◄◄ الأمن يتدخل فى مشاكل الطائفية والدقيق والمرور والخصخصة.. والحكومة تنتظر الأمن ليحل مشكلة الدعم ◄◄العمال والموظفون والنشطاء يتظاهرون ضد الفساد والخصخصة والتزوير.. والداخلية تدفع الثمن صباح اليوم الثلاثاء، تبدأ مسيرة دعت إليها قوى سياسية شعبية ونشطاء على الإنترنت، فى مواجهة الغلاء والفقر، والمطالبة بحياة إنسانية تليق بالمواطنين فى مصر، سوف ترفع وزارة الداخلية حالة الطوارئ القصوى، وتقف أجهزة الأمن فى المواجهة، المظاهرات موجّهة إلى الحكومة، ورئيس الوزراء، ووزراء المالية والتضامن والاقتصاد، وإلى المحافظين والحكومة، والحزب الوطنى الحاكم بفساده وفشله وعجزه واحتكاره. ويفترض أن الحكومة ترد على ذلك، لكنها فى الواقع تتجاهل الأمر. المتظاهرون اختاروا 25 يناير، وهو عيد الشرطة، وهو اليوم الذى سقط فيه شهداء الشرطة المصرية فى مواجهة قوات الاحتلال البريطانى، اختار المتظاهرون هذا اليوم ليتظاهروا ضد الحكومة والنظام، ويبدو أنهم يخصّون الداخلية التى تبدو فى المواجهة، مع أنها الوزارة التى تحمل أوزار الجميع، وفى الزحام ينسى الناس ضحايا الداخلية من ضباط وجنود يفقدون أرواحهم فى مواجهة تجار مخدرات أو بلطجية ومسجلين خطر. يتم تصدير وزارة الداخلية وأجهزة الأمن، وكأن الحكومة الفعلية فى لاظوغلى، وهو تحميل للأمن أكثر من طاقته، المتظاهرون اختاروا الشرطة، والحكومة تبدو مستريحة لهذا الاختيار، بالرغم من أن فى ذلك خصم من جهد الداخلية فى حفظ النظام وتطبيق القانون، لصالح تأمين الحكومة من الغضب على سياساتها، وسيكون على وزير الداخلية حبيب العادلى حشد جميع الأجهزة الأمنية لرفع حالة الطوارئ القصوى لمتابعة المظاهرات. وقد رأينا كيف أصبح الأمن طرفا فى كل القضايا، خاصة التى لا علاقة لها بالأمن، فالاحتجاجات العمالية الموجهة إلى إدارات الشركات، أو إلى الوزراء تجد نفسها فى مواجهة الأمن، وحتى احتجاجات الموظفين فى الوزارات والإدارات تحتاج فى كثير من الأحيان إلى الأمن ليحلها بشكل يتجاوز المواجهة إلى التفاوض، وآخر مثال على ذلك مظاهرات موظفى الأبنية التعليمية فى مواجهة وزارة التعليم، والتى استمرت يومين، وبدأ الحل عندما التقى بهم اللواء إسماعيل الشاعر، مدير أمن القاهرة، ودخل معهم فى حوار، والأمر نفسه مع مظاهرات الأقباط فى أعقاب تفجيرات الإسكندرية، حيث اضطر «الشاعر» للنزول وإلقاء خطاب على المتظاهرين. وكانت المواجهة بين الأمن والأقباط نموذجا لملف انتقل مع الوقت، وبسبب الفشل الحكومى فى إدارته، إلى أيدى وزارة الداخلية، ورأينا كيف تتحول كل أزمة بين المسيحيين والمسلمين إلى قضية أمنية، بالرغم من أنها فى الأساس تقع ضمن اختصاص وزارة أو إدارة أخرى، ومنها قضية بناء الكنائس، وآخرها أزمة كنيسة العمرانية التى تحولت إلى مواجهة بين الأمن والمسيحيين، بالرغم من أنها تقع فى دائرة اختصاص حى العمرانية ووزارة الحكم المحلى، وبسبب فشل المحافظة فى إنهائها تحولت إلى التهاب وانفجار سقط فيه قتلى وجرحى، وأصبح الأمن فى المواجهة. والداخلية هى فى الواقع أحد أطراف الأزمة، وليست سببها أو منشئتها، وشهدت السنوات الأخيرة انتقالا للكثير من الملفات إلى الداخلية، بالرغم من أنها فى الأساس لدى وزارات أو مؤسسات أخرى انسحبت، وأصبح الأقباط يلجأون للكنيسة فى كل كبيرة وصغيرة، وإذا كان كثيرون حمّلوا الداخلية مثلا مسؤولية تفجير «القديسين»، وطالبوا بإقالة العادلى، لما قالوا إنه تقصير أمنى، وتجاهلوا مسؤوليات المؤسسات والوزارات التى كان غيابها المسؤول عن نشر التعصب والتحريض. وانتقل ملف الطائفية إلى الأمن، مثلما جرى فى أزمة دير أبوفانا، بالرغم