محافظ الغربية يفتتح المعرض العام لمراكز تنميه القدرات والمبدعين    الحصة ب50 جنيها، قرار عاجل من التعليم بشأن إجراءات صرف مقابل أداء الحصص للمعلمين    نظير عياد: دار الإفتاء ستعمل بكل جِدٍّ بمختلف قطاعاتها للمشاركة في المبادرة الرئاسية لبناء الإنسان    منح دراسية وتخفيضات 20% على المصروفات.. كل ما تريد معرفته عن جامعة «باديا»    وزيرة التضامن الاجتماعي تكرم الطلبة المتفوقين من ذوي الإعاقة    ألسن جامعة الفيوم توقع بروتوكول تعاون مع المعهد القومي للترجمة    محافظ المنوفية يتفقد سوق الجملة وأعمال تطوير كورنيش شبين الكوم    رئيس جامعة سوهاج يشكر فلاحي مصر في عيدهم    وزير الاستثمار: «الصناعات الغذائية» أحد أهم القطاعات الإنتاجية والتصديرية بالاقتصاد القومي    محافظ المنيا يؤكد على إقامة معارض «أهلا مدارس» بجميع المراكز لتوفير احتياجات الطلاب    إحياء القيم المجتمعية.. كيف تسهم "حياة كريمة" في سد الفجوات التنموية بين المراكز والقرى؟    تنفيذ "المرحلة الثانية" من روافع المياه ومحطة التنقية بالقاهرة الجديدة    المشاط: ضرورة الاستفادة من إمكانيات معهد التخطيط القومي لتعزيز فعالية خطط التنمية    بدر عبدالعاطي: اتفاق في الرؤى بين مصر والدنمارك على أهمية مكافحة الإرهاب    "التعليم الفلسطينية" تعلن تدشين المدارس الافتراضية للمرة الأولى بقطاع غزة    «كومان»: الداخلية المصرية قدمت مبادرات بناءة ساهمت في تعزيز حقوق الإنسان    انتخابات أمريكا 2024| جورج بوش يستبعد دعم كلا المرشحين بالانتخابات    تطورات جديدة في أزمة مباراة مصر وبوتسوانا بتصفيات الأمم الأفريقية    منتخب بوتسوانا يطلب تأجيل مباراته مع مصر رسمياً.. أزمة في نواكشوط    عبد الملك: المنتخب قدم مستوى مميز أمام كاب فيردي    انطلقت فعاليات اليوم الثانى والختامى gمنتدى الإعلام الرياضى    هل يشهد صيف 2025 منافسة "سعودية - أوروبية" على ضم صلاح؟    الحوار الوطنى يهنئ أبطال مصر الفائزين بالميداليات فى دورة الألعاب البارالمبية    ضبط لص سحل سيدة لسرقتها بالسيدة زينب    بدءا من الغد، ارتفاع الحرارة 5 درجات مئوية    عاجل.. تأجيل محاكمة مضيف طيران و6 آخرين في تهريب دولارات للإخوان بالخارج    غرق طالب فى ترعة الإسعاف بقرية بهجورة قنا    تأجيل محاكمة 8 متهمين بقتل شاب وإلقاء جثته أمام منزل خالته بالخانكة    مصرع شخص بطعنة نافذة بالصدر في مشاجرة بالدقهلية    وزير الثقافة يسلم شهادات تقدير للحاصلين على جائزة الدولة التقديرية    بدء احتفالية تكريم وزير الثقافة ل116 فائزًا