حدثان تزامن وقوعهما فى نفس الوقت، حادث موت الفيل تونى فى ألمانيا، وحادث قتل المواطن خالد سعيد فى مصر، الموت كان الرابط الوحيد بين الحادثين، أما كل شىء آخر فجاء مختلفاً فى القصتين ويظهر بجلاء كيفية اختلاف وتباين الرؤى فى مسألة احترام حقوق الإنسان والحيوان لدينا ولدى الأوروبيين. داهم الموت المواطن المصرى خالد سعيد فى مصر فى حدث مأساوى من جراء ضربه على أيدى رجلين من رجال الشرطة المصرية، فى نفس الوقت الذى رحل فيه الفيل تونى فى حديقة حيوان ميونيخ فى ألمانيا إثر مرض عضال ألم به. تداعيات الحدثين رصدتهما صحافة البلدين، رغم أن هذا مواطن وذاك فيل، إلا أن الربط بينهما يبدو مثيراً ويستحق الانتباه، خاصة فى مضمونه الغير ظاهر، والذى يتعلق بتسليط الضوء على ثقافة حقوق الإنسان والحيوان بين أجناس البشر وتجمعات الأمم، ففى بعضها خاصة الأوروبية منها تعدت المسألة فيها من أمر يخص حقوق البشر إلى أبعد من ذلك إلى احترام حقوق الحيوان والرفق به، بينما بقيت تلك الثقافة الحقوقية غائبة فى دول أخرى كثيرة، لاسيما دول العالم الثالث التى لم يصل فيها بعد الرقى الإنسانى إلى احترام الإنسان للإنسان، واحترام حقه وكرامته فى العيش، بل ما زال يسهل فى تلك الدول التعذيب والقتل والجور، لا لشىء إلا لغياب العقل وتدنى الأخلاق العامة، وتحول البعض إلى كائنات شريرة ظالمة. أحيلت قضية قتل المواطن المصرى خالد سعيد إلى النيابة العامة للتحقيق فى ملابسات موته ضربا وتنكيلا على أيدى رجلين من رجال الشرطة المصرية وفقا لروايات شهود العيان، وهى القضية التى رافقتها بشدة وقفة رائعة من قبل لجان حقوق الإنسان المصرية ومنظمات حقوق الإنسان العالمية والرأى العام المصرى المستنير الذى ضاق ذرعاً بمسألة ضياع حقوق الإنسان المصرى وهوان كرامته والتنكيل به على أيدى رجال الشرطة. رغم أن القضية ليست هى السابقة الأولى فى مسلسل الضرب والإهانة والقتل على أيدى رجال أمن، إلا أنها تسير على نفس منوال الحوادث السابقة، فهى قضية متجددة ومتكررة وأصبحت تشكل أمرا محيرا لا يعرف الإنسان المصرى تفسيرا مقنعا له، وهو كيف يتلذذ أو يتشفى إنسان فى تعذيب إنسان حتى الموت، وأى ثقافة هذه التى أوصلته إلى هذه المكانة المتدنية فى الأخلاق؟ ولماذا يشعر البعض أنه عندما يسمح له القانون باستجواب أو ملاحقة شخص ما أن يتولد لديه الشعور بأنه فوق البشر حتى يصل إلى القتل بالتعذيب؟ رغم متابعتى لهذا الحدث شغفاً باحترام حقوق الإنسان المصرى العزيز وكرامته، فقد جاءت عناوين الصحف المصرية منددة بقتل المواطن المصرى واهتمت بالقصة ولم تتوقف عن إجراء التحقيقات الصحفية وسؤال شهود العيان، فى ذات الوقت الذى كانت تتصدر فيه عناوين الصحافة الألمانية لاسيما مقاطعة بافاريا قصة موت الفيل "تونى" فى حديقة حيوان ميونيخ، كانت الصحافة المصرية تنشر صور جمجمة المواطن خالد سعيد التى تشوهت من جراء الضرب والركل فى وجهه، وكانت الصحافة الألمانية تنشر صور الفيل تونى وهو يتلقى العناية فى مستشفى خاص نقل إليه فى محاولة أخيرة لإنقاذ حياته، بعد أن ألم به مرض عضال، من جهة أخرى اهتمت الصحافة المصرية بنشر صور المظاهرات المنددة والمطالبة بإجراء تحقيق، واهتمت الصحف الألمانية بنشر صورة مدير حديقة حيوان ميونيخ وهو ينعى وفاة الفيل تونى والناس تبكى، حتى أن صحيفة "تى تست" المسائية جاء عنوانها الرئيسى يقول "ميونيخ تودع الفيل تونى بالدموع". الحقيقة أن ما نشرته الصحافة الألمانية حول تونى لم يكن فيه استفزاز ولا مبالغة، فهذه هى الحقيقة التى يعرفها كل من سافر إلى الدول التى تراعى حقوق الإنسان والحيوان وتهتم به، حتى إن الأمر وصل بمواطنيها إلى ما هو أبعد من مسألة حقوق الإنسان إلى حقوق الحيوان، فجمعيات الرفق بالحيوان منتشرة ومتعددة، وأصبحت لها مطالب لا تتوقف عن المطالبة بها مثل وقف استخدام حيوانات التجارب فى المعامل أو وقف صيد الحيوانات واستخدام جلودها فى الملابس. فى أمثالنا العربية يقولون إنه قلما ارتقت الأخلاق ارتقت الأمم وعلت هاماتها، وكلما ضاعت الأخلاق وذبلت، انحدرت الأمم وهانت وسقطت، وكان الشاعر العظيم أحمد شوقى محقاً عندما قال "إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا". * إعلامى مصرى مقيم فى ألمانيا