بعد ثلاث سنوات قضتها مارجريت سكوبى فى منصبها كسفيرة لواشنطن لدى القاهرة، تستعد آن باترسون (من مواليد العام 1949 فى ولاية آركانساس الأميركية، وهى دبلوماسية مخضرمة فى وزارة الخارجية الأمريكية) لتولى منصب السفيرة الأمريكية فى مصر، وهو ما بدا جلياً فى إعلان البيت الأبيض يوم الجمعة 20 مايو أن الرئيس الأمريكى باراك أوباما عين آن باترسون، السفيرة الأمريكية السابقة فى باكستان، فى هذا المنصب انتظاراً لمصادقة الكونجرس على هذا الترشيح، والتى اعتبرُها مسألة وقت، خاصة فى ظل ما قاله رئيس لجنة العلاقات الخارجية فى مجلس الشيوخ الأمريكى السيناتور الديموقراطى جون كيرى، أثناء لجنة الاستماع الخاصة بتعيين باترسون، إن طريقة إدارة مصر للمرحلة الانتقالية نحو الديمقراطية ستؤثر ليس فقط على مواطنيها ولكن على كل أنحاء منطقة الشرق الأوسط كخير ممثل لبلادها فى مصر فى هذه المرحلة الدقيقة هناك. وتعتبر باترسون دبلوماسية أميركية مخضرمة ومميزة، وإحدى الأعضاء الأكثر خبرة ضمن السلك الدبلوماسى الأميركى، حيث شغلت خلال مسيرتها منصب نائبة السفير الأميركى فى الأممالمتحدة، والمسئولة عن ملف التهريب الدولى للمخدرات فى وزارة الخارجية الأميركية، والسفيرة الأميركية فى كل من كولومبيا والسلفادور وباكستان. ولا يهمنا فى هذه الوظائف الدبلوماسية التى شغلتها باترسون سوى مهمتين يدعمان هذا الطرح السياسى، فقد أدت مهامها كسفيرة لبلادها فى إسلام آباد فى الفترة من يوليو 2007 إلى أكتوبر2010 فى مرحلة أساسية وصعبة وضرورية ودقيقة فى تاريخ العلاقة الثنائية بين أمريكا وباكستان، وحصلت عن هذه الفترة على جائرة وزير الخارجية للخدمة المتميزة عامى 2008 و2010. كما عملت باترسون فى المملكة العربية السعودية كمديرة للعلاقات الاقتصادية بين البلدين 1984 – 1988، وهى دولة تتسم كذلك بالمد الأصولى الإسلامى أيضاً. ومن المعروف للقاصى والدانى أن باكستان هى امتدادٌ جيوبولوتيكى لجارتها أفغانستان التى تعُج بالتيارات الإسلامية الأصولية المختلفة، فضلاً عن كونها هى الأخرى مثل جارتها محط سيطرةٍ قبلية وسياسية لهذه التيارات، وإن كانت ذو بروزٍ برلمانى وعشائرى أكثر من كونها رئاسى وحكومى. ولعل أهم الأدوار البارزة التى لعبتها باترسون فى إسلام أباد هى تنسيق التعاون الأمنى بين بلادها وباكستان، حيث لعبت دوراً هاماً فى العلاقات الأمريكيةالباكستانية على المستوى الأمنى، وشهدت فترة عملها كسفيرة هناك العديد من العمليات ذات الطابع الأمنى بين واشنطن وإسلام أباد، وقيام القوات الأمريكية، بالتعاون مع نظيرتها الباكستانية، فى تنفيذ عمليات أمنية مشتركة، فى الوقت الذى كانت واشنطنوباكستان تواصلان نفيهما لوجود أى تدخل بين الجانبين فى الوضع الأمنى بباكستان، كما عمل الجانبان خلال تمثيل باترسون لواشنطن هناك، فى أطرٍ استخباراتية وعسكرية مشتركة، على ما يسمى بمكافحة الإرهاب، والذى أثمر مؤخراً خلال شهر مايو الماضى عن مقتل أسامة بن لادن. وبعد إعلان الرئيس أوباما ترشيحها لمنصب السفيرة الأميركية لدى القاهرة، ذكر المراقبون أنها رسالة قوية وجهتها الإدارة الأميركية إلى القاهرة، كما أكدوا على أنه تشديدٌ على الأهمية التى توليها إدارة أوباما لعلاقاتها مع مصر "الجديدة"، بعد سقوط نظام الرئيس المتنحى حسنى مبارك، وهى مرحلة بزوغ العمل السياسى الإخوانى ورؤيته للنور، فالسفيرة الجديدة عملت لفترة كبيرة لدى إسلام آباد، ومن ثم فلديها خبرة فى التعامل مع الجماعات الإسلامية، وهناك اهتمامٌ أمريكى بمسألة المد الإسلامى للعديد من التيارات الإسلامية فى مصر، وهنا تظهر المعادلة السياسية التى نتحدث عنها فى هذا التحليل، معادلة الأمريكان – الإخوان، ولذا نطرح تساؤلاً هاماً، وهو هل هناك صفقة أمريكية إخوانية فى مرحلة ما بعد الثورة؟ وهل هناك استقراء أمريكى للواقع السياسى المصرى وصل لهذه النتيجة؟! أم أن صانع القرار الأمريكى منخدع بحجم التواجد الفعلى للإخوان فى المعادلة السياسية المصرية كما تروج له الجماعة، كما كان مخدوعاً من قبل بالواقع السياسى العراقى فى السابق. وفى عودة إلى المعادلة المشار إليها، نجد أن "لالى وايموث" وهى المحررة البارزة بصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، الأقرب للإدارة الأمريكية، نشرت يوم 19 مايو 2011 حواراً نسبته لثلاثة من أعضاء المجلس العسكرى، لم تكشف هويتهم، قالوا إنه ربما يحصل الإخوان المسلمون على أغلبية فى الانتخابات القادمة، وهنا يبرز تقديم الأمريكان لحلفائهم الجدد (الإخوان المسلمون) على أنه واقعٌ سياسى يجب التعامل معه، كما أنه محاولةٌ لتهيئة الرأى العام الأمريكى والدولى لهذا الواقع السياسى الذين يريدون فرضه، كما يطفو على السطح الضلع الثالث فى المعادلة السياسية، أو على أقل تقدير الوسيط السياسى فى هذه المعادلة. كما أن ترحيب بعض المراقبين الأمريكيين بمشاركة الإخوان فى الحياة السياسية يعيدنا لهذه التهيئة المذكورة آنفاً، وعلى رأس هؤلاء يأتى كاتب الواشنطن بوست الكبير "ديفيد إجناشيوس"، الذى يرى أن جماعة الإخوان المسلمين فى مصر ليست بعبعا أو فزاعةً، ولا تثير المخاوف، وأن ما وجده أثناء زيارته للقاهرة ولمعاقل الإخوان والحديث معهم كان مطمئناً، وإذا طالعنا التاريخ لبرهة فسنجد أن لعبة المصالح هى الأساس فى كل المعادلات السياسية، ولا ننسى أن القاعدة هى صنيعة أمريكية وليست مجرد حليف سابق ضد السوفيت. -3- نحن أمام معادلة سياسية واضحة المعالم، حتى وإن كانت غير معلنة، فالإدارة الأمريكية فى واشنطن بعد سقوط أفضل حلفائها فى المنطقة وأكثر منفذى أجندتها فى الشرق الأوسط وهو نظام المخلوع مبارك، بحثوا عن حليف جديد فى هذا الجزء المهم من العالم، وهذه البلاد الأكثر تأثيراً فى صناعة القرار فى إقليم الشرق الأوسط بحكم التاريخ والجغرافيا والديموجرافيا والجيوسياسة، فوجدوا ضالتهم بعد الثورة فى الجماعة، وهى تنظيمٌ برأيى لا يحظى بهذه الشعبية المزعومة، ولكنه الأكثر تنظيماً وقدرة على الحشد والتفاعل فى ظل قهرٍ سياسى لكل الأحزاب السياسية بمختلف انتماءاتها فى الحقبة البائدة، وفى سياقِ ضيق الوقت لإعادة هيكلة الحياة السياسية فى مصر خلال المرحلة الانتقالية، والجانب الآخر من المعادلة، وهم جماعة الإخوان المسلمين، ليس عندهم أدنى مشكلة فى الارتماء فى أحضان الولاياتالمتحدة من أجل تولى مقاليد البلاد، لأنهم يعلمون جيداً أن الحفاظ على علاقات قوية مع واشنطن فيما بعد صناديق الاقتراع هو ما سيؤمن لهم قبولاً دولياً قد يفتقدوه دون هذه العلاقة الاستراتيجية الجيدة. من هنا ومن مقدماتٍ كثيرة سبق سردها، جاء تعيين آن باترسون الخبيرة فى التعامل مع الجماعات الإسلامية المختلفة بحكم عملها أكثر من ثلاث سنوات فى باكستان، خلال أكثر فترات هذه الدولة سيطرة لكافة التيارات الإسلامية، والتى خرجت كما طالعنا التاريخ من عباءة الإخوان المسلمين، هذا التيار الدولى الذى أنشأه حسن البنا عام 1928 وضرب بجذوره فى أكثر من اثنين وسبعين دولة عربية وإسلامية وغير إسلامية، ليس هذا فحسب ولكنه أخرج من عباءته تياراتٍ إسلاميةً كثيرة أكثر تشدداً، وباترسون جاءت إيماناً من الإدارة الأمريكية بأنها ستتعامل فى الفترة المقبلة مع نظامٍ على رأسه الإخوان المسلمين، لأنها ترى فيهم تنظيماً يستطيع خطف الجزء الأكبر من الكعكة البرلمانية، فضلاً عن أن هذا البرلمان (المسلوق) هو الذى سينُتخب من داخله مائة عضو يشكلون الجمعية التأسيسية التى ستضع الدستور الجديد وفق انتماءاتهم وأهوائهم. لذا فنحن أمام صفقة سياسية تبادلية واضحة المعالم لمن يفكر ويتقصى ويبحث قليلاً، يحصل بمقتضاها الإخوان على قبولٍ دولى، وفى المقابل يحصل الساسة فى واشنطن على استقرارٍ فى مصر، وتحالفٍ يضمن مصالحهم فى مصر وبالطبع فى المنطقة، ونحن الليبراليون فى هذه البلاد طالبنا ونطالب بدستورٍ ومجلس رئاسى قبل إجراء أى انتخابات من أجل صالح مصر، حتى يتسنى لكل مواطن مصرى المشاركة السياسية الفعلية بكافة أركانها، وليست مجرد مشاركة صندوقية، وكذلك حتى لا يقتسم الكعكة الثورية كلٌ من الإخوان وحلفائهم الجدد الأمريكان.