قنديل يترأس اجتماع مجلس إدارة نادي جامعة حلوان لمناقشة خطط التطوير    ثورة 30 يونيو.. ذكرى إنقاذ مصر من الإرهاب والدم إلى التعمير والبناء    السيسي يصدر قرارا جمهوريا جديدا اليوم.. تعرف عليه    نشرة التوظيف.. 3162 فرصة عمل جديدة فى 45 شركة خاصة ب12 مُحافظة    انخفاض سعر الدولار اليوم الخميس 27 يونيو 2024    أسعار اللحوم الحمراء اليوم الخميس 27 يونيو 2024    التضامن تشارك بمؤتمر دولي حول اقتصاد الرعاية والمقام بالمغرب    كيفية الحفاظ على سلامة الأجهزة الكهربائية بالتزامن مع أزمة تخفيف الأحمال    إسرائيل تكشف حجم المساعدات الأمريكية منذ بداية العدوان على غزة.. أغلبها في مايو    موسى أبو مرزوق: لن نقبل بقوات إسرائيلية في غزة    بولندا تهنئ مارك روته على تعيينه في منصب السكرتير العام الجديد للناتو    محلل عسكري: كيف سترد روسيا على الهجوم الأوكراني بصواريخ أتاكمز الأمريكية؟    بعد صراع مع المرض.. وفاة طارق الوحش أسطورة الإسماعيلي الأسبق    الدوري المصري، زد في مواجهة صعبة أمام طلائع الجيش    مصرع شخص وإصابة 3 آخرين في حريق محل بأسيوط    انتظام طلاب الثانوية الأزهرية بكفر الشيخ في أداء امتحان الأدب والنصوص والمطالعة    مصرع طفل وإصابة 2 آخرين في انهيار حائط بأسيوط    تعليم مطروح: بدء إجراءات التقديم لمدرسة العلمين للتكنولوجيا التطبيقية    في ذكرى ميلاده .. محطات فنية في حياة صلاح قابيل    "ترانيم الزمن العتيق" في مركز كرمة بن هانئ الثقافي    الصحة تحذركم: التدخين الإلكترونى يزيد من خطر الإصابة بالنوبات القلبية    الصحة: زيادة دعم المستلزمات الطبية الضرورية وأدوية الطوارئ والعمليات والأمراض المزمنة    محطات فنية في حياة الشاعر الغنائي مأمون الشناوي بذكرى وفاته (فيديو)    قرارات عاجلة حول مصرع مريض نفسي سقط من شرفة عيادة طبيبه بالجيزة    ننشر شروط وموعد التقديم بالمدرسة الفنية للتمريض في المنيا    هل اقتربت إيرادات فيلم ولاد رزق 3 من 180 مليون جنيه؟.. شباك التذاكر يجيب    القناة ال 12 الإسرائيلية: الجيش بدأ تحريك قوات للشمال استعدادا لحرب محتملة مع حزب الله    قبل قرار المجلس النهائي.. موعد مباراة الزمالك وسيراميكا في الدوري المصري    القسام تبث لقطات من استهدافها لميركافا إسرائيلية    هل يجوز الاستدانة من أجل الترف؟ أمين الفتوى يجيب    ليه التزم بنظام غذائي صحي؟.. فوائد ممارسة العادات الصحية    غارة إسرائيلية تستهدف مبنى شمال مدينة النبطية في عمق الجنوب اللبناني    أسعار البنزين اليوم مع اقتراب موعد اجتماع لجنة التسعير    دعاء الاستيقاظ من النوم فجأة.. كنز نبوي منقول عن الرسول احرص عليه    تسجيل 48 إصابة بحمى النيل في دولة الاحتلال الإسرائيلي خلال 12 ساعة    جيهان خليل تعلن عن موعد عرض مسلسل "حرب نفسية"    إصابة محمد شبانة بوعكة صحية حادة على الهواء    الصين تسيطر على أسواق السيارات الكهربائية    17 شرطا للحصول على شقق الإسكان التعاوني الجديدة في السويس.. اعرفها    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم.. «المحسوسة» تصل إلى 45 مئوية    حظك اليوم| برج الأسد 27 يونيو.. «جاذبيتك تتألق بشكل مشرق»    حظك اليوم| برج الجدي الخميس27 يونيو.. «وقت مناسب للمشاريع الطويلة»    مجموعة من الطُرق يمكن استخدامها ل خفض حرارة جسم المريض    هل يوجد شبهة ربا فى شراء شقق الإسكان الاجتماعي؟ أمين الفتوى يجيب    منير فخري: البرادعي طالب بالإفراج عن الكتاتني مقابل تخفيض عدد المتظاهرين    "الوطنية للإعلام" تعلن ترشيد استهلاك الكهرباء في كافة منشآتها    شل حركة المطارات.. كوريا الشمالية تمطر جارتها الجنوبية ب«القمامة»    هيئة الدواء المصرية تستقبل وفد الشعبة العامة للأدوية باتحاد الغرف التجارية    «نجار» يبتز سيدة «خليجية» بصور خارجة والأمن يضبطه (تفاصيل كاملة)    ميدو: الزمالك «بعبع» ويعرف يكسب ب«نص رجل»    الكنائس تخفف الأعباء على الأهالى وتفتح قاعاتها لطلاب الثانوية العامة للمذاكرة    مدير مكتبة الإسكندرية: استقبلنا 1500 طالب بالثانوية العامة للمذاكرة بالمجان    الحكومة تحذر من عودة العشوائية لجزيرة الوراق: التصدى بحسم    "ما علاقة هنيدي وعز؟"..تركي آل الشيخ يعلق على ظهور كريم عبدالعزيز مع عمالقة الملاكمة    شحاتة بعد تفعيل الزمالك بند الشراء: شكرا لمن ساهم في انتقالي لنادينا العظيم    ميدو: الزمالك بُعبع.. «يعرف يكسب بنص رجل»    حكم استرداد تكاليف الخطوبة عند فسخها.. أمين الفتوى يوضح بالفيديو    هل يجوز الرجوع بعد الطلاق الثالث دون محلل؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حضرة صاحب الفخامة الديناصور
نشر في اليوم السابع يوم 21 - 06 - 2010

عندما أبدع الكاتب البرتغالى خوزيه كاردوسو بيريس روايته الرائعة حضرة صاحب الفخامة الديناصور، والتى كتبها فى العام 1971 فى منفاه بلندن، كان يريد أن يقول إن الديناصورات التى انقرضت من الطبيعة بقيت فى الحياة، وإن الكائنات التى كانت تلتهم كل شىء يقع فى حوزتها، لم يكن لها أن تبقى وإلا كانت الأرض نفسها فى مهب ريح "الدنصرة" التى لا تبقى ولا تذر.
والرواية تحفة روائية بفكاهتها وخيالها وعذوبتها ولغتها الشعرية، وهى رواية عن دكتاتور التهم حاضر مملكته، ولم يوفر ماضيها، وأصبح هو عنوان حاضرها المقيم، تسمى كل شىء فى المملكة باسم الديناصور: شارع الديناصور، وكازينو الديناصور، ومصرف الديناصور، وعملات الديناصور الذهبية، ومطار الديناصور، وأكاديمية الديناصور، ونادى الديناصور لكرة القدم، وقصر الديناصور، واستراحة الديناصور، وشرم الديناصور.
كل ما كان قبل الديناصور فراغ، التاريخ يبدأ به وينتهى عنده، ولا شىء يصير فى المملكة بدون الديناصور، ولا أحد يعمل إلا بتوجيهات الديناصور، وكل الأنشطة العلنية منها والمخفية تجرى تحت رعاية الديناصور، متأنى فى جميع قراراته، وتاريخى فى جميع خطاباته كما تقول قصيدة جمال بخيت الرائعة فى وصف حال سوهارتو الديناصور الذى لم ينقرض.
وفى رواية خوزيه كاردوسو بيريس يبلغ الجنون بالديكتاتور الديناصور حد توجيه خطبه المسجلة إلى الكواكب الأخرى، من أجل إيصال الدنصرة إلى الكون كله، فلم يعد يكفيه التهام مملكته وحدها، التى لم تشبع شهوة الالتهام التى تتلبسه، وينتهى الحال بالدكتاتور المخبول ملتصقاً بكرسيه جثة بين الحياة والموت، تزكم رائحتها المملكة كلها.
