لا تخلو صحف القاهرة الصادرة ثانى وثالث وربما رابع أيام العيد من إحصاءات التحرش التى يتم تسجيلها فى محاضر الشرطة، وحسب ما جاء فى "المصرى اليوم" تم تسجيل 600 واقعة تحرش ومعاكسة فى القاهرةوالإسكندرية أول أيام العيد، منها 276 حالة فى القاهرة، اقتصرت على المعاكسات، و37 بحلوان، و110 بالجيزة، و165 محضرا بالإسكندرية. وحسب مصدر أمنى جرى احتجاز أكثر من 300 شاب فى القاهرة، لاتهامهم بارتكاب وقائع معاكسة للفتيات خلال الاحتفال بالعيد، وتركزت معظم حالات التحرش فى الجيزة وحلوان، على كورنيش النيل، وأمام دور السينما والمولات فى الشوارع الرئيسية بمنطقة وسط البلد، وفى الإسكندرية، تركزت معظم الوقائع فى شارع الكورنيش، واضطرت أجهزة الأمن إلى نشر أفراد أمن بملابس مدنية، للحد من حالات التحرش. هذا بعض من سيل من أخبار التحرش التى نشرت فى صحافة القاهرة الصادرة اليوم، وهى أخبار أصبحت حاضرة فى كل عيد، إلى جانب الاحتفالات المعتادة التى تحرص الصحف على تغطيتها بشكل شبه تقليدى، لكن دخول التحرش بالفتيات إلى قاموس احتفالاتنا بالعيد، أمر لا ينبغى المرور عليه مرور الإكرام، والاكتفاء بتسجيله فى الصحف باعتباره حدثا يتكرر كل عيد. وفى تصورى أن الموضوع أخطر من مجرد عدد المحاضر التى يتم تسجيلها فى أقسام الشرطة، وأخطر أيضا من الإجراءات التى تتخذها الشرطة للحد من هذه الظاهرة التى تتكرر بشكل كبير ومرعب منذ عدة سنوات. صحيح أن معاكسة الفتيات أمر ليس جديدا، لكنه تحول من حالات فردية إلى ظاهرة جماعية تستحق دراسة اجتماعية ونفسية معمقة، تأخذ فى الاعتبار أعمار الشباب الذين يلقى القبض عليهم، ومستوياتهم الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية، والمنطاق السكنية التى يقيمون بها، ومن ثم وضع خريطة بشرية لمن يرتكبون جريمة التحرش الجنسى أولا، ثم الخروج بنتائج حول الأسباب التى تدفع الشباب للقيام بمثل هذه التصرفات رغم علمهم بأن الشرطة تكون فى حالة استنفار فى مثل هذه المناسبات، وبالتالى فإن فرص القبض على المتحرشين تكون كبيرة. وأعتقد أنه ليس بعيدا عن ذلك جرائم خطف البنات والأطفال واغتصابهم والتى أصبحت تحدث بشكل شبه يومى، وتنشرها الصحف أيضا.. وكلها تكشف عن تغييرات كبيرة فى قيم المجتمع، لم تعد تحتمل السكوت، ولا الارتكان فقط لرصد الظواهر السلبية بشكل كمى، لأنه ما لم يتم دراسة تلك الظواهر بشكل علمى واتخاذ إجراءات لحلها، سيأتى اليوم الذى يخشى فيه الناس على أنفسهم من مجرد الخروج إلى الشوارع.