لا أحب أن أتحدث فى القضايا الخلافية، التى لا جدوى من الحديث فيها، وأترك الحل للأيام وحدها، فهى دائما كفيلة به، ولكنى هذه المرة لا أستطيع أن أصمت، فما أسمعه من بعض مدعى حرية الفكر والرأى وحقوق الإنسان، من افتراءات على تيار الإخوان المسلمين، متهمين إياه بالتطرف تارة، وبالرجعية أخرى، وبخلط السياسة بالدين، والوقوف خلف جلباب الدين الأبيض، لإخفاء النوايا الحقيقية، التى لا تخلو من أطماع الوصول للكرسى، والسيطرة على مقدرات الشعب، وحرمانه من تداول السلطة، بعد الوثوب عليها. وبنظرة للوراء وجدت أن هذا التيار لاقى من العناء والعنت، والتشويه والمؤامرات، والقهر والتنكيل، والتضييق والإبعاد والحرمان، الذى كان كفيلا أن يقضى على فكرته، ولا يبقى لها أثرا، منذ أول يوم ولدت فيه، ولكنها عاشت وكبرت، وأينعت وأثمرت، ووقفت حائلا بين المجتمع وأدران المادية، التى كادت أن تقتله، وأفكارالشيوعية التى أعادته إلى الوراء، يوم اعتقد أنها الحل، وجهل العلمانية، الذى سقط به فى وحل الرزيلة والجنس، والبعد عن كل ما هو دين، ورب وخالق ومخلوق، وقاومت الجماعة محاولات القضاء عليها، من الملك فاروق والإنجليز، وخرجت سالمة من طغيان، وسجون العهد الناصرى، وحاولت فى عصر مبارك أن تصل للناس بشكلها وزيها الحقيقى، ولكن دون فائدة، بعدما مزقوها وشوهوها، وحظروها على مر السنين، وما كانت تبغى سوى أن تشكل وعى المجتمع، ليكون يقينه هو الله، ومعياره الشرع، وهدفه السمو والرقى بكل شىء، وسبيله فى كل ذلك البعد عن ماحرم الله، والعفة والطهارة، بدلا من العرى والترقع، والكل يعلم الحقائق رغم تشويه المغرضين لها. العجيب أن هذا التيار، وتلك الفكرة، مازالت تلاقى نفس العناء والعنت والتشويه، وأراهم دائما فى موقف المتهم، الذى يحتاج إلى الدفاع عن نفسه، ونفى التهم، وإلا فسوف يظل فى القفص، إلى جوار المتهمين، رغم براءته كالذئب من دم ابن يعقوب، وبرغم أنه قد زالت من أمامه عقبات القهر والظلم، وخرج قادته وشبابه من السجون، واشتموا رائحة الحرية، مثل باقى أبناء الوطن، وبدأوا يستعيدون كيانهم، وبدأوا يضعون أحلام وطنهم قيد التنفيذ، وشرعوا فى تطهير أركانه من الفاسدين، وحاولوا رأب الصدع، وإصلاح الشرخ، وتضميد الجرح، ونادوا على كل المخلصين، أن هلموا اليوم للبناء، أكملوا ما بدأتموه من ثورة مباركة، وجدت الضرب قد عاد بلا هوادة أو رحمة، والسياط قد ألهبت ظهورهم من جديد، ومازالوا داخل قفص الاتهام، يدافعون عن أنفسهم أمام أشخاص نصبوا أنفسهم الخصم والحكم، وصموا آذانهم عن الحق، وأغمضوا أعينهم كى لا يروا النور، ولبسوا ثياب الجلادين الجديد، ويحملون بدلا من السياط أقلاما، ويملكون منابر للرأى، ويصل سمهم وزيفهم إلى حيث يرغبون. وجدت أولئك الجلادين جميعا من أولئك النوع من البشر، الذى ظل يتشدق بكلمات الحرية، والرأى والرأى الآخر، وحقوق الإنسان، والمساواة والعدل بين أفراد المجتمع، ولا يعلم أنه أصبح هو الديكتاتور الحقيقى، المزيف الأول لوعى الشعب العظيم، وكأن كل ما يدعيه من أفكار، ليس ليحيا بها غيره بل حكر عليه وحق له وحده، ولا حق للإخوان فيه، فهم ليسوا من شعب مصر، بل هم إيرانيون تارة، وأتراك مرة أخرى، وأراهم قد عادوا يفزعون الشعب من جديد، كما فعل النظام البائد، فها هم يحيون إفكه القديم عن الإخوان، ويعيدون الاتهامات الباطلة، والافتراءات الكاذبة، ونسوا أن الشعب يعرف الحقيقة، ونسوا أو تناسوا أنهم رعاة الديمقراطية، والفكر الحر، وحقوق الإنسان المتساوية، ولكنهم ينكرونها على الإخوان، فلا حق لهم فى الممارسة السياسية الطبيعية، كأى فصيل من هذا الشعب، ويبقى الحق فى الحرية والتعبير لهم وحدهم، وليذهب أولئك الإخوان الذين ذلوا على مر السنين إلى الجحيم، وليبقى هم فقط الحماة والرعاة وأصحاب الأيادى البيضاء. وأقول لهم علهم يسمعون، أليس من العدل قبل أن نحكم على المتهم أن نترك له الفرصة فى الدفاع وإظهار الحقائق، أليس من العدل أن نترك أولئك الإخوان يعملون كغيرهم، بالطرق المشروعة والقانونية، ثم بعد ذلك يكون الحكم لنا جميعا، وللشعب الذى لن يفرط فى حريته من جديد، وعرف شبابه وشيوخه طريق الميادين فى كل مدينة وقرية، ولن يسمحوا للإخوان إذا كان لهم دور فى قيادة هذا البلد العظيم، أن يحيدوا أو يظلموا أو يستأثروا، أليس من العدل أن نترك لهم الفرصة مرة واحدة، ولنجرب ولو لمرة واحدة، كما جربنا الشيوعية والرأسمالية، أليس من الظلم أن نحكم على فكرة بأنها فاشلة دون أن نطبقها، أو أشخاص أنهم فاشلون أو متآمرون قبل أن يكون الأمر بين أيديهم. ولكن من يرحم الإخوان من سياط الجلادين الجدد؟ ومن يحمى الإخوان من دكتاتورية العلمانيين؟ ومن يحمى الشعب من التزييف والتضليل والتفزيع من جديد؟ وكيف نسكت على من يرهبون الوطن ويضعونه فى مأزق إضافة إلى مآزقه؟ أرجوكم يا أصحاب الأقلام المزيفة، هدأوا من روعنا، لا تضعوا فوق الوقود البنزين، دعوا كل من يحمل زهرة يهديها لمن يحب، وأعينوا كل من لديه شجرة على غرسها، أطعموا الجائع وأبردوا الماء يروى عطش الظمآن، ودعوا الأمل يرقص بين عيوننا، واتركوا البسمة تملأ شفاهنا، وتتعالى أصواتنا بالضحكات، ولا تسلبونا الفرحة قبل أن نشبع منها، لا تضعونا وسط العويل والصراخ رغم أن المأتم قد انتهى، والعرس قائم ولن ينتهى.