الحياة فى مصر أصبح لها شكل غريب، لدرجة أننى أشعر أنه بالرغم من تعداد السكان المتزايد إلا أن عدد المصريين الحقيقى فى تناقص.. فمثلاً مش عاجبنى صراع السيارات فائقة السرعة والحوادث المروعة والضحايا اللى أكثر من ضحايا الحروب، بالرغم من أننا كلنا نشكو من الزحام وضعف سيولة المرور.. تيجى إزاى دى؟ مش عاجبنى إننا بنمر فى أكثر من عصر إعلامى دينى.. الكل بيتكلم فى الدين، وهذا شىء رائع وعظيم لكن إزاى فى نفس الوقت نعيش أكثر حالات الفساد الإدارى والأخلاقى.. تيجى إزاى؟. مش عاجبنى إن الزى الرسمى للفتيات والسيدات هو الحجاب.. كله رأسه محجبة.. لكن الجينز على الحجاب و"البدى" غريب جداً.. الرجل ذو اللحية والجلباب القصير وفى نفس الوقت متجهم ومكشر ومش طايق حد.. رافض الكل، مش فاهم طيب هو عاجبه حاله ولا رافض حال المجتمع؟، ولا يمكن الاثنين معاً.. ما هو لو عاجبه حاله يبتسم لنا شوية، ولو رافض حال المجتمع يا سيدى ما على الرسول إلا البلاغ.. يبقى مكشر ليه؟ وغاضب وعنيف ليه؟ مش عاجبنى الوزير اللى كل حاجة تمام، وبعد ما يخرج من الوزارة نلاقى إن كل حاجة.. ربنا يحفظنا، مش عاجبنى رؤية المتسولين فى الشوارع خاصة لو شفت أحدهم بيتكلم فى الموبايل على جنب.. آه والله العظيم حصل. مش عاجبنى إننا نجتمع على فريقنا القومى فقط ونختلف على بلدنا كلها.. مش عاجبنى الشباب اللى بيلعب ماتش كورة فى الشارع مصحوب بألفاظ يعاقب عليها القانون وفى الثانية صباحاً.. ومش مهم حد ينام ولا يرتاح، وأيضاً لا يعجبنى استهزاءهم برجل مسن يطلب منهم بعض الراحة له ولأهل بيته، مش عاجبنى اتنين يقفلوا الشارع لأن واحد خدش عربية التانى ومش مهم أى حد سواء إسعاف أو مطافئ أو حتى عيلة رايحة تتفسح.. والعجيب إن الخدش مش باين من كثرة زمايله اللى مزركشين العربية كلها! وإيه المطلوب ساعتها؟، يا سيدنا إعمل محضر وخد نمرة العربية المتهمة وبلغ التأمين.. وخلاص.. واترك الناس لحالها ومصالحها. لكن عاجبنى شباب بيجمع الأوراق المستعملة.. وبيساعد المسن والمريض.. وبيعلم الأمى والجاهل.. عاجبنى شباب بيطارد المجرمين واللصوص، وبيدافع عن مصر على الحدود وداخلها.. عاجبنى طريق مصر إسكندرية الصحراوى وميدان الرماية وطريق الزعفرانة.. عاجبنى مصانع العاشر والتاكسيات الجديدة.. عاجبنى تجميل قلعة صلاح الدين وتعظيم الأقصر الرائعة.. عاجبنى العشرين مليونا من مستخدمى الإنترنت وسهولة توصيل التليفونات.. عاجبنى انتشار الغاز الطبيعى فى كل مصر.. عاجبنى الظهير الصحراوى فى الصعيد ورونق مدينة الإسماعيلية.. عاجبنى الزحام فى السوبر ماركت وقدرة الناس على الشراء.. عاجبنى البواب اللى بيعلم أولاده وهو مش عارف يقرأ.. عاجبنى السباك اللى أدى عمله بحرفية وطلب منى أجرة أجبرتنى على زيادتها.. عاجبنى ضحكة طفل فقير مركز جدا فى لعبه طيارة ورق.. ورغم إنها ورق.. سعيد. طول عمرها حلوة وفيها من ده.. ومن ده، طول عمرها بتاعتنا وهاتفضل كده شئنا أم أبينا.. لازم نعرف كده.. مصر بتاعتنا كلنا ومحتاجانا كلنا.. محتاجة بساطتنا وضحكتنا رغم همنا.. الصغير قبل الكبير، والفقير قبل الغنى، والغاضب قبل السعيد.. مصر محتاجة لوجود أقدم شعوب الأرض وأكثرهم قدرة على التكيف والاستمرار.. يا مصريين إنتم فين.. وحشتونى جداً.. وبصراحة مالهاش طعم من غيركم؟.