الداعية السلفى أبوإسحاق الحوينى كما قرأنا على موقع اليوم السابع عدد 23 مايو الجارى رجل آخر يتحرق شوقا إلى الشهرة فيستفز الناس بأقوال قد تثير احتقارهم له ولمن ينتمى إليهم، ولكن لا يهم.. المهم أن تنشر صوره فى الصحف ومعها تصريحاته البلهاء، والتعليق عليها سواء بالسلب أو الإيجاب يسعده ويرفع معنوياته إلى عنان السماء. أما المزحة أو الهذيان الذى يردده فهو إعادة نظام «الرق»، وأما الحجة فهى حل المشاكل الاقتصادية التى تعانى منها الدول الإسلامية، وهكذا توصل فضيلته إلى الحل السحرى الذى غفلت عنه البشرية، بل نبذته منذ أكثر من مائتى عام.. بيع الإناث البشرية فى سوق النخاسة، تماما كما تباع الإناث الحيوانية فى سوق الماشية!! قال هذا الكلام الفارغ فى محاضرة منذ حوالى 18 سنة، ثم عاد وكرره فى مداخلة تليفونية طويلة أمس على قناة «الحكمة». مازال بين المسلمين من لا يعترف بتطور الزمن ولا تغير الفكر الإنسانى، فالزمن عندهم فى حالة شلل تام لا يتحرك قيد أنملة عما كان عليه منذ مئات السنين، وهم لا يدركون أن نظرتهم القاصرة هذه يمكن أن تنسحب على الإسلام نفسه كعقيدة استجدت على الزمن بعد القرن السابع الميلادى وغيرت وجه التاريخ.. الإسلام نفسه تطور زمانى انتقل بعد ذلك إلى مكانى بانتشاره وتوسع أعداد الشعوب المؤمنة به، ولو كان الزمن بلا قدمين كما يصر هؤلاء لما أمكن للإسلام أن يتوسع وينتشر ويصبح أهم عقيدة دينية فى العالم بعد المسيحية، وتقدم الزمن يقتضى التغيير مادامت الحركة للأمام دائما، فمن الممكن أن تسقط أشياء مع التقادم وتولد أشياء من رحم التغيير لا تنتقص من الدين وإنما تجدده وتبعث فيه روحا جديدة تتفق مع الزمان والمكان. لقد كان مبدأ توزيع السبايا والغنائم على المقاتلين أمرا شائعا فى العالم القديم، سايره المسلمون بحكم التعود، ولكنهم بعدما اكتشفوا أن الإسلام يحض على عتق الرقاب وأن هناك كفارات مرهونة بعتق الرقاب أدركوا أن الرق سيتلاشى مع الزمن ومع تطور العقلية الإسلامية وتمشيا مع روح الإسلام التى تساوى بين كل البشر وتنبذ العبودية لغير الله. ما زال البعض يعيش فى العصر الذهبى الوهمى الذى كان الرجل فيه مستعبدا من الحكام، لا يجد من يستأسد عليه سوى المرأة، ويمارس غطرسته الوهمية على نساء مخطوفات بطرق غير شرعية يبعن فى سوق النخاسة بطريقة لا إنسانية، وقد فسر بعضهم ذلك بأن الجوارى هم «ملك اليمين».. وكما أوضح الحوينى لا فض فوه: «تروح السوق تشتريها وتبقى كأنها زوجتك ولا محتاجة عقد ولا ولى ولا الكلام ده، وده متفق عليه بين العلماء»، وهو ما يعنى إمكانية «تملك» عشرات النساء مادام البيع بالجملة ممكنا، إلى جانب القطاعى، واللى ما يشترى يتفرج، لقد حل الحوينى بفكرته العبقرية عدة مشاكل مستعصية، وفقا للفكر «الذكورى المتفشى بين السلفيين»: أولا مشكلة البطالة بين الشباب، حيث ستنفسح الفرص أمام النساء بأن