الغرب، هذا الكيان الذى يفرض على الأرض كافة رؤيته لكيفية تسيير أمور العالم، من هو، ما الذى أعطاه تلك المكانة المهيمنة؟ تذكرت هذا القول لصوفى بسيس من كتابها الغرب والآخرون، وأنا أتلقى الدعوة لحضور مؤتمر صوفيا بلاتفورم التى نظمته دولة بلغاريا مع الاتحاد الأوروبى، وكان موضوعه "كيفية استفادة بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من تجربة دول شرق ووسط أوروبا فى التحول الديمقراطى بعد سقوط الشيوعية). الحشد كان مبهرا بدءا من بان كى مون أمين عام الأممالمتحدة مع ثمانية وزراء خارجية أوروبيون وصولا إلى مائة من أهم السياسيين بأوروبا بل وبأمريكا أيضا. كان جل همى أن أعرف كيف يرى هؤلاء الساسة ثورتنا وما هى شكل العلاقة التى يريدونها معا: علاقة مصالح كالعادة أم علاقة حضارية مأمولة لكنها طوباوية؟ أم هو الخوف من المجهول هو الذى يحركهم نحونا؟ سأكتفى أن أذكر لك أهم مما قيل لتحكم بنفسك.. الأمين العام لمجلس أوروبا ثوربيورن ياجلاند: يمكن استغلال الثورات فى المنطقة من خلال مجموعات صغيرة من الناس للإساءة لروح الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. بويكو بوريسوف رئيس وزراء بلغاريا: كل من اعتقد طويلا أن الشعوب العربية غير مؤهلة للديمقراطية اكتشف خطأه، وأضاف: لابد أن تنشأ سياسة جديدة للاتحاد الأوروبى فى المنطقة يقودها (أصدقاؤنا) العرب. بينما علق ملادينوف وزير خارجية بلغاريا والمسئول الأول عن المؤتمر:جماعات الاعتراض الصغيرة فى مصر حاربت من أجل الديمقراطية وأزاحت الخوف تدريجيا من قلوب شعوب المنطقة، قبل أن يردف موضحا: أوروبا مستحيل وجودها بدون البحر المتوسط والعكس صحيح. ياجلاند لا ينسى من التحذير من الفصل بين الدين والدولة لكنه يطرى مهدئا: التاريخ فى أيدى شعوب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فى كلمتى أنبههم أن يحترموا ثقافتنا وأن يسمونا بما نسمى به أنفسنا، داعيهم لاستخدام كلمة العالم العربى بدلا من تصنيفنا الجغرافى. وأركز على ضرورة مواكبة الثورة بحالة حوار مجتمعى فعال (وليس برطانة التوك شو) حتى مع السلفيين. لكن قلق الحاضرين يزيد مع كلمة هشام خضر ممثل تيار الإسلام السياسى فى المؤتمر الذى دعاهم، لتقبل الأمر لو جاء الإخوان للحكم، ووضح أنه لا توجد دول دينية فى الإسلام ولا حاكم مطلق وأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان يستشير أصحابه فى أمور البلاد. طبعا احتبست الأنفاس بالقاعة فلم يكن يتوقع أيا منهم أن يتحدث التيار الإسلامى بكل هذه الثقة، توالت الضربات على رؤوسهم عندما قالت أمانى الخياط (مذيعة أون تى فى) فى كلمتها:المقدم فى وسائل الإعلام الغربية لا يفعل شيئا سوى التفرقة بين الشرق والغرب، ولا نقبل ذلك فنحن لنا قيمنا ولابد أن يبدأ الغرب علاقة جديدة معنا مرتبطة على الاحترام وليس الاستغلال. عضد جورج إسحاق هذا الرأى قائلا: الاتحاد الأوروبى ساهم فى بقاء الكتاتوريات قبل الثورات. جاء بان كى مون ليفض الاشتباك قليلا بقوله: إن زمن الفلتان من العقاب ولى، والأممالمتحدة لن تكون منظمة جامدة تعطى ملاحظات مهذبة للحكام الديكتاتوريين. التدخل يصبح ضرورياً حين يتضح أن بعض الحكومات تنتهك حقوق الإنسان، وأفصح أن الرئيس الأسد يكاد يكون نهره عندما حادثه تليفونيا. وزير الخارجية السويدى كارل طالب بالتدخل السريع لحل الأزمة الاقتصادية بمصر وتونس، ليس فقط من جانب أوروبا لكن من جانب بلدان الخليج أولا التى ارتفع بها أسعار البترول نتيجة الثورات العربية. لم يلبث الخوف أن يعود ثانية فى كلمة لويس أمادو نائب رئيس الوزراء البرتغالى الذى قال :لابد ان نتعلم التعايش مع الإسلام السياسى بدون أن ننسى أن نكبح الإسلام الراديكالى ( المقصود المتشدد) عن ركوب موجة التحول الديمقراطى. ملخص الكلمات الأخرى ركزت على التحذير من العنف والفوضى الملاصقين للثورات الناشئة، وتحول الخطاب فى نهاية المؤتمر لقولهم نحن لا ننصح العرب لكننا نعرض عليهم الدروس من أخطائنا السابقة. أما أحلى ما سمعته فى المؤتمر فكان من الشاب وسيم القرشى أحد قيادات الثورة اليمنية : كنا فى انتظار نجاح الثورة المصرية، وعندما سقط النظام المصرى انطلقنا بعد 11 فبراير، ورغم وجود أكثر من 60 مليون قطعة سلاح باليمن لكننا فضلنا أن تكون ثورة سلمية اقتداء بمصر. أما المجلس الأوروبى للعلاقات الخارجية فوزع بحثا قال فيه : سقوط أو نجاح الثورة المصرية ستكون له نتائجه الكبيرة على المنطقة العربية وأوروبا، إذا تعثرت الثورة المصرية ستسقط المنطقة بأسرها.