من أين أكتب وإلى أين أنتهى؟، فقلبى يكاد يتمزق من فرط الحسرة والألم عليك يا أمى "مصر". تعودت فى كل مجلس مع الأصحاب والأصدقاء وحتى زملاء العمل أن أدافع عنك باستماتة وأقول مصر للمصريين ، مصر هى أمى ، مصر هى بلد الأمن والأمان، الكل كانوا يسخرون قائلين "هو لسه فى ناس كده، أمان وأمن إيه بس ده المتغطى بيها عريان" . كنت أستغرب عدم انتمائهم المبالغ فيه من وجهة نظرى فكنت مستعدة أن أعيش فيها لآخر نفس يدب فى جسدى. كنت مستعدة أن أناضل وأدافع عنها برغم فسادها، ومحسوبيتها، برغم وسايطها وكوستها، برغم جهلها وتعصبها. لكن كنت أجد شىء ما يجذبنى إليها، ربما هو انتمائى، ربما لأنى لم أعرف بلدا سواها وربما لأنها حقا هى أمى. ولكن مبادئى ومعتقداتى لم تجد مكانا فى واقعها المرير، لماذا كل هذا الحقد والكره والتعصب من أبنائك؟ أليسوا هم أتوا من رحم واحد؟ أليسوا ينتمون لثقافة واحدة، أليس أجدادنا هم أخناتون ونفرتارى؟ أيعقل أننا فى عام 2010 وكلما أتت سيرة أو خبر يخص أى من الديانتين، تنهال التعليقات بالسب والقذف على المعتقد الآخر؟ لما كل هذا التعصب؟ يا أخى لك دينك ولى دينى كما أن الدين لله والوطن للجميع. هل لابد لى أن أكون من نفس ديانتك حتى تحترمنى وتقدرنى؟ وأن لم أكن إذا يحل لك دمى، سمعتى ومعتقدى؟ لم يصل بنا الأمر إلى هذا الحد فقط بل أصبح أى موضوع ليس له أدنى علاقة من قريب أو من بعيد عن الدين، يتحول تلقائيا (سبحان الله) إلى معركة دينية، الكل فيها يتصارع على من هو صاحب الدين الحق، ما هو الكتاب أفضل الكتب، ومن هو النبى أبو الأنبياء وأعظمهم؟ من أين أتى كل هذا البغض، الجهل والتعصب، يا أخى دينك ومعتقدك ليس بحاجة لمن يدافع عنه، ليس بحاجة لمن يأتى وينتشله من الشائعات المغرضة التى تحوم حوله. الله وحده قادر على ذلك، ليس معنى كلامى ألا تكون غيورا على دينك، بالعكس فدينك هو بيتك هو أسرتك وهو هويتك ولكن هناك فرقا كبيرا جدا بين أن تكون غيور على دينك وأن تكون متعصبا لدينك، من الممكن جدا أن ترد على الجهلاء المسيئين بطريقة فيها قدر كبير من الحكمة والنضج والتسامح حتى تعكس الصورة الحقيقية لدينك. نحن شعب طيب ولكن للأسف نسمح لكل من هب ودب أن يملأ عقولنا بكل ما هو مثير للمشاعر وللشغب، فما أكثرها المواقع الإلكترونية التى تبث أخبارا ليس لنا أى علاقة بها مثل "مسيحى يغير ملته ليتزوج أثنان فى نفس الوقت"، "مسلمة تتنصر"، "مسيحى قاصر يشهر إسلامه من أجل فتاة يحبها"، "د/ زيدان يقول: لابد أن يصنع الأقباط تمثال لعمرو بن العاص". ما بالنا بكل هذا، هل حللنا كل مشاكلنا من اقتصاد، تعليم، صحة، ديمقراطية، فساد، رغيف العيش، حتى نهتم بهذه الأخبار التافهة؟ هل رجل مثقف وعلامه مثل الدكتور زيدان ليس له شغل شاغل غير تاريخ الأقباط ومغالطات هذا التاريخ، كل همه أن ينتشل الأقباط من بعض المعتقدات المضللة؟ يا دكتور يا مبجل نحن لا نريد بطل قومى يحرر أفكارنا الدينية القاهرة نحن نريد تغيير فكرى وعقلى وليس تغيير دينى. الأديان السماوية الثلاثة موجودة من آلاف السنين ليست بحاجة لمن يكشف عنها غمتها، دع هذا الأمر لله هو وحده قادر أن يهدى من يشاء وينعم على من يريد. فالدين هو علاقة بين الإنسان وإلهه مهما كان هذا الإله، من نحن حتى نشرع أنفسنا قضاة وحكام للحكم على أى كائن فى علاقته مع ربه. دينى ومعتقدى هى جلستى الودية مع إلهى فى مخدعى وخارج هذا المخدع هو سلوكى مع المحيطيين بى الذى يعكس ما يعلمه لى دينى من محبة وإخاء وتسامح. كفانا تعصب من أجل التعصب، كفانا حروب دينية متطرفة فالدين الأسلامى يقول" لكم دينكم ولى دينى" والدين المسيحى يقول "أعطوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله". رحم الله وطنا متسامحا، محبا وقابلا للآخر مهما كان هذا الآخر، فكيف تطلب أن يقبلك الآخر وأنت بدورك لا تقبله؟