كلا الطرفين "نعم" و"لا" كان يأمل فى تحقيق الفوز، لكن أحد لم يكن يستطيع أن يجزم بنتيجة الاستفتاء، كما كان الحال فى جميع الاستفتاءات السابقة. كلا الطرفين عمل على نشر رأيه على أوسع نطاق، فريق "لا" كان الأعلى صوتا، لأن أغلب منتسبيه يخاطبون شريحة معينة من الشعب المصرى فى الصحف والفضائيات والندوات، وفريق "نعم" نزل إلى الشارع، وقام بحملات طرق الأبواب، والتحم بالجماهير التحاما مباشرا فى أماكن تواجدها. قام بعض أنصار كلا الطرفين بالضرب تحت الحزام، فاتَّهم فريق "لا" الآخرين بالالتفاف على الثورة، وتضييع دماء الشهداء، ووظف الترهيب من الإخوان المسلمين كما وظفها النظام البائد، ونسب لهم صورا مدسوسة وحوارات مفبركة، وقصصا تفوق الخيال عن " ملتحى عمل وعمل وعمل". واتهم فريق "نعم" الآخرين بعدم وضوح الرؤية، والدعوة المبطنة إلى الديكتاتورية، وازدراء الشعب المصرى العظيم الذى قام بثورة غير مسبوقة، واتهامه بالقصور السياسى لأنهم لا يرديونه أن يمارس حق انتخاب ممثليه، ودعم الفوضى والثورة المضادة، والعمل من أجل المصلحة الشخصية والكراسى لا مصلحة الوطن، والتوافق مع رغبة الجهات الأجنبية المانحة التى تدعم "الديمقراطية". وقد استمتع الشعب المصرى فى الأيام الماضية بمعركة انتخابية ديمقراطية حقيقية لأول مرة فى حياته، تنافس فيها الرأى والرأى الآخر على كسب ثقة الشعب، وفى النهاية قال الشعب كلمته بحرية تامة. وأوفى جيش مصر بما وعد فأجرى استفتاء حرا لم ينحز فيه لأى طرف، وكان دور القضاء والشرطة مشرفا، فخرجنا بنتيجة اعترف الجميع بعدم تزويرها لأول مرة فى تاريخ مصر. لقد نجح الشعب المصرى فى أول اختبار ديمقراطى حقيقي، وأدهش العالم بوقوفه فى نظام رائع فى أطول الطوابير لممارسة حقه فى الانتخاب، وأثبت أنه غير قاصر سياسيا، وأنه مؤهل لحياة نيابية سليمة، تخرج به من الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الطاحنة. إننى أرجو من إخوانى الوطنيين المخلصين فى الفريق "لا" أن يهنئوا أغلبية الشعب باختيارها (77%)، وأن يعلنوا احترامهم لإرادتها، وألا يسعوا إلى الالتفاف على هذه الإرادة باتهامات بالية أو مظاهرات أو اعتصامات، وأن لا يدَّعوا أن الدستور والبرلمان القادمين لا يمثلان الشعب فهذا الاتهام إهانة للشعب، وأن يعملوا على التقرب من هذا الشعب العظيم، ويتفهموا مطالبه وآلامه وأحلامه، وأن يبذلوا جهدا صادقا للتعبير عنها، وإلا فإن الشعب سيلفظهم فى أقرب انتخابات قادمة، كما لم يستمع لكلامهم فى التعديلات الدستورية، وساعتها لن يكون عليهم إلا أن يلوموا أنفسهم. وكما يحدث بين الفرق الرياضية المحترمة أجد أنه من اللياقة أن يذهبوا لتهنئة الفريق الذى تبنى رأى الأغلبية، وأن يعلنوا رغبتهم الصادقة فى التعاون معه لخير البلاد والعباد، وإننى على ثقة بأنهم سيجدون منهم كل ترحيب واحترام، وسوف يُكبرهم الشعب على هذه الخطوة الشجاعة لو تمت، إذ ليس من العيب أن يجتهد الإنسان فيخطئ لكن العيب أن يصر على خطئه ولا يحاول تصحيحه. وأرجو من إخوانى فى الفريق "نعم" أن يلقوا وراء ظهورهم معركة التعديلات السابقة وما حدث فيها، وأن يبذلوا جهدا أكبر من أجل طمأنة الفريق الآخر، وأن يمدوا لهم يد الحب والتسامح التى هى من الصفات الأصيلة لدى الشعب المصرى. وعلى المصريين الغيورين بحق على مصلحة مصر، أن يكفوا عن إذكاء نار الطائفية البغيضة، وترديد الاتهامات للكنيسة أو الإخوان أو السلفيين أو الأعضاء الغير قياديين فى الحزب الوطني، وأن يفكروا معا فى مستقبل مشرق لمصر الحبيبة يعود علينا وعلى أولادنا جميعا بالخير والسعادة.