مرت أيام على حالة الفوران التى نحياها جميعا ومازلنا نحياها.. نعم لقد زلزلتنا الأحداث بعمق سواء كنا طرفا فيها أو اخترنا دور المشاهد من بعيد أو تداخلنا معها ولو بدور ثانوى فى لجنة شعبية أو بالوقوف فى شرفات المنازل نراقب ملكياتنا الخاصة أو بالمتابعة اللاهثة وراء الفضائيات.. أعلم أنى من جيل يشعر الآن بالخزى أو بالإحساس بالتقزم أمام الأحداث وسرعتها وأمام من قاموا بها لقد تحملنا ونحن الآن على مشارف الأربعين هذا الحكم ولم نحرك الواقع قيد أنمله تحملناه وتعايشنا معه.. حولنا مع ما تحول من مفردات مجتمعنا لحالة اللا مبالاة والأنانية المفرطة وكذلك أحيانا للانتهازية.. إنى هنا لا لأجلد ذاتى أو لألوم جيلى أو أجيال أخرى انى هنا لهدف آخر فبرغم قدرتى على الاستقراء السياسى نسبيا ومقدرتى الشخصية على تحليل الأمور إلى حد ما إلا أنى لم أكن أبدا مشاركا ولو بالتعليق العام على الأحداث أيا كانت، أى أنى لست من أعضاء الحزب الوطنى أو حتى من الموالين للرئيس مبارك بل أنا لو صح التقييم ممن تم مسخهم وتحولوا على يد هذا النظام لأشباه بشر. إن القادم من بعيد يرى الصورة كاملة هذا ما تعلمناه من كل الفرضيات التى مرت علينا ودرسناها منطقيا ورياضيا حتى فيما يخص رقعة الشطرنج ونحن الآن نحتاج لذلك. فى فيلم "أيام السادات" ذكرت جملة على لسان "أحمد زكى" بعد قيام الثورة وكتمهيد للحالة التى أدت لحدوث النكسة قال فيما معناه انه عندما تحلم اجعل لأحلامك حدودا حتى لا تفاجأ بتحقق أحلامك التى ربما تكون حتى أكبر من قدراتك على الاستيعاب، هذا بالفعل ما حدث مجموعة من الشباب غيرت مقدرات أمة بالكامل حركت مائها الراكد من سنين فالمجموعة القابعة فى ميدان التحرير كانت شرارة حركت جموع الأمة فى مدن مصر وقراها من أسوان إلى الإسكندرية ومن السلوم إلى العريش نعم استطاعوا تغيير الحالة وعلى أرض الواقع وصنعوا بدمائهم وإصرارهم واقعا جديدا لم يتحرك فى ثلاثين عاما وتحرك فى ثلاثة أيام تقريبا . ونعود لحالة العناد أو حالة الإصرار المتشبث وربما الخائف أيضا من الانتكاسة حالة ما بعد تحقق الأحلام أو قربها من التحقق.. الآن نريد أن نزيح الرئيس ننحيه لنصنع واقعا مغايرا للحالة قبل 25 يناير واقعا صارخا واضحا وضوح الحفر فى الصخر لا ينمحى ربما خوفا من عقاب يتلقف من قاموا بتحريك الشارع فرادى بعد أن تنفض المظاهرات والتجمعات، إن تاريخ النظام ليس بعيدا عن مخاوفكم نحن نعلم ذلك جميعا وكنا نراه يوميا سواء من قريبا أو من بعيد ولكن الوضع الآن أصبح مختلفا الواقع يتكلم بمفردات جديدة حتى قيادات المرحلة من الحكومة شخصيات واقعية واضحة موضوعية كل منهم له نجاحاته الشخصية التى جعلته وجها مشرقا فى وسط حالة الظلمة التى كانت موجودة واقصد بالطبع الفريق شفيق أو اللواء عمر سليمان أنها شخصيات جديرة بالاحترام وإن كانت تحسب على النظام ومنه ولكن مع الفارق لا يمكن أن نساوى بينهما وبين أحمد عز أو صفوت الشريف أو فتحى سرور أنتم تعلمون جيدا أن الأمر مختلف تماما، إن ما نراه حاليا يقودنا لمرحلة فارقة مثل التى مرت بها مصر وقت حدوث ثورة يوليو وبرغم أن الثقافة التى كانت تميز من قاموا بها إما ضحلة بحكم تربيتهم العسكرية أو متأثرة بثورات القوة والثأر التى كانت تتخذ نبراسا فى ذلك الوقت مثل الثورة الفرنسية أو الحركة التركية على يد أتاتورك إلا أنهم وجدوا بينهم صوتا رشيدا اخرج الملك ملك مصر