يبدو أن من يطلقون على أنفسهم بالمعارضة فى لبنان قد ضاقوا ذرعا بالحيادية المصرية فى تناول الملف اللبنانى، وأرادوا أن يقحموا مصر فى سجالاتهم التى لا تفيد لبنان على المستويين الداخلى والخارجى، فبعد أيام من اتهام غير مبرر من اللواء جميل السيد المدير السابق للأمن العام اللبنانى لدبلوماسى مصرى فى بيروت بالسعى لإشعال الفتنة بين اللبنانيين، خرج علينا شخص موتور يدعى مصطفى حمدان، الذى يصف نفسه بأنه أمين الهيئة القيادية فى "المرابطون" متهما مصر بالقيام بأدوار تخريبية فى لبنان. وتأتى هذه الاتهامات ضمن خطة معروفة جيدا للمتابعين للشأن اللبنانى، خطة يتم إعدادها فى عواصم إقليمية أخرى تريد توريط القاهرة فى القلاقل التى تشهدها حاليا بيروت، بزعامة حزب الله الذى خشى أن يأتى التقارب الأمريكى السورى على حسابه، خاصة بعد ما تم تسريبه عن تبرئة دمشق من تهمة اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريرى، واتهام عناصر من حزب الله بالوقوف خلف الجريمة الدنيئة. الغريب فى هذه الاتهامات الموتورة التى تخرج من بعض ساسة لبنان ضد مصر والتى وصفها السفير حسام زكى المتحدث باسم وزارة الخارجية بالتفاهات الصادرة عن بعض المأجورين والحاقدين على المواقف المصرية والمدفوعين لمهاجمة مصر وتوجيه السب لرموزها، إنها تأتى فى الوقت الذى كثر فيه الحديث عن تراجع دور مصر فى القضايا العربية، وهو ما يطرح تساؤلا كبيرا.. هل مصر تراجعت فعلا؟.. أم أنها تعمل فى ولكن نتيجة عملها لا يراها إلا الموجودون فى مثل هذه البلاد؟..، أعتقد أن الإجابة على أى من السؤالين سيكون دليل إدانة لمصر، فإذا كانت الإجابة بأن مصر تراجعت بالفعل عن أداء دورها، فالهجوم سيزداد شراسة على الدبلوماسية المصرية، إما إذا كانت الإجابة عن السؤال الثانى بأن هناك تواجدا مصريا، سنجد من يطالبون بعدم تدخل مصر فى شئون بلادهم الداخلية. إذن مصر أصبحت بين مطرقتين كلاهما أشد وطأة من الأخرى، ولا سبيل للخروج منهما بشكل سلمى إلا بالدور الحيادى الذى لا يغفل حقوق كافة الأطراف، وفى المقابل يضمن لمصر التواجد المستمر، وهو ما تقوم به مصر حاليا، ولا يرضى عنه أحد، فمصر فى لبنان على سبيل المثال لا تنقطع عن أى من التنظيمات السياسية فى لبنان، حتى القوى الشيعية، فالعلاقة بين مصر وحزب الله لم تنقطع، نعم حدث بها فتور نتج من الكشف عن خلية حزب الله فى القاهرة التى كانت تستهدف الإضرار بمصالح مصر، لكن هذا الفتور لم يؤثر على دور مصر الحيادى، ومن لا يصدق ذلك عليه أن يتوجه بالسؤال الى السيد نبيه برى رئيس مجلس النواب اللبنانى وزعيم حركة أمل الشيعية الذى يعرف حجم الدور الذى تلعبه مصر على الساحة اللبنانية لرأب الصدع بين قواها السياسية على عكس عواصم عربية وإقليمية أخرى ليس لها من هدف سوى أن يظل لبنان ساحة توتر ليبقى كما هو كارت للتفاوض مع الغرب فى قضاياها الخارجية.