بجوائز الدولة    تشييع جثمان المتضامنة الأمريكية عائشة نور التي قتلت برصاص الاحتلال بالضفة الغربية    «إكس مراتي» ثامن الأفلام الأعلى إيرادات فى تاريخ السينما المصرية    "شباك المنور" تفوز بجائزة خيري شلبي للعمل الروائي الأول للدورة الخامسة    عباس شومان: أفضل إنصاف للمرأة هو العمل على إبراز حقوقها    محافظ أسوان يتابع الأعمال الجارية بمستشفى السباعية المركزي    تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء.. تحرير 143 مخالفة عدم إلتزام المحالات بقرار الغلق    مدرب قطر: لا بديل عن الفوز أمام كوريا الشمالية بتصفيات المونديال    رئيس المستقلة للانتخابات الأردنية: اكتمال كل الأمور الفنية واللوجستية لإتمام عملية اقتراع الغد    الزمالك: سنطلب 100 مليون جنيه تعويضا حال عدم التزام ارون سالم بوبيندزا بالتعاقد    حيثيات إعدام عاطل قتل صديقه داخل مسكنه بسبب خلافات بينهما فى الجيزة    وزارة الصحة تؤكد توفير الأدوية اللازمة بالصيدليات وحل أزمة النقص قريبًا    كامل الوزير يلتقي وزيري النقل والإعمار بالعراق    وزير الصحة: نعمل على خفض الوفيات بسبب الدرن بنسبة 90% في 2030    برج الدلو.. حظك اليوم الإثنين 9 سبتمبر: قلل التوتر    يسرا والكدواني وأحمد أمين ويوسف الشريف في عزاء والد طارق وأحمد الجنايني    برعاية وزير الثقافة.. اللجنة العليا لمهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية ال 32 تواصل أعمالها    السنغال يسعى لتصحيح المسار أمام بوروندي في تصفيات أمم أفريقيا    عالم: ليس كل أزهري مؤهل للفتوى.. واستحلال الحرام «كفر»    دار الإفتاء توضح حكم التطوع بالصيام فرحا بمولد النبى الكريم    باحث أزهري: الله وعد المؤمنين بشفاعة الرسول يوم القيامة (فيديو)    أوكرانيا: ارتفاع حصيلة قتلى جيش روسيا ل 626 ألفا و410 جنود منذ بدء العملية العسكرية    الإليزيه: ماكرون يهنئ تبون بإعادة انتخابه رئيسا للجزائر    وزير الإسكان يتابع مع مسئولى شركة "سيتى إيدج" تسويق مشروعات هيئة المجتمعات    سفاح التجمع.. كل ما تريد معرفته عن شريكة المتهم قبل الحكم عليها    وزارة الصحة: انطلاق برنامج تدريب المعلمين بمدارس التمريض على المناهج الجديدة    الآن.. تنسيق المرحلة الثالثة 2024.. الموعد الرسمي لتسجيل الرغبات عبر الرابط المعتمد    شارك صحافة من وإلى المواطن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هيئة كبار العلماء: أسهل السبل لتحقيق السلام التعامل على أساس المسئولية المشتركة
نشر في اليوم السابع يوم 22 - 10 - 2018

