فى يوم 11 نوفمبر 1976 ألقى رئيس الجمهورية بيانا فى مجلس الشعب بمناسبة افتتاح دور انعقاده الأول جاء فيه: «... قد اتخذت قرارا سيظل تاريخيا يرتبط بكم وبيوم افتتاح مجلسكم الموقر هو أن تتحول التنظيمات الثلاثة، ابتداء من اليوم إلى أحزاب..». وكانت التنظيمات الثلاثة: الوسط واليسار واليمين عبارة عن منابر فى إطار تنظيم الاتحاد الاشتراكى، وهو الإطار الوحيد القائم فى الحياة السياسية المصرية، وعلى أساسه تم تصميم الإطار العام للنظام السياسى ذى الحزب الواحد، ونظام الحزب الواحد قائم على عدم الفصل بين السلطات، فالسلطة التنفيذية هى المهيمنة على السلطتين الأخرتين، فمن حزب السلطة تتشكل الحكومة ويتم اختيار العناصر ذات الولاء الكامل لهذا الحزب فى جميع المواقع حتى مواقع السلطة القضائية، وهذه نظرية سادت منذ الحرب العالمية الأولى، حيث ساد الاعتقاد بأن أجهزة الدولة لابد من السيطرة عليها لصالح الديمقراطية الاجتماعية والتنمية، فى مواجهة نموذج التعدد الليبرالى وتداول السلطة وتطابق هذا النموذج مع النظم الرأسمالية. من هنا كان الإطار الدستورى والقانونى المنظم للحياة السياسية المصرية، قائم على فكرة الحزب الحاكم المتغلغل فى أجهزة الدولة، وغير المنفصل عنها وقائم على فكرة عدم الفصل بين السلطات الثلاث: السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، والسلطة القضائية. وبالتالى لم يكن هناك حديث عن أحزاب وتعدد حزبى وإيمان بتعدد الرؤى فى معالجة مشاكل الناس والدولة، ولم يكن هناك حديث عن تداول للسلطة بين قوى متعددة ذات برامج مختلفة، وظل هذا هو الفهم السائد. وهيمن هذا الإطار والتصميم على النظام فى مصر حتى ولو كان قد صدر قرار بتشكيل المنابر الثلاثة، وتحويلها بعد ذلك إلى أحزاب ثلاثة، تم إطلاق حرية تشكيل الأحزاب فى إطار من الدستور والقانون المنظم لذلك فالذى حدث هو أن السلطة الحاكمة أمسكت بخيوط هذا الإطار الدستورى والقانونى المنظم للحياة السياسية بعد كل التعديلات التى أدخلتها على الدستور وما ترتب عليه من تعديلات على القانون واللوائح المنظمة، بما لا يسمح بأى تغيير جوهرى فى قواعد اللعب عبر الحزب الواحد، فما يحدث هو حزب واحد مسيطر وتعدد شكلى لا يؤثر فى تغيير الملعب ولا اللعبة والقوانين المنظمة لها، فمازال الحزب الحاكم هو الحكم والخصم وهو الوحيد الذى له حق تصميم الملعب واختيار اللعبة، فعلى سبيل المثال تتشكل لجنة الأحزاب فى مصر والتى يعرض عليها الأحزاب الطالبة بالشرعية من لجنة يترأسها رئيس مجلس الشورى وهو ذاته أمين عام الحزب الحاكم الموجود بالسلطة والمهيمن عليها وتتكون اللجنة من وزير الداخلية ووزير الدولة لشئون مجلسى الشعب والشورى وكلهم شخصيات من الحزب الحاكم فكيف يخرج حزب من عباءة الحزب الحاكم؟ وكيف يكون الحزب الحاكم هو الخصم والحكم فى ذات الوقت؟ وإذا تم رفض الحزب فعليه أن يذهب إلى محكمة الأحزاب وهى محكمة عبارة عن خليط من رجال السياسة ورجال القضاء ويكون اختيارهم من الحزب الحاكم بنسبة كبيرة ولا يمكن أن يكون هذا التشكيل مؤسسًا على فكرة فصل السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية، من هنا فالتأثير واضح على أحكام هذه المحكمة غير القانونية، ورغم أن تعديل المادة 76 من الدستور تسمح بالتنافس على مقعد رئيس الجمهورية بشروط تكاد تصل إلى تعجيز أى قوى غير الحزب الحاكم عن الترشيح، وبالتالى لا تداول سلطة حقيقى فى البلاد، وهذا ما جعل الحياة السياسية تموت فى البلاد وما جعل المواطنين يفقدون الثقة فى نظامهم السياسى ولا أمل من إصلاح إلا بإطار دستورى وقانونى يعيد للأحزاب حرية التشكل والممارسة ويفتح الباب بشكل حقيقى لتداول السلطة وبعيد لنصدوق الانتخابات أهمية احترام المصوتين، وشفافية التصويت ورقابة محددة وشاملة للقضاء على الانتخابات.