يعملن جوارى فى حريم سيادته وغيره من المحظوظين، ثانيا حل مشكلة الضرائب، فلماذا يدفع ضرائب للدولة وهو متكفل بإعاشة وتغذية و«تسمين» نصف تعداد الأمة ؟! وهلم جرا. معنى كلام الحوينى وأمثاله أن جيوش المسلمين لابد أن تبدأ فورا فى إعلان الحرب على كل الشعوب غير المسلمة، وذلك تطبيقا لمبدأ الجهاد فى سبيل الله، وكما يؤكد الحوينى «أنه بعد انتصار جيش المسلمين على من يرفض الدخول فى الإسلام أو دفع الجزية يحق للجيش أن يأخذ الغنائم وفقا للحكم الثابت فى كتاب الله، وقال: «الغنائم دى عبارة عن الناس والأموال.. الناس دول بيتاخدوا سبايا». ولا يقتصر السبى فى رأى سيادته على النساء، فالرجال أيضا سيكونون «ملك يمينه» كلما احتجت ملك يمين «أروح السوق وأختار المرأة اللى تعجبنى وأشتريها»، وكذلك بالنسبة للرجال، «أختار الراجل اللى يعجبنى.. راجل عضلات.. عايز أهد حاجة.. عايز أبنى دارى.. أشترى واحد.. أجره وأشغله وبعدين أبيعه»، وبهذا الحل العبقرى سوف يحل جهاد الطلب كل مشاكل المسلمين ويملأ خزائنهم، ويالها من صورة رائعة للمجتمع المسلم الذى يتوعدونا به!! فمن الذى سينقذ الإسلام من أمثال هذا الرجل؟! أتمنى أن يرد عليه فضيلة الشيخ يوسف القرضاوى رئيس الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين الذى أوضح موقفه الفقهى من الرق أكثر من مرة، وأوضح أن الإسلام أغلق كل أبواب الاسترقاق ولم يترك إلا بابا واحدا وهو الأسير فى حرب مشروعة، مع أن الأسر ليس ضربة لازب، وردا على مزاعم الحوينى قال القرضاوى إن الأسير إما أن نمن عليه بإطلاق السراح تحبيبا له فى الإسلام أو فداء بأسير آخر من المسلمين أو بغيره أو بالمال، والنبى صلى الله عليه وسلم فدى أسر بدر بتعليم أطفال المسلمين الكتابة، ولو مضت السنة والشريعة كما رسم الإسلام ما بقى للرقيق وجود ولا بقى له باب»، وهل سيرد عليه شيوخ الحكومة السعودية التى أعلنت إلغاء الرق منذ عام 1382 ه الموافق تحديدا يوم 6/11/ 1962 م وعملت بجميع الوسائل التدريجية على القضاء عليه، فمنعت استيراده وبيعه أو شراءه وفرضت العقوبات على ذلك، وأعلنت تحرير جميع الأرقاء، وقامت بتعويض من ثبت استحقاقه للتعويض». هل سمع الحوينى بالمرسوم الملكى رقم م/6 بتاريخ 14/3/1393ه بانضمام السعودية إلى اتفاقية الرق 1926 «Slavery Convention» والاتفاقية المكملة لإلغاء الرق وتجارته ومؤسساته وما يمارس من عادات مماثلة له 1956 «Supplementary Convention on the Abolition of Slavery, the Slave Trade, and Institutions and Practices Similar to Slavery» ، الذى كان وراء تسجيل انضمام المملكة فى الأممالمتحدة بتاريخ 5/7/1973 م.. ومنذ هذا التاريخ أصبحت مواد الاتفاقيتين جزءا لا يتجزأ من القانون الوطنى ويمكن الاحتجاج بهما فى المحاكم الوطنية. فهل الحوينى ملكيا أكثر من الملك، أم أنه مثل غيره من السلفيين.. كان يمزح؟!