المجزرة الإرهابية التى نفذها تنظيم القاعدة فى العراق، والتهديدات التى وجهها التنظيم للمسيحيين وربطها بمن سماهن الأسيرات المسلمات فى الكنائس، بموازاة الطرود المفخخة من قاعدة اليمن، كشفت عن علاقات بين التنظيم فى العراق واليمن، ووجود عناصر مصرية بين صفوف التنظيم فى البلدين، خاصة مع عدم وجود اهتمام عراقى بما يجرى فى مصر، لولا وجود مصريين هناك. وتشير مصادر أمنية إلى العناصر المصرية داخل الجيل الثالث من تنظيم القاعدة فى العراق واليمن. وكشف مسؤول عراقى لصحيفة واشنطن بوست عن وجود هويات مصرية وجوازات سفر وأوراق وخطابات لمصريين بين أنقاض حادث كنيسة النجاة العراقية، بالإضافة إلى معلومات تشير إلى أن تنظيم القاعدة ضم عناصر مصرية، منهم مفتى القاعدة بالعراق أبوعبدالرحمن المصرى، وزعيم الجناح المسلح بالعراق أبومصطفى زيد المصرى، وزعيم التنسيق بين القاعدة والفصائل العراقية مكاوى المصرى. أما المقاتلون المصريون فى تنظيم القاعدة باليمن فهم، كما قال الدكتور على حسن الأحمدى، محافظ شبوة اليمنية، منخرطون فى نشاط القاعدة ضد الحكومة اليمنية فى محافظات أبين ومأرب وشبوة، وبعضهم يدعم الانفصاليين فى جنوب اليمن، مضيفا أن قيادات من القاعدة اليمنية، منهم فهد القصع، وناصر الوحيشى، ما زالوا على قيد الحياة، ويتنقلون فى منطقة جبل كور، وأن عناصر التنظيم تخفف من الاعتماد على سيارات الدفع الرباعى أثناء التنقل فى المناطق النائية، بين محافظتى شبوة وأبين، ولا يستقرون فى مكان محدد، للهروب من الملاحقات الأمنية. المثير للانتباه أيضا ما كشفته وسائل إعلام بريطانية وأمريكية، بينها محطة سكاى نيوز وشبكة الإذاعة البريطانية البى بى سى عن علاقة أصوليين مصريين هاربين فى لندن مثل أبوحمزة المصرى، مسؤول منظمة أنصار الشريعة بلندن، بجماعة جيش عدن أبين التى أعلنت مسؤوليتها عن تفجير الناقلة الفرنسية لومبيرج فى مياه عدن فى أكتوبر الماضى عندما وزع أبوحمزة المصرى بيانا باسم جيش عدن أبين بعد تفجير ناقلة النفط الفرنسية بثلاثة أيام، بالإضافة إلى صداقة المصرى الأصل ياسر السرى ب أبوالحسن المحضار زعيم «جيش عدن أبين» الذى أعدم فى اليمن عقب إدانته فى فى خطف 16 سائحاً غربياً قُتل أربعة منهم عندما حاولت قوات الأمن اليمنية تحريرهم نهاية عام 1998. أما المرشد الروحى للقاعدة فى اليمن أنور العولقى، فلم تكن أجهزة المخابرات العالمية تعتقد أن يمتد تأثيره إلى مختلف العواصم الأوروبية فى باريس ولندن ومدريد ومدن أخرى، بل تجنيد عناصر مصرية ونيجيرية عن طريق اليوتيوب والمنتديات الجهادية، منها «أسد الإسلام ولواء الإسلام وجيش الإسلام». وهو ما كشفته الفتاة البريطانية «روشانارا شودرى» البالغة من العمر 21 عاماً، التى تحاكم حاليا بتهمة محاولة اغتيال «ستيفين تيمز» النائب العمالى بالبرلمان البريطانى، لتأييده الحرب على العراق، والتى أكدت فى التحقيقات أنها كانت متأثرة بالفيديوهات المتشددة للإمام اليمنى أنور العولقى، على الإنترنت، وزرعت بداخلها رغبة الموت كشهيدة دفاعا عن مبادئ القاعدة وهو مادفع إدارة موقع يوتيوب إلى حذف 100 ساعة من خطب العولقى من الموقع. أنور العولقى حسب مصادر غربية هو أحد مؤسسى خلايا تنظيم القاعدة السرية المنتشرة فى العالم التى ترتبط فيما بينها بكود سرى مفاده «ادعوا لإخوانكم المجاهدين، واللهم اختم لنا بالشهادة».. وهو الكود الذى يجمع بين منتديات تنظيمى القاعدة فى بلاد الرافدين «العراق» وفى «اليمن»، فضلا عن الاتفاق فى أساليب العمليات العسكرية باستخدام مدافع الهاون والهجوم على البعثات الدبلوماسية الغربية، واستهداف المقار الحكومية فى المحافظات العراقية واليمنية. التنظيمان تشابها