تتصدر منذ أيام أخبارالمأساة التى تتعرض لها غزة جميع الصحف الفرنسية التى أدانتها بشدة، مؤكدة أن هذه الضربات الإسرائيلية هى الأكثر قسوة وعنفا وشراسة منذ 1967. ونددت فى جميع المقالات الواردة بها العملية العسكرية الإسرائيلية "الرصاص المصبوب" التى انصهرت دماء غزة من شدة سخونته، ودعت المجتمع الدولى إلى إنقاذ المدنيين الأبرياء المحاصرين فى شرك القصف الإسرائيلى، مشيرة إلى أن قسوة الضربات سوف تمنح مصداقية جديدة لحركة حماس، التى سوف تخرج بعدها أكثر قوة وشعبية، على عكس الهدف من هذه العملية الذى أعلنته الحكومة الإسرائيلية وهو إسقاط هذه الحركة. وأشارت إلى أن إيران قد تكون المصدر وراء حملة الانتقادات التى تتعرض لها مصر باتهامها بالتواطؤ مع إسرائيل، والتى يتناوبها عنها حزب الله، الذى دعا قائدها بالفعل ملايين المصريين للتظاهر فى الشوارع للضغط على مصر لفتح معبر رفح. لوفيجارو أشارت صحيفة لوفيجارو إلى موقف الولاياتالمتحدةالأمريكية، التى يقضى رئيسها الحالى ورئيسها القادم إجازة نهاية العام، فى الوقت الذى تحترق فيه غزة بنيران آلاف الصواريخ الإسرائيلية. فلم يقم جورج بوش، الذى كان على علم مسبق بالهجمات الإسرائيلية، بالإدلاء شخصيا بأية تصريحات حول هذه العملية العملية، مستكملا إجازته مع أسرته فى مزرعته بتكساس، على الرغم من مؤشرات احتمال قيام إسرائيل بالتحضير لضربة برية فى قطاع غزة. فى حين التزم الرئس المنتخب أوباما، الذى يقضى هو الآخر إجازته العائلية على شواطىء هاواى، بموقف يتسم بالحرص، مكتفيا بالتصريح من خلال المتحدث الرسمى باسمه بأنه "يتابع عن قرب الموقف من جزر هاواى"، نظرا إلى موقفه "الحرج" بالنسبة لبوش، الذى يتحدث باسم الولاياتالمتحدةالأمريكية حتى ال20 من الشهر المقبل. أضافت الصحيفة أنه بدلا من أن يطالب بوش إسرائيل "حليفة الولاياتالمتحدةالأمريكية" بالوقف الفورى لهجماتها، ترك للمتحدث الرسمى باسم البيت الأبيض مهمة إدانة حركة حماس فى كلمات تفتقر تماما للدبلوماسية، محملا إياها مسئولية كل ما تعانى منه غزة الآن، ومضيفا أن ما تقوم به إسرائيل يأتى من منطلق الدفاع عن شعبها ضد إرهابيى حماس. غير أن الصحيفة رأت أن التدهور السريع فى الأوضاع الذى يشهده القطاع يعد اختبارا حاسما للرئيس المنتخب أوباما فيما يتعلق بسياسته الخارجية، خاصة أنه أظهر خلال حملته الانتخابية نوعا من التعاطف مع إسرائيل، عندما صرح بأنه إذا قذف أحد منزله فى الليل أثناء نوم بناته، فسوف يبذل كل ما بوسعه ليمنعه وبأنه ينتظر أن يقوم الإسرائيليون بالمثل، مضيفا اعتقاده فى صعوبة إجراء مفاوضات مع حركة حماس. وفى مقال آخر ورد فى نفس الصحيفة يتحدث عن حملة الاتهامات التى تتعرض لها مصر حول تواطؤها مع إسرائيل وعلمها المسبق بهذه الهجمات، ذهبت الصحيفة إلى أن تلك الانتقادات إنما تمثل فرصة سانحة للإسلاميين الفلسطينيين الذين يأملون من الآن فصاعدا بالاستفادة منها من ناحية، ولدولة قطر التى تحاول استرداد دور الوسيط المتميز الذى ظل حتى الآن مقصورا على القاهرة، من ناحية أخرى. الأمر الذى جعل الدبلوماسية المصرية تعلن يوم الأحد قيامها بإجراء مباحثات لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس. وهو ما يشبه المهمة المستحيلة بما أن العلاقات بين القاهرة وحماس فى منتهى السوء. فمصر، التى لا تخفى تفضيلها لحركة فتح، لم تستقبل برضا سيطرة حماس على السلطة فى قطاع غزة، بسسب علاقة حماس بمنظمة الإخوان المسلمين، التى تمثل حركة المعارضة الرئيسية للنظام فى مصر. تخلص الصحيفة، نقلا عن أحد الدبلوماسيين الأجانب فى مصر، إلى وجود صراع آخر يكمن وراء المسألة الفلسطينية، تدور رحاه فى الظل، وهو سعى مصر على الأخص، من خلال معارضتها لحماس فى غزة ولحزب الله فى لبنان، إلى منع امتداد تأثير إيران فى العالم العربى، والتى ستكون الرابح الأكبر من هجمات غزة. ليبراسيون تحت عنوان "الغزاويون يعيشون بلا أمل"، تساءلت صحيفة ليبراسيون إذا كان من الممكن وصف الاعتداءات الجوية الإسرائيلية على قطاع غزة، والمحتمل أن تعقبها هجمات برية لن تقل عنفا بلا شك، بغير "القسوة". ذهبت الصحيفة إلى أنه من المؤكد أن أية دولة لم تكن لتترك شعبها يتعرض لنيران صواريخ العدو دون أن ترد عليه، ومن المؤكد أيضا، كما ذكر محمود عباس، أن قادة حماس كانوا يعلمون جيدا أن إسرائيل لم تكن لتقف مكتوفة الأيدى أمام هجماتهم، إلا أن القصف الذى قامت به إسرائيل خلال الأيام الماضية كان بلا شك الأكثر دموية منذ عقود من الزمن، مسفرا عن خسائر بشرية فاقت بمائة مرة تلك التى سجلت منذ نهاية الهدنة، من مئات القتلى والجرحى من المدنيين، من بينهم عدد غير محدد بعد من الأطفال. وقد أجرت الصحيفة حوارا مع المنسق العام لبعثة أطباء العالم فى غزة، مارك فان دير مولين، الذى يروى كيف فقد سكان القطاع الأمل نتيجة شعورهم بأنهم قد وقعوا داخل مصيدة، مشيرا إلى المأساة التى يتعرضون لها بسبب صعوبة وصول الإمدادات الطبية إليهم. وأضاف أن موافقة إسرائيل على السماح بمرور قافلة إغاثة إنسانية إلى غزة لا يعنى بالضرورة وصول الإسعافات إلى السكان، إذ أن تلك المنطقة هى "منطقة حرب" بكل التعقيدات التى تحملها هذه الكلمة، مما يعنى أن شيئا ليس مضمونا فى تلك الحالة. وفيما أطلقت عليه "المفارقة" فى تحليل آخر، علقت الصحيفة أنه نادرا ما اتحد الإسرائيليون على شىء بهذا الشكل من قبل، كما اتحدوا على الأسلوب العنيف والوحشى الذى اتبعته إسرائيل فى غزة، من الكاتب الداعى إلى السلام آموس آوز إلى "الصقر" نتانياهو، والفضل يرجع فى هذا الإجماع إلى الحزب الإسلامى حماس، الذى اختار الغرب مقاطعته، والذى تسانده إيران ماديا وعسكريا. فإسرائيل التى ظنت أن انسحابها من غزة قد وضع حد للخطر الحمساوى لم تعد تحتمل صواريخه. فكان ردها هو معاقبة مليون ونصف مليون غزويا يعيشون فى يأس على المساعدات الدولية، خاصة الأوروبية. بيد أن غزة لم تختف من الوجود بعد العملية الإسرائيلية العنيفة، التى يحتمل أن تمنح مصداقية جديدة لحماس، كما تعكس المظاهرات فى العالم العربى والإسلامى. ولفتت الصحيفة إلى أن الدرس الذى تلقته من حزب الله، فى لبنان، يبدو أنه لم يجد نفعا. فالسلام لا يعقد إلا مع الأعداء، وإسرائيل، حتى لو كانت فى منتهى القوة، يتعين عليها فى النهاية ضرورة التفاوض على هدنة جديدة مع حركة حماس التى تقبض بيد من حديد على قطاع غزة. لأنه فى حالة غياب الهدنة، لن يلوح فى الأفق سوى الموت. وفى انتظار ما سيحدث، خلصت الصحيفة إلى أن اليوم ترتسم ملامح عالم عربى-إسلامى أكثر انقساما، ومحور طهران-دمشق-حزب الله-حماس أكثر قوة... لتنجو فقط حماس من هذه الهجمات، وستخرج من هذه المواجهة منتصرة وأكثر شعبية! وعن موقف مصر، أشارت الصحيفة إلى الضغوط التى تتعرض لها القاهرة ما بين "عنترية" حركة حماس ومتطلبات المجتمع الدولى ورغبتها فى الحفاظ على أمنها الداخلى. لوموند من ناحيتها اعتبرت صحيفة لوموند ما حدث "بحر من الدماء لا فائدة منه"، وذكرت فى افتتاحيتها أن نفس القصة تتكرر فى غزة، فقد لجأت الحكومة الإسرائيلية من جديد إلى الحل العسكرى. إلا أنه بنظرة تحليلية إلى تاريخ هذه المنطقة، يتضح أن لجوء إسرائيل إلى الهجمات العسكرية لم يخرس يوما على الإطلاق الميلشيات الفسطينينة، ولم تؤد فى المقابل كل هجمة إسرائيلية ثقيلة سوى إلى حمامات من الدماء فى هذه الأراضى التى وقع الآلاف من المدنيين فيها فى شرك هذه الاعتداءات. ووصفت الصحيفة الهجمات الإسرائيلية التى يتعرض لها قطاع غزة منذ أيام، بأنها أكثر الاعتداءات دموية منذ 1967، وقالت الصحيفة إنه إذا كانت إسرائيل قد اختارات الحل العسكرى، يبقى عليها إذا إثبات أن تلك الهجمات الأخيرة هى القادرة أن تؤتى بالثمار التى فشلت فى تحقيقها الهدنة التى تمت بالوساطة المصرية. فإذا كان هدف هذه العملية، كما صرح المسئولون الإسرائيليون عاليا، هو توجيه ضربة قوية لحماس، فالمشهد الواقعى يدعو إلى الرهان بأن هذا الهدف الإسرائيلى سوف يصطدم بواقع مرير، ففيما مضى لم يمنع اغتيال قادة حماس والمئات من ميلشياته منذ بداية الانتفاضة الثانية هذه الحركة من تولى السلطة فى غزة فى 2007، أى أن التفاوض على سلام جاد يسانده ويدعمه المجتمع الدولى هو الحل الوحيد لرحيله منها.