الرواية التى تفضح ظاهرة الدنصرة تذكرك برواية خريف البطريرك لجارسيا ماركيز، وهى ليست منقطعة الصلة برواية السيد الرئيس لأستورياس، ولا حتى برواية 1984 لجورج أورويل، وستجد ظلها فى روايتى عبد الرحمن منيف شرق المتوسط والآن، هنا أو شرق المتوسط ثانية وفى رواية القصر لفرانز كافكا.
تكرست الدنصرة فى السياسة فانعكست فى الأدب، وهى فى الواقع المعاش أكثر ألماً وأشد وبالاً، وأنت تقرأ واحدة من هذه الأعمال لن تشعر فى لحظة أنك غادرت المنطقة، ولا تحركت قيد أنملة من بلدك، ستختلف الأسماء، ويبقى الفعل واحداً، وتبقى الظاهرة نفسها، بنفس خطوطها العريضة، وبنفس تفصيلاتها حتى تكاد تتطابق الوقائع والرموز.
انظر حولك، تجد الدنصرة تلتهمنا جميعاً، وتجدها المحل المختار لكل أنظمة الحكم التى ما إن تتخذ مقاعدها فوق رؤوس العباد فى أى مملكة أو فى أى جمهورية، أو فى أى جمهولكية، فتستريح بلا أى أمل فى المغادرة.
الديناصورات انقرضت ولكن بقيت الدنصرة، فالدنصرة ليست فعلا ماضيا، لم يعد له وجود مع انقراض الديناصورات التاريخية، ولكنها فعل الحاضر الذى يعيش فينا ويعيث فساداً وإفساداً فى كثير من بلاد العالم المتخلف.
الدنصرة فى الأدب كما فى السياسة، هى أن يلتهم فرد كل الاختصاصات التى تجعل منه صاحب الفخامة الديناصور المبجل، صاحب الأمر والنهى فى كل أمر من أمور المملكة، وبحكم الاختصاصات التى ينص عليها دستور الدنصرة يستطيع أن يلتهم كل ما حوله.
الدنصرة هى التى تفسر لنا ظاهرة أن يكون فرد فى حجم بلد، وأن يكون البلد فى حجم فرد، وتكون المملكة هى جورج الخامس، ويكون جورج الخامس هو البلد كلها.
الدنصرة هى التى تدلنا على السبب الذى يجعل صاحب الفخامة الديناصور يفكر دون أن يجد فى ذلك غضاضة فى أن ينقل ملكية البلد لابنه الديناصور المتلمظ لالتهام ما بقى خارج نطاق التهام أبيه.
لا شىء غير الدنصرة يشرح لنا كيف يلتهم الديناصور حزباً ليلتهم به كل الأحزاب، ويشكل به حكومة يلتهم بها الدولة ليتسنى له أن يلتهم بها الشعب نفسه.
وليس لك أن تتعجب حين تسمع وتشاهد بأم عينيك صاحب الفخامة الديناصور يلتهم باسم الشعب تمثيل الشعب، وبالبلطجية الرسميين منهم قبل المسجلين خطراً يفرض على الجميع النسبة التى يريد الحصول عليها ليمارس مستريحا شئون الدنصرة، وهو لا يلتهم أصوات الناخبين الأحياء قبل الأموات فقط، ولكنه على استعداد لالتهام الناخبين أنفسهم إذا أبدوا رغبة فى رفض حيتان صاحب الفخامة الديناصور الكبير.
الدنصرة لا تتوقف عند حد، يزيدها الالتهام شهوة فى الالتهام، وتغريها السهولة التى تمارس بها التهامها لكل ما تقع عليه بالرغبة فى استمرار الأمر لها، واستقرارها عليه، شعارها المزمن هو: الاستمرار والاستقرار.
وفى بلد يحكم فيه صاحب الفخامة الديناصور لا يوجد قانون غير قانون الدنصرة، التى تقتل القتيل وتمشى فى جنازته، وتلتهم عظامه قبل لحمه، وشرطة صاحب الفخامة الديناصور فى خدمة الدنصرة، والسوط والزنزانة والسيف والسنجة لمن يتخيل الكرسى فارغاً من جثة صاحب الفخامة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.