أيضا فى تحالفاتهما مع قوى أخرى مختلفة عقائديا مع القاعدة، لكن هناك خلافات فى إستراتيجية التنظيمين وتبعيتهما للقاعدة الأم بزعامة أسامة بن لادن. فبينما يكاد ينفصل تنظيم القاعدة فى بلاد الرافدين عن التنظيم الأم ويتحرك بشكل منفرد، خاصة فى التمويل والتسليح وأسلوب العمليات، فإن التنظيمين العراقى واليمنى يتشابهان مع التنظيم الأم فى التسجيلات الصوتية من قادة تنظيم القاعدة فى العراق، مثل أبى حمزة المهاجر وأبى أسيد العراقى، أعضاء مجلس شورى المجاهدين، إلى أتباعهم عبر منتديات عامة ومنها شبكة أنا المسلم ومنتدى «ماجدة للحوار الإسلامى». أساليب تنظيم القاعدة فى اليمن والعراق تطورت من الشكل البدائى إلى أشكال جديدة كالطرود المفخخة التى وصلت إلى رؤساء الحكومات الأوروبية. ويشيرالخبير الألمانى فى مكافحة الإرهاب ألبريشت متسيجر إلى أن الطرود المفخخة تمثل تكتيكاً جديداً يتبعه تنظيم القاعدة يستبدل العمليات الانتحارية بالطرود المفخخة، لتجنب الإجراءات الأمنية المشددة التى تصعب على القاعدة القيام بعمليات إرهابية، ولذلك يحاول التنظيم البحث عن طرق مختلفة. ويرى متسيجر أن المحاولة الأخيرة قد يكون هدفها تشتيت الانتباه عن ضربة أخرى ستحدث، أى أنه كان من المقصود أن ينكشف أمر تلك الطرود، ثم شن ضربة فى مكان آخر. وقال الخبير الألمانى: لا أعتقد أن رصيدهم من الانتحاريين بدأ فى النفاد، ولا أعتقد أن هذه هى المشكلة لديهم. الغريب فى التوجهات الأخيرة للقاعدة، خاصة فى العراق، أنها خالفت آراء وتوقعات الخبراء الأمريكيين والعراقيين الذين أكدوا أن التنظيم فى طريقه للانقراض جراء الغارات المستمرة ضده وصعوبة تجنيد المقاتلين الأجانب. قدمت القاعدة نفسها فى العراق كمدافع عن السنة، ووجهت خطابها لهم على وجه الخصوص، فى الوقت الذى وضعت فيه الشيعة كعدو لها وهدف للعنف بذريعة تعاونهم مع الاحتلال الأمريكى واستهدافهم للسنة، وكان المجتمع المسيحى بعيدا نسبيا لكنه بات الآن «هدفا مشروعا» على حد تعبير القاعدة. بعض الصحف الأمريكية ومنها «واشنطن بوست» أشارت إلى أن سبب اختيار مرتكبى الحادث لكنيسة عراقية بارزة كساحة لمعركتهم للإفراج عن السيدات المفقودات فى مصر يبقى محل غموض كبير، ولم يكن متوقعاً بالمرة وكان غير معتاد، نظراً لأن الجماعة وجهت مصادرها المتناقصة خلال العام الماضى لشل رموز الحكومة العراقية التى تهيمن عليها الأغلبية الشيعية. ولفتت الصحيفة إلى أن التقارير الإخبارية المتعلقة بما يحدث بين المسلمين والمسيحيين فى مصر لم تلتف لها وسائل الإعلام العراقية الغارقة لأذنها فى متابعة الجمود الذى أصاب محدثات تشكيل حكومة عراقية، والانفجارات التى تهز أرجاءها على وتيرة منتظمة. ورغم أن الحركة ضعفت إستراتيجيا إثر مقتل بعض قاداتها، وتقلص أعداد أفرادها والأراضى التى تستطيع المناورة فيها منذ عامى 2006 و2007 حين انقلب شيوخ العشائر السنية عليها ووحدوا صفوفهم مع الجيش الأمريكى، فإنها أثبتت قدرتها مجددا على النهوض وتوحيد صفوفها وشن هجمات أكثر خطورة بعد تجنيد رجال الصحوة المتحالفين سابقا مع الجيش الأمريكى. لكن ربما تكون مكافحة ما يطلق عليه المسؤولون العراقيون «الجيل الثالث» من القاعدة فى العراق أصعب من ذى قبل، لأن مقاتليه يستطيعون الاندماج فى المجتمع العراقى ويعرفون نقاط ضعفه، كما أنهم يهتمون بأن تترك هجماتهم أثرا قويا أكثر من اهتمامهم بتحقيق انتصارات فى ميدان المعركة. وهو مايشير إليه اللواء حسن البيضانى، رئيس هيئة أركان الجيش فى قيادة عمليات بغداد، قائلا: «أعتقد أننا نتعامل مع الجيل الثالث للقاعدة، جيل أغلبه تخرج من مركزى الاعتقال الأمريكيين «بوكا» و«كروبر» ومن مناطق مختلفة.