من الملامح الهامة فى كتابات فاروق عبد القادر، تلك الذاكرة النقدية المبدعة، كانت هذه الذاكرة تتجلى فى كتاباته عن المواقف والشخصيات والأحداث، يوثقها بدأب بالوقائع والتواريخ، ولا تفوته الملاحظات والتفاصيل الدقيقة التى تضىء جوانب منها، وتضيف عمقاً إلى القضايا التى يتناولها. كان يتسلح بهذه الذاكرة، فى رؤيته المنهجية النافذة لتعرية الزيف وطمس الحقائق، وفض التداخل بين المتناقضات، خاصة فى بعض الحالات الملتبسة، أوالذاكرة التى بدأت تتآكل. فاروق عبد القادر واحد من القليلين فى هذا الزمن الذى عاش مخلصاً لقناعاته ومبادئه، ودفع ثمن مواقفه طواعية، ولم يضع نفسه فى خدمة سلطة أو مؤسسة، ولم يقدم أى تنازلات فى تعامله مع أى منها، كى يحافظ على استقلاليته، وألا يستنفذ جهده فيما لا طائل من ورائه، فى زمن أصبح فيه الكثير من المثقفين مدربين على لعبة منتصف المسافات والتحالف بين الطرف ونقيضه لكسب كل أطراف اللعبة، لم تغره المكاسب التى أفقدت الكثيرين توازنهم، ولم تختلط عليه الأمور، فقد كان هو نفسه مؤسسة ثقافية لكثير من المبدعين من أجيال مختلفة، كان اللقاء الأسبوعى فى مقهى سوق الحميدية مساء كل أحد ملتقىً ثقافيا لأصدقائه وتلاميذه ومحبيه من أجيال مختلفة، يتحاور مع الجميع، ويصر أن يدفع هو حساب المشروبات للجميع، يزود الشباب بكتب مكتبته ويلفت نظرهم إلى كتب ما (فعل هذا معى عندا تعرفت به وأنا طالبة فى بداية عملى بالصحافة). لقد كانت الذاكرة المبدعة لفاروق عبد القادر هى مصابة ومصابنا فيه، وكتب عليه أن يفقد هذه الذاكرة الذاخرة قبل أن يرحل عنا ، ويترك فراغاً فى الحركة الثقافية فى مصر والوطن العربى لفارس حقيقى مدافعاً عن شرف الكلمة. فقد فاروق عبد القادر جزء من ذاكرته قبل الدخول فى الغيبوبة، وهو فى هذه الحالة، تم أخذ توقيعه على الانضمام لاتحاد الكتاب، كما أخذ توقيعه على التقدم لجائزة الدولة، وهو ماكان بإمكانه أن يفعله قبلها ببضعة أشهر لو أراد، والسؤال هنا: هل يحق لأحد أياً كان أخذ توقيع أحد مصاب فى ذاكرته ، وتحت أى دعوة، فأنا مثلاًً عضوة باتحاد الكتاب وأحترم رغبة من لايريد الانضمام إليه، وهل كان ذلك حقيقة بدافع التقدير له؟ لقد تم علاج فاروق عبد القادر على نفقته الخاصة عن طريق أسرته ولم يساهم اتحاد الكتاب أو وزارة الثقافة بشىء، وعندما تدهورت حالته ونقل إلى مستشفى الدمرداش لم تتحرك أى جهة إلى أن تم نقله إلى مستشفى القوات المسلحة بالمعادى، بمبادرة من الإعلامى محمود سعد، واستجابة من مستشفى المعادى. كان ذلك فى الوقت الذى تزكم فيه أنوفنا فضائح مافيا العلاج على نفقة الدولة فى مجلس الشعب، وهى نتيجة طبيعية عندما يتحول العلاج الذى هو من حق كل مواطن إلى رشوة انتخابية ليقرر نواب الوطنى من يستحق العلاج ، فيتحول إلى سبوبة. ألم يكن من حق السيد وزير الثقافة أن يدلى بدلوه فى حزبه الوطنى من يستحق العلاج من الكتاب الذين يتساقطون لعدم توافر فرص علاج كريمة لهم كحق لهم كمواطنين، أم أن تقرير العلاج على نفقة الدولة من حق نواب الوطنى لأنصارهم فقط،هذا إذا كان الأمر يعنيه حقاً. أما القول القبيح الممجوج حقاً فهو ما يردده البعض أن منح فاروق جائزة التفوق تم لمساعدته على نفقات العلاج، وكأنه لا يستحقها، وكأن جوائز الدولة قد تحولت إلى إعانة اجتماعية، ومنع الجائزة التقديرية عنه التى تمنح للمسئولين بحكم مناصبهم وموقعهم من السلطة. كما منعت عنه الجائزة التشجيعية منذ سنوات عنه عندما تقدم لها. فى الوقت الذى يفوز فيه أحد الذين اتهموا بتزوير الانتخابات بجائزة مبارك. فهذه هى القدوة التى نقدمها للشباب. والأمر المثير للاستغراب عند الإعلان عن المتقدمين للجوائز، ذكر أن الفنان خالد جلال- مع التقدير له- متقدم إلى جائزة التفوق، وأن الجائزة التقديرية كانت ستحجب، وتم ترقية خالد جلال إلى التقديرية، ومنح جائزة التفوق لفاروق. كثير من المسئولين، واللاعبين على الحبال من المثقفين والمتثاقفين سرعان ما يجرفهم النسيان بمجرد ترك مناصبهم أو رحيلهم، أما فاروق عبد القادر وأمثاله فهم النواة الصلبة التى تمنح الحركة الثقافية قوامها الحقيقى. * روائية مصرية