شهد الإسلام السياسى حالة من العودة المذهلة إلى العالم العربى قبل عامين، ففى الأراضى الفلسطينية تمكنت حركة حماس فى تحقيق الفوز فى الانتخابات البرلمانية عام 2006 على حركة فتح العلمانية الفاسدة. وجاء هذا الفوز المدهش بعد عرض قوى قدمته جماعة الإخوان المسلمين فى مصر عام 2005، والتى تمكنت من الفوز ب20% من المقاعد البرلمانية على الرغم من أنها خاضت هذه الانتخابات بعدد محدود من المرشحين. وفى العراق أيضا، صعدت الأحزاب الإسلامية كقوة رئيسية فى البرلمان، وشكلت أول حكومة عراقية بعد الغزو الأمريكى. وحتى فى السعودية التى شهدت أول انتخابات محلية محدودة عام 2005، تلقى الليبراليون هزيمة على يد الإسلاميين. وفى الجزائر، ولأول مرة منذ عام 1991 الذى شهد بداية الحرب الأهلية نتيجة انقلاب الجيش على فوز الإسلاميين فى الانتخابات العامة، شعر الإسلاميون الذين طالما مارسوا ضغوطا من أجل الاندماج فى العملية السياسية بإمكانية حدوث ذلك. لكن احتفالات الإسلاميين بانتصاراتهم كانت قصيرة المدى، فعندما بدأوا فى إظهار قوتهم، واستعراض عضلاتهم السياسية، أثاروا غضب حكام الشرق الأوسط وحلفائهم الغربيين، مما أدى إلى ظهور ردود الأفعال على ذلك. ربما تميل بعض الحكومات الغربية إلى الشعور بالراحة إزاء الانتكاسات التى تعرضت لها الجماعات الإسلامية، والتى غالبا ما تتبنى وجهات نظر مناهضة للولايات المتحدة، وتعزز سياسات اجتماعية من شأنها تقويض الحقوق القليلة التى تمكنت المرأة العربية من الحصول عليها الآن. ومع ذلك فإن الأمر الآن يتعلق بالديمقراطية العربية ومستقبل الاستقرار فى المنطقة الذى تم ضربه نتيجة لأن الإسلاميين لا يزالوا يمثلون المعارضة الرئيسية، ومن الصعب تصور مستقبل ديمقراطى فى المنطقة يقوم على استبعادهم. ويقول بعض المحللين إن الخطر الآن يتمثل فى احتمال تقويض العناصر المعتدلة داخل الحركات الإسلامية، وتقوية المحافظين نتيجة للانتكاسات التى يتعرض لها الإسلام السياسى. كما أن هذه الانتكاسات تساهم فى تعميق الإحساس باللامبالاة لدى الناخبين لأن أصواتهم لا تؤدى إلى حدوث أى تغيير. وكان الفلسطينيون هم أول من شعر بالندم على تصويتهم لصالح حماس، حيث إن الحكومات الغربية والكثير من الدول العربية قاطعت حركة المقاومة الإسلامية. وتعمقت الخلافات مع حركة فتح مما أدى إلى تمزق المجتمع الفلسطينى.. وفى المملكة العربية السعودية المحافظة، اقتنعت الأسرة الحاكمة فيها بضرورة عدم تكرار تجربة الانتخابات التى انتصر فيها الإسلاميون. ودفعت جماعة الإخوان المسلمين فى مصر ثمنا باهظا لللمكاسب الانتخابية التى حققتها. فلم يكتف النظام المصرى بتكثيف حملته ضدها، بل حرص من خلال التعديلات الدستورية على ضمان عدم تمكن الإسلاميين من انتزاع السيطرة من الدولة. وعندما شهدت مصر انتخابات محلية فى بداية هذا العام، اضطر الإخوان المسلمون إلى إعلان مقاطعتهم لها بعد أن تم منع الأغلبية الشاسعة من المرشحين الذين تدعمهم من خوض هذه الانتخابات. لا عجب إذن فى أن يتشكك الإسلاميون فى مزايا تقبلهم للعملية السياسية. فعلى الرغم من أن المسئولين الإسلاميين يفضلون التقليل من شأن الأزمة التى يواجهونها، إلا أن المحللين يشيرون إلى وجود جدل بين القيادات العليا للجماعات الإسلامية حول جدوى المشاركة السياسية. بعض المسئولين يرون ضرورة تخلى الجماعات الإسلامية عن المشاركة فى الانتخابات والتركيز بدلا من ذلك أكثر على التبشير للعمل الاجتماعى. يقول عمرو حمزاوى الباحث بمركز كارنيجى لدراسات الشرق الأوسط: إن المشاركة السياسية كانت تمثل الخيار الاستراتيجى لأغلب الحركات الإسلامية منذ التسعينيات من القرن الماضى، ولم يكن أى خيار آخر سواء الانقلاب على الأنظمة أو العمل بشكل