من أنه خلاف على أراض بين الدير وبعض المواطنين، كاد يتحول إلى حرب، وتم إدخال الأمن كطرف فى التفاوض والتقارب وإنهاء الأزمة عرفيا وليس نهائيا، مثلما كان اختفاء فتاتين مسيحيتين من المنصورة بعد زواجهما من شابين مسلمين مبررا لاتهام الداخلية. ومثل الملف الطائفى فإن الملف الاقتصادى والاجتماعى ينقل خطأ إلى الداخلية، التى لا نعرف هل هى التى اختارت ذلك أم أن المشاكل هى التى اختارتها، فأزمة المرور -على سبيل المثال- تُحمّل كاملة إلى الداخلية، بالرغم من أنها تقع فى نطاق عمل وزارات أخرى، فالداخلية ليست هى التى تسمح باستيراد السيارات، ولا هى المسؤولة عن سوء أحوال الطرق، كما أن المحليات مسؤولة عن هذا، وأيضا عن غياب الجراجات، وتحويلها إلى محلات، وهو الأمر الذى يسبب تكدس السيارات فى الشوارع، لكن يبقى لدى الداخلية، بعد إخلاء القضية من المسؤوليات الأخرى، تنظيم المرور والشوارع والمخالفات، وفساد بعض رجال المرور. الداخلية تبدو متهما فى السياسة، لكنها تبدو متهما بالإهمال لو تضاعفت المخدرات، أو انفلت الأمن الجنائى وسادت البلطجة، والسرقة بالإكراه، وهى أمور تضاعفت وزادت فى السنوات الأخيرة، وترجع فى جزء منها إلى تشتيت تركيز الأمن فى قضايا ليست من اختصاصه. فلو كانت وزارة المالية ووزير المالية نجحوا فى حل أزمة موظفى الضرائب العقارية ما اضطر الأمن ليقف فى مواجهة الموظفين، وهى وقفة كانت بعيدة عن الصدام، لكن الداخلية عليها مسح آثار فشل وزارة المالية، أو فشل الحكومة فى حل أزمة المقطورات، أو الفشل فى إدارة ملف الخصخصة، حيث دفع عمال طنطا للكتان والمعدات التليفونية وعمر أفندى ثمن فساد صفقات الخصخصة، فخرج العمال إلى الشارع، وكان على الداخلية أن تطفئ هذا الغضب أو تواجهه. وحتى فى الانتخابات الأخيرة لمجلس الشعب كان التزوير من مهمة الحزب الوطنى والحكومة أحيانا، لكن الداخلية اتُهمت بالتلاعب، رغم أن التقفيل والتلاعب كانا من مهام وزارات وقيادات بالحزب الوطنى. وإذا كانت هناك مقارنة بين تونس ومصر، فإن الفساد والفشل التام للتجمع الدستورى الحاكم فى تونس، وتحالف فساد الثروة مع فساد السلطة، كانا سببا فى إثارة الغضب والثورة فى تونس، ولهذا عندما أراد الرئيس السابق زين العابدين بن على امتصاص الغضب أقال وزير الداخلية، وهو ما اكتشف التونسيون أنه خدعة، لأن الفساد كان نابعا من داخل السلطة، ولهذا بعد الإطاحة بالرئيس عاد وزير الداخلية ليحتل مكانه، بل إن التونسيين افتقدوا الأمن فى مواجهة عصابات الحزب الحاكم التى كانت تسرق وتنهب وتحرق عقب الإطاحة بزين العابدين بن على. وفى مصر هناك تداخل واضح منذ سنوات بين الثروة والسلطة، يبدو فى احتكار قيادات الحزب أو بعضهم الأنشطة الاقتصادية، ومنهم أحمد عز الذى يحتل رئاسة لجنة الخطة والموازنة فى البرلمان، وهناك اتهامات لعز والحزب الوطنى بالمسؤولية عن التلاعب فى نتائج الانتخابات، وتقفيل الصناديق، وانتزاع فاعلية المعارضة من البرلمان، وكلها اتهامات تطال الحزب الوطنى، وتحملتها الداخلية، وتجد نفسها مطالبة بمتابعتها، ومواجهة نتائجها، وتفوز بسخط المواطنين. الحكومة تفشل والداخلية هى التى تعتقل وتواجه، والحزب الوطنى يتلاعب، والأمن يتحمل النتيجة، وتجد الداخلية مبررا لمزيد من التمدد، وزيادة الميزانية، وتبرر فى كثير من الأحيان عمليات التعذيب، وانتهاك حقوق الإنسان، واتهامها بقتل خالد سعيد أو سيد بلال، وارتكاب الاعتقالات غير الشرعية، والعجز عن مواجهة مشكلات الأمن اليومية، ومنع الجريمة أو التقليل منها، مع اتساع دائرة السرقة بالإكراه والهجوم والبلطجة، لأسباب اجتماعية بسبب الفقر