مكرما ملك أكبر دولة عربية قيمة ومكانة نعم خرج الملك وقد ودعه قائد الثورة وأطلقت المدافع فى توديعه، ولكن الخطأ حدث بعد رحيله أصبح عهده عهدا بائدا لا يدرس الا وكأنه سبه فى جبين التاريخ المصرى مع انه كان حالة من حالات الديمقراطية المتفردة التى لم تسبقه ولم تأت بعده حتى الآن. والآن يعاد كتابة تاريخ تلك الفترة ونفاجأ أن هذه الفترة ليست كلها موبقات وأيضا ليست كلها سعد زغلول أو طلعت حرب أو مصطفى كامل تلك الأسماء التى صوروها على أنها كانت بمثابة عود ثقاب أشعل فى غياهب الجاهلية والظلمات الآن فقط نكتشف ذلك كنا أكثر حيادية مع العصر الجاهلى وتعرفنا فيه على عنترة العبسى وعلى حاتم الطائى والكثير ولكن مع مرحلة تؤثر فينا وتشكل جزءا من وقعنا نقيس الأمور بشكل مختلف أكثر تعنتا وتطرفا. إننا الآن فى نفس الظروف هل يمكن أن يذكر تاريخ مبارك فيما سيأتى بالعهد البائد وهل قدر علينا الا نتعلم أبدا من أخطائنا هل يمكن اختزال أو بتر ثلاثين عاما من تاريخ مصر. إن مبارك ربما أصبح الآن رمزا للفساد ولكن كعكة الفساد كان يتعاطاها آخرون معه أنا مع محاسباتهم وتقييم إدارتهم لمهامهم أثناء وجودهم، أنا لا أتكلم عن العادلى أو عز فقط هناك كثيرون وليس ما فعله يوسف والى بنا بالقليل، وكذلك عاطف عبيد، هل لنا الآن أن نعرف لماذا ابعد الجنزورى، وهل لنا أيضا أن نعرف ما كان يدور خلف الأبواب المغلقة مع الكفراوى، ودور عاطف صدقى مع البنك الدولى، وصندوق النقد، هل لنا أن نعرف عن معاشات المسنين ودور غالى فيها؟. إن كل ذلك من مفردات النظام الذى يجب أن يحاسب ويعاد تقييمه وإذا ثبت فساده بالأدلة والقرائن يحاكم على يد الراشدون ورجالات القضاء. ولا ننسى أيضا أن من رحم هذا النظام خرج لنا عمرو موسى وأحمد رشدى وآخرين لا تسعفنى ذاكرتى المنهكة بأسمائهم ربما آخرهم زمنيا المستشار عبد المجيد محمود النائب العام الذى هو هبه من السماء فى تلك المرحلة. مصر ليست بحاجة لمقصلة تنصب فى ميدان التحرير لكى تقتص من رموز الفساد لتلوث دم الأطهار الذين استشهدوا فى هذا المكان الذى أصبح جزءا من تاريخنا. إننا شعب يتميز بالأصالة نحن من علمنا العالم أبجديات الحضارة ألا يمكن أن نصمت دقيقة ونستمع لصوت العقل، ألا يمكن أن نعيد تقييم المرحلة من كافة الأوجه ونتعلم من السلبيات بعد أن نقيمها ونصححها ونبرز الإيجابيات. إن مبارك المطلوب معاملته مثل بن على رمزا من رموزنا شئنا أم أبينا، إن مبارك أحد قادة أكتوبر، أكتوبر الوسام الوحيد على صدر مصر العسكرى فى التاريخ الحديث، إن مبارك مدير الكلية الجوية الذى خرج لنا طيارين حرب أكتوبر، إنه المكافح المثابر الذى خرج من هذا الشعب. إن كان فسد وأفسد فكفاه هتافات معارضيه فى التحرير بعد هذا العمر فلا يمكن أن نمحوه من تاريخنا، إن الله سبحانه وتعالى يغفر ما دون الشرك، ونحن بشر فلنسامح ونكرم مبارك فى فترته المتبقية، نكرمه حتى على دوره فيما قبل رئاسته لمصر، ولو كنا أكثر حياديه سنجد فى رئاسته مواقفا وأحداثا تستحق أن يكرم عليها أيضا. إننا بحاجة لإعادة كتابة تاريخنا بالكامل وتقييم كل مراحله والتخلص من كافة السلبيات التى أصبحت جزء من تكويننا إننا بحاجة ل 25 يناير اجتماعيا وآخر سلوكيا وآخر اقتصاديا وآخر وآخر وآخر فى كل نواحى حياتنا ويومنا. إن مبارك كفاه الفترة التى مرت من يوم 25 يناير فلا يمكن أن نساوى تاريخ الرجل بالصفر، إنه قد اجتهد