يُحكى أنه فى قديم الزمان كان للإنسان المصرى كرامة يعتز بها كمواطن حقيقى يحيى على أرض وطنه، ومع مرور الوقت واندثار فئة الزعماء المخلصين للوطن وللشعب، بدأ كل حاكم ظالم ومستبد يراعى أن يكون من ضمن أولوياته أن يقضى على كرامة المواطن حتى يجعله ذليلاً لحكمه ولسلطانه، وخاضعا لإرادته وجبروته، فبات المواطن شىء ثانوى وكأنه مجرد أداة فرعية من أدوات الحكم الديكتاتورى للحاكم، فالقبضة الأمنية الغاشمة التى كان شغلها الشاغل هو حماية النظام أكثر من حماية المواطن قد تم تسخير معظم أفرادها لحماية أسرة مبارك الحاكمة وحاشيته من اللصوص، كم من مصرى فقد كرامته بل وآدميته داخل أقسام الشرطة ومقار مباحث أمن الدولة؟!، تلك الأخيرة التى كانت تعمل بالأساس على حماية امن النظام أكثر من أمن الدولة! بعد أحداث ثورة 25 يناير، لأول مرة يشعر المواطن المصرى بكرامته المفقودة، أو بالأحرى: كرامته التى غيبها النظام البائد وأفقده إياها رغما عنه، لأول مرة يشعر كلا منا بأن له إرادة حقيقة يمكنها أن تسقط نظاماً وأن صوته الانتخابى يمكن عن حق أن يحدث تغييراً، لأول مرة يمكن لكلاً منا أن يعبر عن رأيه وأن يطالب بحقوقه المسلوبة وأمواله المنهوبة، هى المرة الأولى حقا التى نشعر فيها بالحرية بعد كبت وقمع لسنوات طويلة مضت من دون رجعة، صحيح أنه ليس كل ما سبق كان المرة الأولى فى تاريخ المصريين لكنها كانت المرة الاولى بأن يحاكم الشعب رئيسه ويدحله القفص الحديدى، شأنه كأى مواطن عادى يرتكب الجرائم بحق الوطن والشعب، وهى أيضا المرة الأولى التى يتمكن فيه أفراد الشعب من التظاهر أمام السفارة الإسرائيلية التى كانت ثكنة أمنية ممنوع الاقتراب منها بأى حال من الأحوال، فحتى التظاهر أمام السفارة كان محرما فى عهد مبارك وذلك على عكس ما نراه فى الدول الأخرى التى يمكن للشعب التظاهر أمام سفارات الدول الأخرى لإيصال رسائل شعبية الى حكومات تلك الدول. بعد الأحداث المؤسفة الأخيرة على الحدود المصرية، وبعد استشهاد عدد من الجنود المصريين على الشريط الحدودى مع الكيان الصهيونى فإن مسألة كرامة المواطن تعود مرة أخرى لتصبح قضية ضرورية، بل ويجب النظر فيها الآن أكثر من أى وقت قادم، فعلى مر السنوات الماضية كانت إسرائيل تواصل حماقاتها بقتل الجنود المصريين على الحدود، وكان نظام مبارك الفاسد يعمل على التعتيم وتقويض الأمر ليصبح مجرد زوبعة فى فنجان، وعندما يطالب البعض بضرورة تعديل بعض بنود اتفاقية كامب ديفيد كى يتمكن المصريون من خماية حدودهم وزيادة تسليح جنودهم كان النظام يدفع بأبواقه الإعلامية الفاسدة فى التلفزيون والصحف للهجوم على كل من يطالب بذلك، فحتى المطالبة باعتذار رسمى من إسرائيل أو صرف تعويضات كان أمراً يرفضه نظامنا الحاكم قبل حتى أن تنظره اسرائيل وتبت فيه، بل إن مبارك نفسه كان يدعو أحيانا الى ضبط النفس والتهدئة.. وكأن قضيتنا قد باتت جزء من القضية الفلسطينية التى ظل هو أيضا أى مبارك يتناولها فى مؤتمرات ونقاشات حتى باتت أمراً روتينياً واللا أرض واللا سلام هى نتائج كل تلك المؤتمرات، ألان وبعد أن أدخله المصريون الشرفاء الى قفص كان يجب أن يُوضع بداخله من سنوات مضت، فقد بدأت الثورة تعيد للشعب كرامته وتشعره بأن دماء أبناؤه غالية وأن التفريط فيها قد بات جزءاً من الذكريات المؤسفة لعهد مبارك.