربى له كل فكرى.. وأسأل كيف تغير حالى.. أخيرا خضعتُ لما صرت فيه.... وكيف تركت حياة المغارة خضعت لربى، قبلت قراره" ولا ننسى البابا عندما قال قصيدة أحبك يا ربى " أحبك يا ربى فى ضيقتى ووقت احتياجى ووقت الألم، أحبك يا ربى فى توبتى ووقت البكاء ووقت الندم، أحبك يا ربى وقت الرخاء وأيضا أحبك وقت العدم، أحبك والقصر يبنى لاجلى وأيضا إذا ما هوى وانهدم، أحبك قلبا يضمد جرحى وأفرح حين آراه التئم" وقصيدة "مشاعر" التى قال فيها تمكثُ دائماً معى تسكنُ فى حشَاشتى فى مُهجتى... فى أضلُعى تظهرُ فى ابتسامتى فى ضحكتى... فى أدمُعى مشاعرٌ تصحبُنى فى صَحوتى فى مَضجَعى وقصيدة أغلق الباب وحاجج واملأ الليل صلاة فى دجى الليل يسوعا وصراعا ودموعا أيها الحائر يا من تسأل الناس وتشكو هل وجدت الحل يا هل أزال الناس ما يا صديقى: سوف لا يجديك ليس عند الناس رأى فحلول لفريق إنما عندى علاج أغلق الباب وحاجج واملأ الليل صلاة وقصيدة تائه فى الغربة: 1. يا صديقى لست أدرى ما أنا أنت مثلى تائه فى غربة نحن ضيفان نقضى فترة عاش آباؤنا قبلاً حقبة قد دخلت الكون عرياناً وسأمضى عارياً عن كل ما عجباً هل بعد هذا نشتهى غرنا الوهم ومن أحلامه ليتنا نصحو ويصفو قلبنا أو تدرى أنت ما أنت هنا وقصيدة للكون إله: إن للكون إلهاً ** ليس معبوداً سواه هو أصل للوجود ** وهو أصل الحياة ينحنى الكل خضوعا ** فله نحنى الجباه فى ركوع فى سجود ** فى ابتهال فى صلاة يجد الوجدان فى حبه ** أسمى مشتهاه كل ما أبغيه أن أقضى ** عمرى فى رضاه هو فى الأذهان دوماً ** وهو عال فى سماه وقصيدة إن جاع عدوك إن جاع عدوك أطعمه وإذا ما احتاج تساعده وبكل سخاء تعطيه ومن الخيرات املأ يده إن كان ضعيفاً شدده أو كان حزيناً تسعده إن ضل طريقه عن جهل فبكل الحكمة ترشده ولم ننس قصيدته الشهيرة "غريبا عشت فى الدنيا" غريبا عشت فى الدنيا نزيلا مثل آبائى غريبا فى أساليبى وأفكارى وأهوائى غريبا لم أجد سمعا أفرغ فيه آرائى يحار الناس فى ألفى ولا يدرون ما بائى يموج القوم فى هرج وفى صخب وضوضاء وأقبع ههنا وحدى بقلبى الوادع النائى غريبا لم أجد بيتا ولا ركنا لا يوائى تركت مفاتن الدنيا ولم أحفل بناديها ورحت أجر ترحالى بعيدا عن ملاهيها خلى القلب لا أهفولشىء من أمانيها أطوف ههنا وحدى سعيدا فى بواديها بقيثارى ومزمارى وألحان أغنيها وساعات مقدسة خلوت بخالقى فيها لم تنته قصائد البابا فهناك الكثير والكثير منها لقد تعلمنا من كلامه وتعلمنا أيضا من صمته الذى أدانته عقولنا الساذجة والآن هو الدرس الكبير الذى أدركناه ..إنه القوة والحكمة وقوة الإيمان. وداعا يا من اكتملت فيك كل صفات الوداعة والمحبة والعطاء والحكمة والحزم وبشاشة الوجه سوف يسجل التاريخ أعظم جنازة حدثت فى تاريخ مصر.. جنازة مهيبة بمعنى الكلمة خرج فيها الملايين ونظمها الجيش المصرى بآلاف الضباط والجنود.. حضرها زعماء العالم ... شوارع القاهرة بأكملها استعدت.... بكى فيها ملايين المصريين.... اكتظت الكنيسة عن آخرها والشوارع كادت تنفجر من التزاحم...حقا إنك عظيم يا قداسة البابا... كم من مرة تمت إهانتك واضطهادك... وها أنت اليوم أعظم من فى مصر كلها .. حقا إنها كرامة الرب لك على الأرض فما بالنا بما يحدث الآن فى السماء.. حقا "كريم أمام الرب موت أتقيائه".