قالت مؤسسة كارنيجى الأمريكية للسلام الدولى إن مصر يمكنها أن تتعلم من النموذج التركى لكن دون أن تستطيع أن تحاكيه أو تنشئ نموذجاً مثله. ورأت سبنيم جوموسكو، الخبيرة فى العلوم السياسية والمتخصصة فى التيارات السياسية الإسلامية فى جامعة سابانجى فى إسطنبول، فى مقالة بنشرة صدى الصادرة عن المؤسسة الأمريكية، أن السبب فى ذلك يعود إلى سوء فهم النموذج التركى من جانب البعض فى مصر. وتشير الكاتبة إلى أن التعايش بين الإسلام والديمقراطية فى تركيا لم يتحقق بسبب قيام حزب العدالة والتنمية الحاكم بتطوير مؤسسات وهياكل سياسية تجمع بين المبادئ الإسلامية والديمقراطية، ولكن لأن الإسلاميين أنفسهم قبلوا بالإطار العلمانى الديمقراطى لتركيا. وتوضح الكاتبة أن التحول الذى شهدته تركيا فى السنوات الأخيرة نجم عن الانتقال الليبرالى الجديد الذى عرفته البلاد فى الثمانينيات والذى أدى فى النهاية إلى ظهور طبقة جديدية وسط الناخبين أصبحت فيما بعد قوة معتدلة أيدولوجياً. وقد عملت هذه الطبقة على تعزيز البراجماتية السياسية والاستقرار، إلى جانب توثيق العلاقات مع الاتحاد الأوروبى كشريك تجارى أساسى، ومع الغرب بشكل عام. وقد انفصل هؤلاء الإسلاميون المعتدلون، وهم طبقة منظمة من رجال الأعمال أصحاب النفوذ والمتدينين، وأنشأوا حزب العدالة والتنمية العام 2001. وعمل العدالة والتنمية، بوصفه حزباً محافظاً يمثل المصالح الليبرالية الجديدة على الحد من تدخل الدولة وتعزيز الاستقرار السياسى والاقتصادى وبناء علاقات ودية مع العالم الخارجى. وجعل الحزب فكرة الدولة المسيطرة التى تدير الاقتصاد وكذلك حياة المسلمين من خلال المبادئ الإسلامية مسألة تخطاها الزمن. وذلك لا يعود إلى التخلى عن التدين، بل لأن الشبكات الإسلامية وجدت فى السوق الحرة ومنظمات المجتمع المدنى أرضاً خصبة تضمن لها الازدهار. أما فى مصر، تقول جوموسكو، فقد استفاد نظام مبارك من الليبرالية الجديدة ولم تصل مزاياها إلى الطبقات الأصغر.. كما أنه لا يوجد قاعدة قوية من رجال الأعمال داخل الحركة الإسلامية تصر على الإصلاحات الليبرالية الجديدة أو على تقليص حجم الدولة أو على البراجماتية السياسية. صحيح أن حزب الحرية والعدالة الذى أنشأه الإخوان المسلمون يدعم المبادرة الخاصة، لكن هذا الدعم لا يعنى أبداً دعم الليبرالية، فالبرنامج الانتخابى للحزب ينص على الإبقاء على دور كبير للدولة فى الإنتاج والتخطيط وتنظيم الأسعار والأمن الاجتماعى وتوفير الوظائف. والنظام الاقتصادى الذى ينادى به حزب الحرية والعدالة أقرب إلى نموذج تسيطر فيه مجموعات المصالح الكبرى على الدولة والشركات ويكون موجّهاً نحو إيجاد بدائل عن الواردات وتعزيز الصادرات. وتوضح الخبيرة التركية أنه ما لم يتحول حزب الحرية والعدالة إلى تنظيم سياسى مستقل وخاضع للمساءلة أمام الناخبين وأكثر توجهاً نحو المصالح السياسية لهم، فلن يصبح مسئولاً أمام الشعب المصرى.