ألقى الدكتور عباس شومان الأمين العام لهيئة كبار العلماء كلمة الأزهر اليوم مؤتمر منظمة الأمن والتعاون في أوروبا والي يعقد في العاصمة الإيطالية روما ، حيث شارك فضيلته في فاعليات الحلقة النقاشية الأولى بعنوان " التعصب والتمييز، مع التركيز على التمييز على أساس الدين أو المعتقد"

وإلى نص الكلمة:

الحمد لله الرحمن الرحيم، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى أنبياء الله جميعًا والمرسلين، وبعد: فأحييكم أيها السيدات والسادة بتحية الإسلام، فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

ويطيب لي في البداية أن أنقل لحضراتكم تحيات فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الذي شرفني بتمثيله في هذا الملتقى الفكري الراقي، وأشكر السادة القائمين على هذا المؤتمر الموقر وأحيي اختيارهم لهذا الموضوع المهم الذي يدور حول مكافحة التعصب والتمييز، تلك الظاهرة الخطيرة التي استشرت وتفشَّت على نطاق واسع حول العالم.

الحضور الكريم:

إن موضوع اجتماعنا اليوم قد اهتمت به شريعتنا الإسلامية اهتمامًا بالغًا، ومن عجبٍ أن تلك الظاهرة القميئة التي كانت منتشرة في العصر الجاهلي قبل أكثر من أربعة عشر قرنًا من الزمان تطل علينا بوجهها القبيح اليوم ونحن في القرن الحادي والعشرين! فقد أبطل إسلامنا الحنيف مظاهر التمييز المقيت التي كانت سائدة في الجاهلية قبل الإسلام، فكان من بين صحابة رسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم - بلال الحبشي، وصهيب الرومي، وعبد الله بن أم مكتوم كفيف البصر الذي عاتب ربُّنا عز وجل فيه رسولَه حين انشغل عنه بعض الوقت مع سادات قريش، وأنزل في ذلك قرآنًا يُتعبد به، وحملت السورة عنوان العتاب، فقال تعالى: «عَبَسَ وَتَوَلَّى. أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى. وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى. أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى»، وكان من بين صحابة النبي أيضًا سلمان الفارسي الذي كرمه رسولنا بقوله: «سلمان منا آل البيت». ومن توجيهات رسولنا الخالدة التحذير من التفاخر والتباهي على الناس، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «كلكم لآدم وآدم من تراب، ولينتهين قوم يفخرون بآبائهم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان»، وهي حشرات صغيرة تحفر بيوتًا لها تحت الأرض. فشريعتنا الغراء تنظر إلى الإنسان لذاته بمقدار سلوكه وعطائه دون نظر إلى نسبه أو جاهه أو عِرقه أو دينه.

وقد رسَّخ الإسلام في عقيدة أتباعه أن الناس جميعًا على اختلاف ألوانهم وأجناسهم وعقائدهم هم خلقٌ لإله واحد، وقد خُلقوا جميعًا من أب واحد وأم واحدة وإن تباعدت أوطانهم واختلفت ألسنتهم، يقول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ»، وقد علَّمَنا دينُنا أنه لا فضل لعربي على عجمي ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى والعمل الصالح، وأمرنا دينُنا بقبول الآخر المخالف لنا في الدين، فقال تعالى: «لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ»، وقال: «فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ»، وقال أيضًا: «لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ».

ولذا، فقد كان منهج رسولنا الكريم في دعوة الناس إلى الإسلام هو العرض والبلاغ، وترك الخيار لمن يدعوهم في دخول الإسلام أو البقاء على ما يعتقدون، شريطة عدم الاعتداء أو مناصرة المعتدين على المسلمين. وليس صحيحًا ما يشيعه كثير ممن لهم مآرب أخرى، أن الإسلام يرفض الآخر ما لم يعتنق الإسلام؛ فكيف يستقيم هذا الادعاء مع ما سقناه من آيات صريحة في النهي عن الإكراه في الدين، ومن ذلك أيضًا قول الله تعالى: «لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ»؟! وكيف يستقيم هذا الادعاء وقد أَمِنَ رسولنا الكريم لعبد الله بن أريقط دليله في طريق هجرته من مكة إلى المدينة المنورة وهو على غير الإسلام؟!

إن صور التعامل بين رسولنا الكريم ومَن معه مِن المسلمين مع طوائف اليهود وغيرهم في المدينة المنورة أكثر من أن تعد في لقاء كهذا، فحين انتقل رسولنا الكريم إلى المدينة المنورة التي كانت تستوطنها قبائل يهودية لم يجبرهم على الإسلام ولم يطردهم منها، وإنما عقد معهم معاهدات سلام تضمن لهم البقاء على دينهم مع العيش في سلام مع المسلمين، وهو نموذج يمثل أرقى صور المواطنة وقبول الآخر والتسامح في التاريخ البشري، وكان يحذر المسلمين من نقض عهودهم مع غير المسلمين تنفيذًا لتوجيهات القرآن الكريم الذي أمر بالوفاء بالعهود، فقال تعالى: «وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ»، ولم ينقض النبي - صلى الله عليه وسلم - عهدًا حتى نقضوه هم، وحتى في حال خروج مَن عقدنا معهم العهد والميثاق عن مقتضاه وثبوت إعدادهم العدة لقتالنا، أمرنا إسلامنا الحنيف أن نعلمهم بإلغاء معاهدتنا لهم قبل نشوب أي أعمال حرب دفاعية معهم، فقال تعالى: «وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ». ومن المبادئ الثابتة في ديننا، تأمين الأجانب الداخلين إلى بلاد المسلمين لأغراض مختلفة، حتى لو كان الغرض إبلاغ رسالة تحمل تهديدًا ووعيدًا للمسلمين من دولة معادية للمسلمين، يقول تعالى: «وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ»، وقد أمر رسولنا الكريم بقتل رجل من المسلمين لقتله رجلًا من المعاهدين وقال: «أنا أحق مَن وفَّى بذمته».