منفرد فى المجال الاجتماعى ليفيد فى شىء. لكن الآن هناك جدال حول كيفية التعامل مع حقيقة أن المشاركة السياسية أيضا لم تؤد إلى شىء. حتى الجماعات الإسلامية التى واجهت قيود محلية أو دولية أقل مثلما حدث فى الأردن والمغرب، تواجه ضغوطا لتبرير مشاركتهم السياسية لاتباع تتزايد شكوكهم بعد الأداء السىء غير المتوقع فى الانتخابات الأخيرة. ففى المغرب على سبيل المثال، حزب العدالة والتنمية الذى تعترف به واشنطن باعتباره الأكثر اعتدالا بين الجماعات الإسلامية العربية، حقق انتصارات محدودة فى الانتخابات البرلمانية فى سبتمبر 2007. ويقول مصطفى راميد مسئول حزب العدالة والتنمية المغربى، إن هذه المشاركة ظلت الأفضل من بين الخيارات السيئة المتاحة للإسلاميين، لكنه يعترف بأن بعض مؤيدى الحزب لم يعودوا مقتنعين بهذا الخيار، خاصة أن السلطة الحقيقية فى المغرب تظل فى يد العائلة المالكة. بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، وجدت إدارة الرئيس الأمريكى جورج بوش، أن التحول إلى الديمقراطية أصبح أمرا أساسيا كعلاج للأصولية الموجودة فى المجتمعات العربية. ومارست الإدارة الأمريكية ضغوطا على النظم الموجودة فى منطقة الشرق الأوسط من أجل إصلاح أنظمتهم السياسية وإعطاء المعارضة الإسلامية فرصة جديدة. ومع ذلك لم تستطع إدارة بوش التغلب على خوفها من الإسلام السياسى، كما أنها لم تتقبل أن الديمقراطية ستفرز أحزابا تعارض بشراسة السياسة الخارجية للولايات المتحدة. واصطدمت التجربة بحقيقة أنه بينما يعمل بعض الإسلاميين فى بيئات سلمية، فإن البعض الآخر منخرط فى الصراع العربى الإسرائيلى. وخلص المحللون الغربيون إلى أن المشاركة قد تقنع حماس وحزب الله اللبنانى بالتخلى عن أسلحتهما، لكن الإسلاميين أصروا على أن أجنحتهم العسكرية مرتبطة بالصراع مع إسرائيل وليس المشهد الداخلى. لذلك، بعد مداعبة وجيزة مع الديمقراطية العربية، وجدت الولاياتالمتحدة الأمان مرة أخرى بين أحضان الأنظمة الموجودة. ومع احتلالها العراق تراجعت سلطتها بشكل حاد، وأطلق حلفاؤها وتحديدا مصر، أيديهم، وعادوا لممارسة عادتهم القديمة لقمع الإسلاميين. ويلقى المحلل خليل العنانى، باللوم على سياسة الأرض المحروقة التى تتبعها الحكومات فى التعامل مع الجماعات السلفية التى ترفض المشاركة السياسية. وكتب العنانى فى الأهرام ويكلى مؤخرا يقول: إن الإخوان المسلمين والجماعات المعتدلة الأخرى تفقد مصداقيتها أمام الجماهير العربية، لأنهم ركزوا على السياسة وأهملوا الدين، ولذلك فإن السلفيين بدأوا يظهرون وسط الساحة. والأمر الأكثر إثارة للقلق، هو أن القمع قد يؤثر على قبول الإسلاميين للقواعد الديمقراطية. فعلى الرغم من أنهم لا يزالون يعتبرون أنفسهم ساعين إلى إقامة دولة تقوم على أساس الشريعة الإسلامية، فإن الكثير من الجماعات الإسلامية أقل صرامة عندما يتعلق الأمر بتطبيق تطلعاتهم. ووفقا لما يقوله حمزاوى، فإن الإسلاميين الذين شاركوا فى العملية السياسية باستمرار، كما هو الأمر فى المغرب والأردن، يميلون إلى أن يصبحوا أكثر مرونة. وفى مصر، كانت محاولة الإخوان المسلمين وضع برنامج حزب سياسى علامة على النضج السياسى، وقد أرسلت الجماعة العام الماضى نسخة من هذا البرنامج إلى عشرات الخبراء، وطلبت منهم التعليق عليه. وقد أثار بعض محتوى البرنامج الغضب خاصة ما يتعلق بعدم تولى المرأة أو غير المسلمين منصب الرئاسة. يقول عصام العريان المسئول فى حركة الإخوان المسلمين بمصر: "إن عملنا يدور حول التغيير فى المستقبل، فنحن لم نكن فى البرلمان على مر عقد التسعينيات من القرن الماضى، لكن شعبيتنا لم تعان. نعم، يمكن أن تختفى وتبتعد عن البرلمان لمدة 10 سنوات، لكنك لا تختفى وتتلاشى من المجتمع."