منذ سنتين وفى أحد معارض الكتب التى نظمت فى إمارة الشارقة وقعت عيناى على اثنين من السيناريوهات المؤلفة والمطبوعة للفنان الكاتب الساخر يوسف معاطى، وهما سيناريو فيلم "طباخ الرئيس" والذى قام بدوره الفنان طلعت زكريا، والثانى سيناريو فيلم "حسن ومرقص"، وكان على غلاف الكتاب الأول صورة تعبيرية لطباخ الرئيس واثنين من الممرضين يأخذانه إلى مستشفى العباسية، وفى الجنب الآخر من الغلاف يجلس يوسف معاطى على كرسيه وعلى وجهه ابتسامة هادئة لا أدرى هل كانت هذه الابتسامة بسبب ما حدث لطباخ الرئيس فى نهاية الفيلم أم لأنه انتهى من كتابة هذا السيناريو بهذا الشكل الممتع، وأما على غلاف الكتاب الثانى فكانت صورة الفنانين عادل إمام وعمر الشريف أو "حسن ومرقص" وأيديهما متشابكتان بسبب "كلبش" الشرطة، وهى صورة أفيش الفيلم. الفيلم الأول "طباخ الرئيس" شاهدته عدة مرات على القنوات الفضائية، أما فيلم حسن ومرقص فلم أعثر على قناة تقوم بعرضه فى هذا الوقت، وكنت قد انتهيت من قراءة السيناريو الأول والثانى، وفى يوم فوجئت بابنتى الصغيرة وهى تنادينى وفى يدها "سى دى" وعلى غلافه صورة "حسن ومرقص" اشترته من أحد بائعى "اليسديهات" الصينيين السريحة، وفرحت جداً لأننى وجدت أخيراً الفرصة لأشاهد الفيلم الذى أعجبنى قبل مشاهدته، وفرحت أكثر لأن ابنتى أهدته لى واشترته من حر مالها الذى أخذته منى فوراً، بعد أن رأتنى أحمل السيناريو وأقرأ فيه وعلى غلافه نفس الصورة التى على "السى دى"، وظنت أن هذا الفيلم أفضل هدية لى. وفى نفس الساعة لم أكذب خبراً وبسرعة جمعت الأسرة وقمت باستعارة جهاز ال"دى فى دى" الخاص بابنتى الصغيرة والتى ترى من خلاله أفلام الكارتون، ورجوتها فلم تمانع فى إعارته لى فى ظل أنها تعلم أننى حديث عهد بهذه الأجهزة الحديثة ومتوقف منذ سنوات عند جهاز الفيديو الموجود على جهاز التليفزيون بغرفتى وحوله مجموعة من أشرطة الفيديو. بدأ عرض الفيلم فكان رغم فكاهته العالية وسخريته اللاذعة فى كل اتجاه، إلا أن الدموع أبت أن تحبس فى محاجرها فى كثير من المشاهد، سواء مشاهد العلاقة الاجتماعية والأخوية بين أسرتى رجل اللاهوت بولس الذى أعطته الداخلية اسم الشيخ "حسن العطار"، ومحمود الذى نحلته الداخلية اسم "مرقص" للاختباء من المتشددين، أو مشهد الدعاء والترانيم فى شقتى كل منهما واختلاطها مع بعضها، وزادت الدموع عن حدها الفعلى بمشهد النهاية الذى كشف المعدن الأصيل لكل من محمود وبولس وأسرتيهما، فكان عنواناً لمعدن كل المصريين الذين ينتصرون للحب والتعاون بين الجميع. وقد وضع الفيلم وبيد جراح أقصد بيد فنان مشرطه أو قلمه على الجرح محدداً أماكن الداء بين عنصرى الأمة ونسيجها والأسباب المؤدية إلى وجود مثل هذه المشاكل والأزمات التى لم تكن موجودة فى السابق، إلا بفعل فاعل لا يريد خيراً لمصر ولا للمصريين، ولفت الفيلم إلى موجة التطرف المتدثرة بعباءة التدين ولا أقول بعباءة الدين لأن الدين فى حقيقته ما هو إلا معاملة قبل أن يكون صلاة أو صيام أو مظهر خارجى. وإذا كان فضيلة الدكتور على جمعة مفتى الجمهورية قد دعا فى مؤتمر صحفى إلى إقامة مشروعات تنموية مشتركة بين المسلمين والمسيحيين وتنظيم برامج تليفزيونية للشباب وبرامج ثقافية ترسخ مفاهيم التسامح والوحدة وتعمّق روح التعاون والتعايش بين أبناء مصر من مسلمين ومسيحيين، فإن الفيلم من قبل أكد على هذه النقطة بتعاون كل من الشيخ حسن ومرقص على إقامة مخبز لخدمة أهالى المنطقة التى يعيشان فيها، - ربما يرمز المخبز فى الفيلم إلى العيش والملح الذى بينهما والعيش المشترك - إلا أن البعض لم يعجبه ذلك فتم تشميعه بسبب شائعة مغرضة ثم حرقه لإنهاء المشروع المشترك، ولذا فإن مشاهد المظاهرات المشتركة بين المسلمين والمسيحيين للتنديد بكارثة القديسين يجب أن تعمق بإنشاء مثل هذه المشروعات، خاصة بين الشباب وعدم إعطاء الفرصة لأى أحد بتقويضها.