روى الإمام ابن الجوزى حادثة وقعت أثناء الحج فى زمانه؛ إذ بينما الحجاج يطوفون بالكعبة ويغرفون الماء من بئر زمزم، قام أعرابى فحسر عن ثوبه، ثم بال فى البئر والناس ينظرون، فما كان من الحجاج إلا أن انهالوا عليه بالضرب حتى كاد يموت، وخلّصه الحرس منهم، وجاءوا به إلى والى مكة، فقال له: قبّحك الله، لِمَ فعلت هذا؟ قال الأعرابى: حتى يعرفنى الناس، يقولون: هذا فلان الذى بال فى بئر زمزم !! لم يختلف ميزو عن ذلك الأعرابى كثيرا، فقد استطاع أن يكون حديث الشعب بأكمله فى غضون ساعات قليلة، حتى وإن كان ذكره رمزا للسخافة والحماقة.
وللأسف فإننا نشاهد فى هذه الأيام الكثير من هواة الشهرة والمتابعة الإعلامية الذين يعمدون إلى الاستفادة من مدرسة ذاك الأعرابى، والأخذ بمنهجه الحقير فى الدوس على القيم المحترمة والمبادئ المعتبرة بهدف أن يقول الناس.
هذه فعله فلان المعروف أو من هنا مر فلان المشهور. ولا يبالون بعدها بالدعاء أو الشتم، والذم والتحقير قد تهون أمام الذكر والمغالبة على حديث الناس .
ولكن الوضع قد يختلف قليلا، فقد ذاق الأعرابى أشد الضربات وأبشع الأوصاف على ما فعل فى زمزم، بينما متبعيه الآن يستضافون فى البرامج الإذاعية ويتناقشون ولهم متابعيهم ومحبيهم .وأعتقد أن سؤالا واحداً يدور فى أذهاننا جميعا الآن.
"هل مكمن الخلل فى أذواقنا أم فى قيمنا أم فى الأعرابى الذى سجل التاريخ نكبته وحملنا تبعة بولته النكدة فى مشارب الناس؟ .