الجمعة الماضى، وفى أول مؤتمر جماهيرى لحزب الإخوان المسلمين فى أكتوبر، دعا المرشد العام للجماعة، الدكتور محمد بديع، إلى تنظيم أربع مليونيات، فى الشهور الثلاثة المقبلة، هى: مليونية لمحو الأمية، ومليونية تطوير العشوائيات، ومليونية تنظيف الشوارع، ومليونية ساعة عمل إضافية، على أن يحتسب رجال الأعمال تلك الساعة بساعتين فى الأجر. ومع جزيل الشكر للمرشد العام على التفكير فى قضايا حياتية مهمة تشغل الناس فعلا، وتمثل مشاكل مزمنة يئن منها الوطن وتحتاج إلى علاج، فإننى أختلف مع فضيلة المرشد فى أن حل هذه المشاكل لا يحتاج إلى تظاهرات مليونية، وإنما إلى حلول عملية وعلمية، تنهض بها الدولة والمجتمع المدنى، وسائر فئات الشعب. لا أعرف مثلا ما الذى سيعود على الأميين وعلى الوطن من تنظيم مظاهرة مليونية فى ميدان التحرير وغيره من الميادين لمحو أمية نحو 30% من الشعب المصرى، فهل النزول إلى الشوارع والميادين، سيمحو أمية المواطنين، وهل محو الأمية مشروع يجرى تنفيذه فى مظاهرة تستغرق عدة ساعات؟ فى قضية الأمية على سبيل المثال نحتاج إلى مشروع وطنى، يقوم على محو أمية مليون أو مليونين أو خمسة ملايين مواطن كل عام، وهذا يعنى أن تدخل الدولة بكل ثقلها فى هذا الموضوع بأن تشغل جميع العاطلين فى مشروعات جادة لمحو الأمية، مقابل أجر يبدأ بخمسمائة جنيه لكل خريج شهريا، على أن تتحول جميع المدارس والجامعات خلال أشهر الصيف إلى فصول لمحو الأمية، وكذلك قصور الثقافة ومراكز الشباب، ولا مانع أيضا من تحويل مقار الأحزاب السياسية وجماعة الإخوان المسلمين وسائر مقار الجمعيات الأهلية إلى فصول لمحو أمية المواطنين. ويمكن إدخال رجال الأعمال بشكل عملى فى قضية محو الأمية، بطريقين الأول إعفاء أى مبلغ ينفقه رجل أعمال على الحملة القومية لمحو الأمية من الضرائب، أو اعتبار أن محو أمية أى مواطن تساوى مبلغ معين يتم خصمه من الضريبة العامة على الدخل. وأتصور أن هذه أفكار مبدئية وقد يكون لدى غيرى ما أكثر عملية وأكثر قدرة على التطبيق الناجح، وما نحتاجه فعلا فى هذه القضايا المزمنة ليس أكثر من أفكار قابلة للتطبيق، وحكومة ومجتمع مدنى ورجال أعمال وأحزاب مؤمنة فعلا بأن تقدم هذا الوطن، يبدأ بمحو أمية المواطنين، وأن يتمكن جميع المصريين من القراءة والكتابة. محو الأمية الحقيقية هى بداية علاج مشكلة الفقر المزمن، وإتاحة فرص عمل للمواطنين، وتعنى أيضا أن المواطن المتعلم سيعرف حقوقه وواجباته، ويمكنه اختيار ممثليه فى البرلمان والمجالس المحلية بوعى أكثر، كما أنها تعنى المشاركة فى مستقبل الوطن وخياراته. مصر تحتاج إلى العمل.. ولا تحتاج إلى مليونيات فى قضايا مثل مواجهة الأمية والعشوائيات والفقر وغيرها من القضايا ذات البعدين الاجتماعى والاقتصادى يا فضيلة المرشد.