فجّر الطبيب الخاص للرئيس التونسى الراحل الحبيب بورقيبة عمر الشاذلى، فضيحة من العيار الثقيل فى كتابه الصادر قبل أيام باللغة الفرنسية تحت عنوان "بورقيبة كما عرفته"، حيث كشف أن زين العابدين بن على تآمر على بورقيبة، وأنه لم يكن عاجزاً عن أداء مهامه عشية الإطاحة به فى السابع نوفمبر 1987 بداعى المرض والشيخوخة. وحسبما ورد بجريدة البلاد الجزائرية يروى الشاذلى فى كتابه، تفاصيل كثيرة عن ليلة الانقلاب على أول رئيس لتونس المستقلة وحلقات التحضير لهذا الانقلاب عبر سعى بن على ومتواطئين معه فى "قصر قرطاج" وخارجه، إلى توتير الأجواء فى تونس للاستيلاء على السلطة، حيث جاء فى بيان تولى "زين بن على" السلطة فى السابع نوفمبر 1987 أنه "أمام طول شيخوخة بورقيبة واستفحال مرضه نعلن، اعتمادا على تقرير طبى، أنه أصبح عاجزاً تماماً عن الاضطلاع بمهام رئاسة الجمهورية". كما أكد الشاذلى فى كتابه، أن بورقيبة أعطانا درسًا حقيقاً فى التاريخ ركز فيه على الحروب الصليبية مساء السادس نوفمبر 1987 مقدما تفاصيل غاية فى الدقة عن مختلف مراحلها منذ 1971 حتى أن طبيبه الخاص الذى كان يشغل أيضا منصب مدير الديوان الرئاسى سأله "كيف تفعلون سيدى الرئيس لتذكر كل هذه التفاصيل؟"، فأجابه بورقيبة، وفق الكتاب، "قرأت كثيراً خلال فترات اعتقالى، ثم إن هناك أشياء ترسخ فى الذهن لدرجة أنه يتعذر نسيانها". ويقول طبيب بورقيبة فى كتابه "كنت أتابع بانتباه ما يقول، وبكثير من الإعجاب بدقته ووضوح أفكاره"، مضيفا أنه قبل مغادرة القصر الرئاسى فى "قرطاج" نحو منتصف ليلة السابع نوفمبر 1987 كان كل شىء يبدو عاديا، موضحا أن بن على حاول إضفاء طابع قانونى على ما فعله بتقديم شهادة طبية وقعها سبعة أطباء تم تسخيرهم ليلاً من قبل النائب العام الهاشمى الزمال، وأربعة من هؤلاء الأطباء، وهم عز الدين قديش ومحمد قديش والصادق الوحشى وعبد العزيز العنابى، لم يعاينوا بورقيبة منذ عدة سنوات"، وهنا يتساءل الشاذلى الذى كان طبيبا لبورقيبة طيلة أربعين عاما وأسس كلية الطب بتونس فى 1964 عن كيفية تمكن هؤلاء الأطباء فى تلك الليلة من الجزم بأن حالة الرئيس الصحية لم تعد تسمح له بممارسة مهامه؟ مضيفاً أن الأطباء الثلاثة الآخرين الموقعين على الشهادة الطبية، وهم أخصائى أمراض القلب محمد بن إسماعيل، وأمراض المعدة الهاشمى القروى، والرئة عمارة الزعيمى الذين كانوا يزورون بورقيبة مرة فى الأسبوع أو بطلب منه، وضعوا توقيعاتهم إلى جانب الأربعة الآخرين على الشهادة. وفى السياق ذاته، أكد الشاذلى أن الزمن أثبت أنهم أخطئوا، وذلك لآن بورقيبة استمر بعد عشر سنوات من إعداد هذه الشهادة الطبية، بصحة جيدة، وحرص على الإشارة إلى أن تلك الشهادة لم تحمل توقيعه ولا توقيع أحمد الكعبى الذى كان تولى مهمة الطبيب الخاص لبورقيبة بين 1970 و1978 مضيفا أنه منع يوم الانقلاب من معاينة بورقيبة ودخول قصر الرئاسة، ولم يتمكن من رؤية بورقيبة إلا فى 12 نوفمبر فى مدينة "مرناق"، جنوبى العاصمة، حيث قال له لما رآه "سيدى الرئيس إنها الخيانة"، فرد بورقيبة "لا.. إنه الغدر". من ناحية أخرى، يشرح الكتاب كيف عمل بن على وأعوانه بين يوليو 1986 ونوفمبر 1987 على تعكير الأجواء فى تونس كمقدمة للانقلاب، حيث بدأ التشدد الأمنى فى البلاد وإصدار الأحكام الجائرة والإيقافات التعسفية للمعارضين، والتضييق على الحريات العامة وحملات التفتيش والمضايقة، إلى جانب تعفين الأجواء فى المدارس والمعاهد والجامعات، وتهويل التطرف الإسلامى.