ووقائع التاريخ والسير خير شاهد على حسن علاقة المسلمين بغيرهم، والمساواة بينهم في الحقوق والواجبات، فبعد خروج اليهود من المدينة ظل التعامل معهم قائمًا، فقد اتفقوا مع النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - على زراعة أرض خيبر، على أن يكون للمسلمين أصحاب الأرض نصف الناتج من زرع أو ثمر، ويكون للمزارعين من اليهود النصف الآخر، وقد أرسى هذا المبدأ صورة من صور الشراكة وهي المعروفة في الفقه الإسلامي باسم المزارعة. وفي مصادر السنة النبوية الصحيحة أن رسولنا الكريم اشترى طعامًا من يهودي على أن يدفع له الثمن آجلًا، ورهن درعه عنده، لكن الموت كان أقرب لرسولنا، فمات ودرعه مرهونة عند اليهودي حتى افتكها صحابته بعد سداد الدَّيْن. وقد ذهب إسلامنا الحنيف إلى أبعد من هذا؛ حيث أباح للمسلم الزواج من الكتابية - يهودية كانت أو مسيحية - لتكون أمًّا لأبنائه، ولم يجز له إكراهها على ترك دينها واعتناق الإسلام، بل كفل لها جميع حقوقها كما لو كانت مسلمة. وقد تزوج رسولنا الكريم بمارية القبطية المصرية ولم يأمرها بتغيير اسمها، فظلت تُعرف به إلى يومنا هذا مع أنها اعتنقت الإسلام. ويمكن اعتماد وصية رسولنا الكريم لنا نحن المصريين بإخواننا المسيحيين نموذجًا وأساسًا للتعامل بين المسلمين وغيرهم، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «إذا فتح الله عليكم مصر، فاستوصوا بقبطها؛ فإن لهم ذمة ونسبًا»، وقال أيضًا: «اللهَ اللهَ في قبط مصر، فإنكم ستظهرون عليهم ويكونون لكم عدة وأعوانًا في سبيل الله».

السيدات والسادة:

إن تلك النصوص الصريحة، وهذه المواقف العملية الراقية - وغيرها كثير - من صور التعامل بين المسلمين وغيرهم، تبين بجلاء أن ديننا الإسلامي يرفض رفضًا قاطعًا التمييز بين الناس على أساس الدين أو المعتقد، وأن حرية الاعتقاد مكفولة للجميع، وأن اختلاف الدين ليس - ولا يجب أن يكون - مانعًا من التعايش السلمي وحسن العلاقة بين البشر، يقول الله تعالى: «وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ»، بل إن الديانات السماوية جميعًا بريئة من التعصب والتمييز الذي نتحدث اليوم في أسبابه وآليات مكافحته، فها هو إنجيل متى يقول: «سمعتم أنه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك. وأما أنا فأقول لكم أَحِبُّوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أَحسِنوا إلى مبغضيكم، وصلُّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم»، وها هو أيضًا يتعجب من العلاقات أحادية الجانب فيقول: «إن أحببتم الذين يحبونكم فقط فأي أجر لكم؟! أليس العشارون أيضًا يفعلون ذلك؟! وإن سلمتم على إخوتكم فقط، فأي فضل تصنعون؟! أليس العشارون أيضًا يفعلون هكذا؟! فكونوا أنتم كاملين».

وقد وعى قادة الأديان تلك النصوص وفهموها على وجهها الصحيح، فكانت العلاقات الودية الطيبة بين الأزهر الشريف - مرجعية المسلمين في العالم - والكنائس العالمية بمذاهبها المختلفة، بل بين الأزهر الشريف والعالمين المنصفين من حاخامات اليهود. ولعل خير شاهد على براءة الأديان من تلك المظاهر التعصبية والتمييزية المقيتة التي نراها هنا وهناك، الزيارات المتبادلة بين فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر رئيس مجلس حكماء المسلمين وقداسة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، وقداسة البابا فرانسيس بابا الفاتيكان التي كان آخرها قبل أقل من أسبوعين، وكذا الاجتماعات الدورية بين الأزهر الشريف ومجلس الكنائس العالمي، وترحيب الأزهر الشريف بالحاخامات اليهود الذين نفضوا أيديهم عن الصهيونية وأقروا أنها لا تعبر عن تعاليم موسى عليه السلام، وذلك خلال مشاركتهم في مؤتمر الأزهر العالمي لنصرة القدس الذي عقد في يناير 2018م. ومثل هذه العلاقات الودودة تجسد صورة بهية راقية للتسامح والاعتدال، والفهم الصحيح لجوهر الأديان، والسعي الحثيث نحو تشييد جسور التواصل بين أتباع الأديان، والحرص الشديد على نشر ثقافة الحوار، ودعم القيم الإنسانية المشتركة؛ ليعم السلام والوئام أرجاء العالم. ولا يشوِّه تلك الصورة الأخوية النقية، ولا يقدح في تلك القاعدة العامة المبنية على نصوص جلية ومواقف عملية، شذوذ بعض أتباع الأديان ولجوؤهم إلى العنف والتطرف، وتبنيهم التعصب والتمييز فكرًا وسلوكًا.