وأصاب أحيانا وحاد عن الحق أحيانا، إنى أناشد مصريتكم، هل ننتظر ليقول علينا العالم إن أمريكا والاتحاد الأوروبى خلع الرئيس المصرى، وأزاحه من منا يقبل ذلك، إن كانت هذه أحد مساوئ المرحلة السابقة فنحن الآن على أعتاب مرحلة جديدة يجب أن نظهر فيها تسامح شعب ووفاء شعب حتى مع أعدائه أو جلاديه ونعطى للعالم درسا جديدا كما تعودنا فى تكريم مبارك. إن كعكة الفساد لم يكن يقتات مبارك منها وحده هو أو أسرته إن هناك أذنابا كثيرة لهذا النظام يجب أن تقتلع حتى مستوى عسكرى المرور المرتشى أو موظف المحليات الفاسد، نحن نحتاج ل 25 يناير فى كل مفردات حياتنا نحتاج للتغيير والصدق مع أنفسنا نحتاج لإعادة تقييم أنفسنا فكلنا بشر وكلنا خطاءون. إن الفترة السابقة قيل لنا أن محتوى التحرير من مختلف الأطياف والانتماءات نعم والبعض خون البعض واتهمه بالعمالة سواء لأمريكا أو لقطر أو حتى لإسرائيل إن تلك المرحلة تفرض علينا لحظة تأمل تعيد الأمور لنصابها ونفوض منا من يستطيع أن يكمل المشوار تفاوضيا على أن نكون مستعدين جميعا وليس الشباب فقط فى حالة البعد عما أردنا أو نريد أن نعود للشارع وألا نجبن ثانية. كلمة فى أذن الإخوان والمسيحيين أنا أعلم قدركم الحقيقى، وسعيد جدا بحالة النضج السياسى التى أنتم عليها الآن، واختياركم أن تكونوا من نسيج الشارع، وألا تكونوا مميزين عنه بشعار أو غيره، واعلم أيضا أن هذا النظام نكل بكم كثيرا ففى الوقت الذى كان فيه أذناب النظام ترتع اقتصاديا فى خيرات هذا الوطن كان هناك خيرت الشاطر فى محبسه وهو عقليه اقتصادية خسرتها مصر قبلكم وغيره الكثير، أنا أعلم أنكم بالفعل صفوة وقامات كبيرة يحتاجها الوطن بأكمله. إننا نحتاج للإخوان فى القادم نحتاج لحنكتكم ورؤيتكم لا لحكمكم ليس لنقيضه فيكم لا سمح الله، ولكن لأننا نحتاج أن نرى فى مختلف أطياف المجتمع ملامح التمثيل فى المجالس النيابية وليست طائفة واحدة. إن الإخوان ومعها جمعيات مثل أنصار السنة أو الجمعية الشرعية وغيرهم كثير نحتاجكم جميعا للقيام بدوركم التربوى لجعل الإسلام سلوكا نحياه وليس دينا فى المسجد فقط، إننا كلنا نحتاج لإعادة تأهيل روحى والأحرى بنا أعداد الجيل القادم أطفال اليوم على سلوكيات الإسلام أرجوكم لا تتخلوا عن دوركم فى المجتمع أعيدوا لنا قيمنا الروحية أعيدوا للأزهر دوره وبعضكم من أبنائه. أما شركائنا فى الوطن المسيحيين لم تعودوا فى حاجة للتخندق فى الكنائس، وأشكر للمحترم الذى أحبه واحترمه نجيب ساويرس مشاركته الإيجابية، فالرجل قال ما كان يقول دائما ولم يغير رأيا ولا موقفا، ولم يظهر حقدا كان يخفيه، إن مصر فى حاجة للجميع لنعود كما كنا ولنتخلص أخيرا من كل سلبياتنا مرة قبل يوم القيامة الذى بات قريبا. على الجميع العودة من التحرير، علينا اختيار لجنة حكماء واحدة وليس ثلاثة أو أكثر، إن مصر الولادة لديها من الرموز الكثير، حاولوا وضع قدم لنا على أول الطريق الصحيح ليس ببتر شخوص، أو بهدم رموز، أو بمحو تاريخ، وإنما نحتاج للرؤية الموضوعية المحايدة الصادقة لتأخذ من الماضى أيا كان أساسا وجذرا للمستقبل رفقا بمصر، رفقا ببسطاء مصر، وتحية إجلال واحترام لقائد قادنا ثلاثين عاما، إن كان يتحمل هو خطأ جبروته، فنحن أيضا يجب أن نتحمل خطيئة صمتنا عليه. فلنبدأ صفحة جديدة ونكرم مبارك كرمز، ونعيد تقييم فترته بالكامل، ونحاسب مفسديه أولئك الشخوص الذين استفادوا من وجوده.