والبطالة. وزارة الداخلية متهمة دائما بأنها تركز على الأمن السياسى، وتهمل الأمن الجنائى، وهو اتهام تردد قبل أعوام حتى فى لجنة الدفاع والأمن القومى بمجلس الشعب، لسان حال الداخلية يقول إن الحكومة تصنع الحصرم ونحن نضرس، مئات الضباط فى أجهزة أمن الدولة والمباحث وآلاف المخبرين ومئات الألوف من عساكر الأمن المركزى عليهم أن يقفوا علنا أو سرا لمراقبة إضراب الثلاثاء، ستُرفع آلاف التقارير، وتُتخذ قرارات بالاعتقال الإدارى والوقائى. ومراقبة التليفونات، والتحضير لساعات صفر غير معلنة. مناورات حرب ضخمة يدور أغلبها فى الخفاء، تظهر منها قمة جبل الجليد فى عساكر الأمن المركزى بملابسهم السوداء وهراواتهم. هؤلاء الجنود يواجهون الكثير مما يواجهه المواطنون، يصرخون من فقر أدت إليه سياسات اقتصادية واجتماعية، كل هؤلاء الضباط والجنود والمخبرين فى مواجهة الزاحفين والمتظاهرين والمضربين أو «اللامبالين. قد تنجح المظاهرات أو تتعثر، لكنها ستترك خطا على طريق التغيير فى مصر، مهما كان خطا صغيرا. الناس على المقاهى وفى الشوارع، والموظفون فى المكاتب، والفلاحون فى الحقول، والطلاب على الإنترنت، وربات البيوت أمام التليفزيون مهمومون بالأسعار، ومهتمون حتى لو تشككوا فى فاعلية إجراء جماعى يشاركون فيه، أو يخافون من المشاركة. احتجاج ليس موجها للداخلية، لكن الأمن وحده يتصدى، ويحمل آثام الحزب الوطنى وقياداته، وأمين تنظيمه وأمانة سياساته، وحكومته، فى طوابير تستطيل بالكيلومترات. من هنا ولدت الدولة الأمنية، ولا تزال تتوسع. ومع كل فشل للحكومة والإدارة المحلية يتوسع دور وزارة الداخلية فى السياسة والاقتصاد، فى مراقبة الأسواق ومتابعة إنتاج الخبز، وتنظيم عمل السيارات أجرة وميكروباصات نقل الركاب، مع أنها وظيفة المحليات والأحياء والمحافظين، ودور وزارة التموين أو التضامن، وقبل ثلاثة أعوام تحولت قضية الخبز من قضية اجتماعية إلى قضية أمنية، وأعلن وزير الداخلية حبيب العادلى وقتها التصدى لظاهرة الاتجار فى الدقيق المدعم والمهربين، ودعم جهود قطاعات الشرطة فى إنتاج الخبز، لما بدا عجز حكومة نظيف، دخلت أجهزة الأمن مخابز القوات المسلحة، ووزارة الداخلية تنتج وتوزع الخبز، وعساكر الأمن المركزى يتخلّون عن هراواتهم، وتصطبغ ملابسهم السوداء بلون الدقيق الأبيض، وأهاليهم يواجهون أزمة فى الخبز، ويقفون فى الطوابير. تقارير أمنية هى التى أشارت إلى خطورة الوضع، واضطر معها الرئيس لأن يتدخل بنفسه، ويصدر تعليمات، ويهدد الحكومة أو يوبخها. رئيس الوزراء يعتبر تدخل الرئيس حسنى مبارك فى حل أزمة الخبز أو الأسعار دائما فى وقت حاسم، مع أن الحكومة هى التى يجب أن تتلقى التنبيه، وحكومة نظيف اختارت فى حالات كثيرة دور المتفرج. فى أزمات الخبز والأنابيب، أو حتى أزمة المنتحرين، تبقى الحكومة فى موضع المتفرج، بينما الصحافة والإعلام والخبراء يحذرون من خطورة التعامل بعدم اهتمام مع قضايا خطيرة اجتماعية واقتصادية، وتنشغل الحكومة والبرلمان بجدل نظرى عن الفرق بين الدعم العينى والنقدى، والقول بأن الدعم يذهب للأغنياء ولا يصل لمستحقيه دون أن تحل الحكومة الأزمة أو تقدم اقتراحا، وربما تنتظر الحكومة أن تحل أجهزة الأمن مشكلة الدعم وتلعب دور الحكومة، ووضع الأمر فى يد وزارة الداخلية التى يفترض أن دورها «للحراسة» وليس تنفيذيا، الحكومة التى تؤكد أنها إلكترونية ومعلوماتية تعجز عن تحليل أو توقع الأزمة، أو إدارتها وتتركها للداخلية. ولهذا فإن المتظاهرين الذين يخرجون اليوم ويجدون أنفسهم فى مواجهة الداخلية ورجال الأمن، يتوجهون إلى الحكومة والنظام والفشل والفساد والتواطؤ.