وتطبيقًا لهذه المبادئ السامية في أسس التعامل بين الناس، والعلاقة بين المسلمين وغيرهم، فقد أصدر الأزهر الشريف عام 2012م عددًا من الوثائق الراقية، ومنها وثيقة الحريات العامة التي نصت على حق الإنسان في الحياة، وحقه في الاعتقاد، وأنه لا يجوز التفريق بين الناس على أساس الدين أو الجنس أو العِرق، وعقد الأزهر الشريف مؤتمرًا عالميًّا عام 2017م بعنوان (الحرية والمواطنة.. التنوع والتكامل)، كان من بين نتائجه إسقاط مصطلح (الأقليات) لما فيه من الإحساس بالتهميش والدونية، واستبدل المؤتمر به مصطلح (المواطنة) الذي يسوِّي بين المواطنين جميعًا في الحقوق والواجبات دون نظر إلى الطائفة التي ينتمون إليها أو الدين الذي يتبعونه، وهو المبدأ الذي أقره وأرساه رسولنا الكريم في وثيقة المدينة المنورة التي هي أول وثيقة تؤسس للحرية الدينية والمواطنة في التاريخ.

وختامًا أقول إننا إذا أردنا مجتمعًا عالميًّا أفضل، فإن علينا أن نعمل على إرساء هذه المبادئ وترسيخها لدى أتباع الديانات التي نمثلها، وإقناع صناع القرار العالمي بنبذ التعصب والتمييز بكل صوره ومظاهره، وعدم التباهي بالقوة العسكرية أو التقدم العلمي أو الرخاء الاقتصادي، وعدم تقسيم العالم على أساس أول وثالث، أو تابع ومتبوع، أو مهيمِن ومهيمَن عليه، وعدم تأجيج الصراعات الطائفية أو العِرقية المقيتة هنا وهناك لاستخدامها أوراقَ ضغطٍ وابتزاز لتحقيق مآرب خاصة، بل على صناع القرار العالمي والمؤسسات الأممية الفاعلة أن يدركوا أن أسهل السبل وأقصرها لتحقيق السلام والاستقرار المنشود في العالم، هو التعامل على أساس المسئولية المشتركة والاحترام المتبادل، واستبدال ثقافة التعاون والتكامل بالفردية والغطرسة، وإنصاف المظلوم ولو كان مخالفًا في الدين أو العِرق، والأخذ على يد الظالم ولو كان من أتباع الدين، ولنا القدوة الحسنة في حلف الفضول الذي شهده رسولنا الكريم في الجاهلية وأثنى عليه. وعلينا كذلك أن نقف صفًّا واحدًا ضد العنصرية الدينية والتطهير العِرقي والتطرف والإرهاب، وأن ندرك يقينًا أن الأديان السماوية بريئة من كل نقيصة يحاول أصحاب المصالح إلصاقها بها، وأن نضع أيدينا على الأسباب الحقيقية لظاهرة التعصب والتمييز، والتطرف والإرهاب، وكل الشرور والنيران المشتعلة هنا وهناك، وخاصة في منطقتنا المنكوبة، وساعتها سيعم السلام والوئام، وينتشر الأمن والأمان، وتنتهي المآسي الإنسانية والصراعات الدامية حول العالم.

وفقكم الله أيها السادة وسدد خطاكم، وأعتذر عن الإطالة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.