لم يكن صاحبنا يتصور أنه سيمر بهذه المسألة أبدا، فالوقت قد فات فى تقدير الناس، والعمر قد تقدم بحسب تقدير شهادة الميلاد ، والمسار الوظيفى قد قارب على الانتهاء فى تقدير الحكومة، أى أن صاحبنا يجتاز بوابة خط السير إلى العصر الجليدى، عصر التقاعد، ولكن بحيوية مبهرة تذيب أعتى الأجلدة.. ومع ذلك فالشأن بشرى بكل ضعفه الأكيد، وقوته الكامنة أيضا، والاسترخاء السرمدى هو بالانتظار شاء صاحبنا أم أبى، مهما كانت حيويته وفعاليته، وقدرته على العطاء، تلك القدرة التى لا يمكن لأى فرمان أو أمر أن يحيل بينها وصاحبها سوى الأمر الإلهى، ذلك الذى يحكم كل شىء، ولكن الناس ليست على بينة كافية بذلك أحيانا، فتصورهم الأكيد أنهم من يفعل ، ولكن الحقيقة تغاير ذلك وجوبيا وفعليا ! صاحبنا لم يكن يتصور أبدا أبدا بأنه سيجتاز هذه التجربة ، على أساس من قناعة الرضا بالحال ، ذلك الرضا الافتراضى، فليس لصاحبنا سقف للتطلعات، ولا حدود للطموح، ولكن بلا جشع أو طمع.. أما عن الرغبة فى الإنجاز، فالإرادة حديدية ، وسلسة أيضا ولأقصى مدى ممكن فى ظل قناعة ذات نتائج من زواج، وحب وعشرة زوجية أفضت إلى الإنجاب، لأبناء تطاول قامتهم السحاب، وترتفع رؤوسهم فوق النجوم بل ولأحفاد مقبلين يجعلون الجراح تطيب بمجرد النظر إليهم أن شاء الله! إذن ما المسألة، فلا بأس إطلاقا مما قيل وتم سرده؟ . إن المسألة تكمن فى تدفق المشاعر فجأة وعلى غير انتظار، وبصورة حميمة ودون أى مبرر منطقى أوعقلانى، تجاه شخص ما ، فلا يوجد هنا ترقب ولا انتظار، ولا فورة عاطفية من فوران الشباب ، ولا حتى نزوة ، فالمشاعر قد ارتقت، والجدية هى السمة على صاحبنا ! ولكن من هى تلك التى يمكنها أن تتحدى الزمن وتقتحم المجال الشخصى لصاحبنا دون تروى وفى عجالة هكذا؟ المسألة تبدأ بأن، يغادر صاحبنا مقر عمله ، إلى مقر آخر ، وبصورة مؤقتة ولبعض الوقت ، ثم فجأة وعلى غير انتظار يلمح صاحبنا كائنا إنسانيا ، فى غاية الرقة ينساب أمامه ، إلى آخر الممر، كائن قد تمكنت منه رشاقة ملحوظة، كائن يسير الهوينى ، فالطول لابأس به ، والملامح صميمة لنبت من هذا البلد، من مصر، إذن فالشعر أسود اللون، فقط تعبيرا ملمحيا سريعا لخصلة تجاوزت حدود الإيشارب، بعذوبة أسرة، والملابس بسيطة أنيقة لا تخرج عن كونها بلوزة وجيب طويل، ألوانها إلى درجات البنى ومسحوق الشوكولا، أما عن الرقى فمنتهاه، وعن سعادة المحيا فإلى أقصى الحدود وهناك إلى الكعبين حذاء أو(بوت) يعلوا بصاحبته إلى السحاب! فإذا كان الوجه، هو مجمع الجمال، فحدث ولكن برفق، فهل هناك أبدع من ذلك ، وعن العيون ، فإذا كانت السيوف قواطع ، إذا جردت من غمدها ، فإن هذا السيف قاطع فى غمده ، سبحان الله ، لك ما أردت يا الله . أتحدى أن تطيل النظر، لا....لا... لن تستطيع ، وهذا يقودنا مباشرة إلى حقيقة خارقة ، فبرغم كون البشرية من صلصال من تراب ، إلا أن المسائل هكذا ترقى بالمادية القحة إلى الروحية الصرفة ، إن الروح التى تحتويها أجسامنا . أراها تحتوينا أيضا ، فتجعل لنا سرا لايباح به إلا فى منعطف كهذا. وأنت أيها الإنسان أن لك لشأن خاص فريد، فإذا كانت لإحداهن كل هذا السحر والتأثير غير العادى، ففى المقابل، وبالمثل فقد يكون لصاحبنا ، نفس التأثير ، مثلا بمثل ، وإلا فما هو تفسير شأن كهذا؟ ...... هل من تفسير؟؟ ولقد تنبهت صاحبتنا _ بعد فترة_ إلى من يرنوا إليها قسرا عنه ، فالمكابح العاطفية لم تكن لتعمل، والخبرة الماثلة هنا تجتاز الطاقة البشرية بمراحل، ولايمكن صرف الأنظار من منطلق العقيدة إلا نذرا يسيرا! وماذا بعد: إن المدة المتاحة هنا ، والمسئوليات ، والمشاغل ، ومناخ العمل لم تكن لتسمح، بأكثر من هذا ، بينما كانت التجربة فارقة، وتؤكد على أن هناك شيئا ما بداخلنا يدفعنا دفعا إلى أن نجتاز موقفا كهذا ، أعنى موقفا عاطفيا، لم يترتب عليه نتائج تغير مسار الحياة ، أما عن مغزى القصة كما أحسب ، فيتمثل فى أن هناك تصورا معينا فى أعماق كل منا للحبيب يقوده مباشرة، إلى أن يقع فى الأسر العاطفى لشخص ما لانطباق صورة هذا الشخص مع الصورة الكامنة فى أعماقنا.. أما إن شئنا ما يتجاوز الواقع إلى أفاق أخرى _واقعية وخيالية لايهم _ فإن بعض الأنباء تفى بأنه كانت لنا حياة أو حيوات أخرى ، قد عشناها قبلا ، وأن الخبرات تتجدد مرة ثانية ومباشرة عند الالتقاء بمن كنا نعرف فيما مضى . هذه واحدة. أما الأخرى فإن الأرواح جنود مؤلفة من تعارف منها ائتلف ومن تناكر منها اختلف. ولقد كان هذا هو تفسيرى المتواضع الذى سقته لصاحبنا، والذى أحسب أننى صدقته قولا فما رأيكم أنتم؟