"إن اليهود قوم بُهت"، كذلك قال عنهم عبد الله بن سلام رضى الله عنه، يوم أن أسلم بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان حبراً من فطاحل أحبار اليهود، ولما سمع بمقدم الرسول (ص) للمدينة جاءه وألقى عليه أسئلة لا يعلمها إلا نبى، فلما سمع ردود النبى (ص) أسلم، ثم قال: إن اليهود قوم بُهت إن علموا إسلامى بهتونى عندك، فأرسل إليهم (ص) ودخل عبد الله بن سلام البيت، فقال (ص): أى رجل فيكم عبد الله بن سلام؟ قالوا أعلمنا وابن أعلمنا، وأخيرنا وابن أخيرنا، وسيدنا وبن سيدنا وأفضلنا وابن أفضلنا، فقال (ص): أفرأيتم إن أسلم عبد الله؟ قالوا أعاذه الله من ذلك، فخرج عليهم عبد الله فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن مُحمداً رسول الله، فقالوا شِرنا وإبن شَرنا ووقعوا فيه، فقال يا معشر اليهود اتقوا الله فو الله الذى لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله، وأنه جاء بحق، فقالوا كذبت! فبعد أن كان سيدهم وأفضلهم أصبح شرهم وأكذبهم، تلك الخِصلة التى عُرف واشتهر بها اليهود منذ أن ابتُليت بهم البشرية. نقض العهد والرجوع عن الكلمة لما يوافق الأهواء والأغراض الشخصية، وإذا تأملنا الأحداث الأخيرة جيدا، سنجد بيننا أُناس يحملون تلك الخصلة تماماً كاليهود، بداية من الذين خدعوك فقالوا (نعم للاستقرار)، نهاية بالمدعين الذين يدعون أنهم أول من فجروا الشرارة الأولى للثورة، الذين جرّموا وحرّموا الخروج على الحاكم، واعتبروه كفرا وخروج عن الملة حتى تيقن لهم سقوطه فخرجوا علينا مهللين "يسقط الطاغية"، والذين ما أن خرجوا من ميدان التحرير، حتى بدّلوا شعاراتهم التى كانوا يرددونها بداخله، فبدلاً من "عيش -حرية -عدالة اجتماعية"، قالوا مطالبنا مطالب فئوية. وبدلاً من ارفع راسك فوق أنت مصرى، قالوا ارفع راسك فوق أنت سلفى أو أنت قبطى، وبدلاً من اللى يحب مصر ميخربش مصر، قالوا منبقاش رجاله لو محرقناش، والمؤسف والمدهش فى نفس الوقت، أنه بعد مرور أكثر من مائة يوم على الثورة تبين لنا أن الغالبية كانت لأعدائها ومناهضيها الذين كانوا ينعمون بالفساد قبلها، وأن الشباب الجميل الذى قام بها مجرد قلة مندسة! تُرى هل من خرج من بيته وروحه فوق كفه أقلية؟ من عشق مصر حتى الشهادة فى عشقها أقلية؟ من مكث أياما ولياليا بقلب الميدان، فى عز برد الشتاء القارس يحلم بالحرية والديمقراطية والعدل والمساواة أقلية؟ هل يُعقل بعد كل هذا، أن يكونوا أقلية وتكون الغالبية العظمى للمخربين والفاسدين والبلطجية والفلول؟ الآن نحن على متن سفينة بها خمسة وثمانون مليون راكب، ولكى نصل بها إلى بر الأمان، لا يسعنا إلا أن نأخذ بما جاء فى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ يقول: "مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أسفلها فكان الذين فى أسفلها إذا استقوا الماء مروا على من فوقهم فقالوا أنا خرقنا فى نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً". فلابد لنا أن نضرب على أيدى كل مخرب وفاسد ومدعى، حتى لا نهلك جميعاً، ولابد أن نتمسك بوحدتنا رغم أنف المناهضين والمغرضين، ونرفع جميعاً شعار (الشعب يريد تطبيق القانون)، ونترك الميادين والشوارع ونعود للحقول وللمصانع، الطريق لم يزل ببدايته، والمشوار أمامنا طويل، والفرصة مازالت بأيدينا، إن تركناها ضعنا، وضاعت أحلامنا معها، وإن تمسكنا بها قمنا ونهضنا ورأينا بأعيننا مصر كما يجب أن تكون. العلم، العمل، والبذل، والعطاء، هؤلاء هم جنودنا، معركة لابد لنا من النصر بها على أعدائنا خاصة وأنهم يتربصون بنا فى كل مكان بالخارج، يهود إسرائيل، وبالداخل يهود ميدان التحرير.