حين توصل جحا إلى حكمته الشهيرة بأنه لن ترضى كل الناس، لم تكن هذه الحكاية أو الحكمة محض تراث، وحكايات نتبادلها فى ذاكرتنا لهؤلاء الذى أمتعهم الحظ ودرسوا هذه الحكايات فى المقررات الدراسية، الآن ما يحدث فى الوطن يجعلنى أرى هذه العبارة بشدة، تعلو الهامات، وتُكتب على جباه كل المصريين دون أن يلتفت أحد لها وقراءتها وفهمها. خمسة أشهر منذ خلع الرئيس السابق، ولنقل خمسة أشهر على التواتر وفرقة الصف، لم يكن مبارك يوحد المصريين، وإنما وحدهم الظلم والفساد، وهو أيضا ما يفرقهم الآن، فمنذ الحادى عشر من فبراير لا أجد رأيا أجمع عليه غالبية المصريين، وليس المطلوب الاجماع، أو التوحد الكامل، فالتنوع ثراء إذا كان التنوع للتقدم وليس للتشتييت، ما يحدث الآن فى مصر تشتيت وإفساد، فإذا كنا نتحدث عن فساد الماضى ماذا عن إفساد الحاضر؟ وإفساد الحاضر يتجسد فيما يحدث فى تصرفات اليوم، فالكثيرون ينظرون بعين ضيقة ولا يرون إلا مصالحهم الشخصية وتصوراتهم هم فقط، فعلى سبيل المثال إذا كان المعتصمون بالميدان والداعين إلى تظاهرات سواء جمعة الانذار الأخير أو التى سبقها او التى ستليها، إذا كان هؤلاء لا يجدون حلا لتحقيق مطالب الثورة إلا الاعتصام؟ فلماذا يرفض بعض القوى المشاركة ويعلنون رفضهم؟ بل الأكثر من ذلك ما معنى أن تكون هناك دعوات للخروج من ميدان روكسى للتوجه نحو وزارة الدفاع لتأييد المجلس العسكرى فى الوقت الذى تسعى قوى أخرى للضغط على المجلس من أجل تحقيق مطالب وأهداف الثورة، ولماذا لا تتحد الرؤى، فكل من الجيش والمواطنين يرجون صلاح الوطن، فلماذا هذا الانقسام ألا يذكرنا ذلك بتظاهرات تأييد مبارك؟ ولماذا يرفض بعض مرشحى الرئاسة وجود مجلس مدنى، ويطالبون بسرعة إجراء الانتخابات؟ لماذا لا توجد إجابات واضحة ومواقف معلنة؟ ولماذا هذا الانفصام المستشرى؟ نطالب المجلس العسكرى وحكومة شرف بشفافية فى التصرفات فى حين أن بعض القوى السياسية لا تفعل المثل؟ فإذا أردنا الشفافية فلتكن على الجميع. ما أشبه الليلة بالبارحة!! كلُ يعلن موقفه دون شرح، ودون تحديد أسباب منطقية تدعم من وجهة نظره، ربما أتفهم وجهة نظر المعتصمين بالميدان، فهؤلاء تعلموا أن النظام فى مصر بعد الثورة لا يسعى لتنفيذ مطلب إلا بضغوط جماهيرية، ربما من حقهم وحق هذا الوطن أن ندافع عن الثورة والتغيير، لكننى لا أفهم مطلقًا هؤلاء الذين يرفضون ويخرجون بمواقف مغايرة دون تقديم شروحات وأسانيد والمطلوب من المصريين أن يُعمل كل واحد عقله ويخرج من مواقفهم بتصورات شريفة تدعم رفض هؤلاء أو هؤلاء او مواقفهم المغايرة. ثمة ارتباك واضح يعتلى أرض الوطن، ارتباك وتخبط فى الرؤى والإجراءات، وإن كان الهدف البعيد واحد هو الحفاظ على هذا الوطن، لكن كل ينظر بطريقته والتى قد لا تصل بالوطن إلى الأمن والسلامة. وحتى لا يتحول مستقبل الوطن إلى مكلمة كبيرة فعلينا أن نعيد التفكير فيما يحدث محاولين الإجابة عن الكثير من التساؤلات، منها لماذا يرفض البعض المشاركة فى بعض التظاهرات؟ وما هى خططهم البديلة لتحقيق المطالب؟ فإذا كانوا يرفضون الاعتصام أو التظاهر فليدلونا على طريقة بديلة أو طرق، ولتكن خططهم وخطواتهم واضحة ومعلنة. إن التخبط الواضح فى الرؤى يجعل ما يحدث أشبه بنقطة تخرج منها أشعة متفرقة كل يخرج فى الاتجاه، فلا يكون ذلك إلا تبديد للطاقة والجهود ولا يعود على سلامة هذا الوطن بشىء. لن يرضى كل الناس، أمر مؤكد، كما أنه مؤكد أيضا أن المصريين لا يتعلمون من دروس التاريخ، فما حققوه فى ثمانية عشر يوما بوحدة الصف بددوه بالفرقة والتباعد وسيادة بعض المصالح الشخصية وضيق الأفق لدى البعض. كما أن معتصمى التحرير لم يتعلموا الدرس كذلك، فلم يستطعوا أن يجمعوا حولهم الكتلة الصامتة ويحصلوا على تأييدهم، وذلك ببعض التصرفات والسلوكيات الصادرة من بعض المعتصمين تلك التصرفات أو السلوكيات التى جعلت البعض يأخذ موقف مضاد لمجرد ضيق لحظى، يذهب الضيق هباء ويبقى الموقف المعارض. وحتى يقضى الله أمرا كان مفعولا برجاء من كل القوى الموجودة فى الميدان احترسوا من غضب الكتلة الصامتة والتى بها بعض لا يكترث ولا يعى أهمية الدور التاريخى الذى تلعبونه الآن، احتفظوا بودهم، وحافظوا على تضامنهم ولو النفسى لكم وللوطن، أما القوى التى خارج الميدان فكل ما أطلبه أن تعلنوا عن خططكم البديلة للاعتصام والتظاهر حتى يتم تحقيق مطالب الثورة تلك المطالب التى تبهت بفعل علو الأصوات والتباعد يوما بعد آخر عن بركات شهر يناير، فليس من المريح أو المطمئن أن يكون التنوع والاختلاف بهذا الاتساع بحيث يكون هناك آراء على العكس تماماً من آراء أخرى.