ذات يوم وليلة، بل قل ذات أيام وليال، صارت هناك ثورة، كان الناس جوعى، يرون الظلم ولا يتكملون، يشربون السم ولا يتذمرون، يقتلون ويجرحون دون أى ذنب فماذا هم فاعلون؟ وذات يوم وليلة آخرين، التقوا، أشعلوا نارا وجلسوا حولها حتى الصباح وراحوا يتهامسون، من ذا الذى يبدأ الشرارة يا ترى؟ وهل نحن عاجزون؟ فلنتصرف ولننتفض فنحن لسنا بأحياء ولا ميتين! قام القوم ونفضوا عن أيديهم تعب السنين وغبار العمر، صاحوا مرددين: "فليسقط الظلم عن المظلومين" وصحا النيام ليلحقوا بالركب أيضا صائحين: "فليسقط القهر عن المقهورين" وسال سيل المتظاهرين، كانوا فرعا فصاروا نهرا ثم بحرا وفى النهاية محيطا كبيرا، امتزجت الهتافات وعلى الصوت حتى خرق أذان الغافلين! الثورة صارت ثروة، وراحت الجموع تأتى من كل حد وصوب، كل يرسم أحلامه على جدرانها، نعم كان للثورة جدران ولوحات وألوان، فالطفل يرسم حلمه بالأمان، والرجل الكبير يحلم بالاطمئنان وراحة البال، والمرأة تحلم بغد مشرق لها ولكل إنسان، والطفلة رسمت جسرا يوصلها لبر الأمان.. وكل رسم حلمه على جدار الثورة وهى تراهم بعينيها مبتسمة لصغر وكبر الأحلام! وذات ليل آخر، خرج المارد الأسود من مكان مجهول، مزق جدران الثورة، واشعل الرسم والألوان فأحال حياة الطفل غضب وتعب وقلة أمان، والرجل كاد يموت خوفا ودموعه هزت كل الأبدان، والمرأة سحلت وضربت وصار غدها ملىء بالأسود الذى يأتى من كل مكان، وجسر الطفلة هدم ولم يوصلها حتى لأقرب عنوان، كل الأحلام احترقت بفعل فاعل من هذا الزمان.