باتت روسيا واحدا من اللاعبين الأساسيين فى رسم ملامح السياسة الدولية على الصعيد العالمى بوجه عام، وفى منطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص، فلم يعد الدب الروسى يكتفى بدور المشاهد لما يدور على الساحة الدولية بعدما غاب لعقود طويلة بفعل سياسة البروسترويكا التى انتهجها جورباتشوف، والتى أدت إلى تفكك الاتحاد السوفيتى إلى دويلات صغيرة ومتناحرة. ولم تعد روسيا العنصر التابع للسياسة الأمريكية أو الإملاءات الأوروبية، فقد أثبتت للعالم أن هناك تغييرا حدث على مدار العقد الأخير، فالاستراتيجية الروسية التى انتهجها الرئيس بوتين منذ قدومه على رأس الهرم السياسى فى روسيا تقوم على استعادة أمجاد الإمبراطورية الروسية، لقد ناضل بوتين طوال الفترة السابقة لإبراز دور روسيا على الصعيد العالمى من خلال إعادة ضبط السياسة الروسية الأمريكية من ناحية والروسية الأوروبية من ناحية أخرى، فقد كانت العلاقة وبالأخص فيما يتعلق بالأمن الأوروبى فى تدهور مستمر، وفى سبيل الحفاظ وصيانة المصالح الروسية يسلك الرئيس بوتين سياسة ثلاثية الأبعاد. يتمثل البعد الأول فى محاولة إقامة اتحاد سوفيتى جديد، تحت مسمى "الاتحاد الأوراسى" من خلال إقامة نوع من التكامل الإقليمى فى منطقة أوراسيا بقيادة روسيا الاتحادية فى مواجهة الاتحاد الأوروبى، وهى نفس الاستراتيجية التى انتهجها الغرب ضد الاتحاد السوفيتى خلال مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وطوال فترة الحرب الباردة. البعد الثانى هو مواجهة المساعى الأوروبية لتطويق واحتواء روسيا، وذلك عن طريق اللجوء للتدخل العسكرى الصريح فى بعض الدول التى يحاول الغرب استقطابها وضمها للتحالف الغربى بصورة تساهم فى الإخلال بالتوازن بين روسيا والغرب، وهو ما حدث حتى الآن فى جورجيا وأوكرانيا. البعد الثالث وهو التوازن ضد الغرب وأمريكا خارج منطقة أوراسيا مثل الشرق الأوسط ووسط آسيا والشرق الأقصى، فى محاولة لزعزعة السيطرة الغربية على النظام الدولى وتخفيف قبضتها وتحكمها فى إدارة الشئون الدولية، أى تحويل النظام الدولى إلى نظام متعدد الأقطاب والمراكز، وتمثل المشكلة السورية مسرحا لإقرار ذلك النظام الجديد لترسيم حدود النفوذ بين روسيا وحلفائها من ناحية، وأوروبا وأمريكا من ناحية أخرى. والجدير بالذكر أن نجاح روسيا فى إدارة الأزمة الأوكرانية دفعت روسيا أكثر نحو التمسك بمواقفها ومواقعها، لقد قدمت روسيا نموذجا فريدا فى الإدارة الاستراتيجية والتكتيكية العسكرية فى مواجهة المشكلة الأوكرانية، فقد كان سريعا ومنظما ولم يتمكن الغرب من سرعة الرد، فالسرعة فى التكتيك الروسى قابله ضعف فى الاستراتيجية الأوروبية بل والأمريكية أيضا. لقد روجت روسيا أن الربيع العربى بات يحمل مردودا سيئا لدى المواطن فى الشارع العربى، خصوصا المواطن الذى لا يهمه سوى تحصيل قوت يومه، بالرغم مما عاناه من ظلم وتسفية خلال عقود طويلة على أيدى الأنظمة الحاكمة فى معظم الدول العربية، ومن ثم تتمسك بالرئيس السورى باعتباره انعكاسا لرؤيتها فى حل المشكلة السورية، وكثير من القضايا والمشاكل التى تحيط بمنطقة الشرق الأوسط باعتبارها المنطقة الأكثر أهمية فى رسم السياسة الجديدة لروسيا من خلال سياسة الوفاق والاتفاق لإقناع الآخرين طوعا أو كرها فى تبنى وجهة نظرها، وعلى الجميع أن يحدد موقفه وفق مصالحه، وهذا ما نجحت فيه روسيا بإقناع أمريكا وأوروبا وكثير من الرفاق العرب حتى يكونوا شركاء فى المغانم والتأنق بالكرافتة الروسية رمادية اللون.