مساء الثلاثاء الثانى من فبراير 2010 نشرت قناة الجزيرة القطرية خبراً على شريطها الإخبارى مفاده القبض على ناشر رواية "الزعيم يحلق شعره" للكاتب المصرى إدريس على ومصادرة عدد من نسخ الرواية المطبوعة، ولم تمضِ ساعات قليلة حتى انتشر الخبر فى جميع وكالات الأنباء المصرية والعربية، وتم بثه ونشره على مئات المواقع الإلكترونية على شبكة الإنترنت، ولم تلبث أن خرجت صحف الأربعاء والخميس فى مصر ودول عربية كثيرة تنشر الخبر للقراء والمتابعين – ومن هذه الصحف جريدة الشروق المصرية لصاحبها المهندس إبراهيم المعلم فى عددها الصادر الخميس 4 فبراير. وتم الاتصال بالكاتب إدريس على صاحب الرواية من قِبَل كثير من الصحفيين والكُتَّاب والحقوقيين للتأكد من صحة الخبر، كما تمت اتصالات أخرى بالناشر الجميلى أحمد شحاتة، مدير مؤسسة وعد للنشر والتوزيع، فى محبسه بقسم شرطة شبرا تارة، وفى مقر النيابة العامة تارة أخرى، ليصبح الخبر حقيقة مؤكدة وملموسة. ولم تكد تمر ثمانٍ وأربعون ساعة إلا وتم الإفراج عن الناشر بضمان محل إقامته، ورغم قرار الإفراج إلا أنه تم عرضه فى اليوم التالى على أمن الدولة التى أكدت على إخلاء سبيله. وحسناً فعل الأستاذ محمد سلماوى بالإسراع بإرسال محامى اتحاد الكتَّاب المصريين للوقوف مع الناشر بصفته عضواً فى الاتحاد، كما لم يتأخر فى إدانة المصادرة دون حكم قضائى، وهو ما فعلته منظمات مدنية وحقوقية كثيرة هنا وهناك، فضلاً عن آلاف المبدعين والكُتَّاب والمثقفين، وصدرت عدة بيانات تدين مصادرة الرواية والقبض على ناشرها، ولا تزال أصداء تلك القضية حيةً حتى الآن. ورغم كل ذلك يفاجئنا المهندس إبراهيم المعلم، رئيس اتحاد الناشرين المصريين ونائب رئيس الاتحاد الدولى للناشرين، فى تصريحاته لموقع جريدة "اليوم السابع" يوم الاثنين 8 فبراير بزعمه أن الرواية لم تصادر..! وأنه لم يتم القبض على ناشرها..!، وأن ما حدث حيلة يلجأ إليها بعض الناشرين كألاعيب منهم للترويج والدعاية لأنفسهم....؟! وربما تصيبك الدهشة والذهول من هذه التصريحات، فالرجل واثق مما يقول ويبدو أنه مُطَّلع ونافذ وله مصادره الخاصة التى لم تتوافر لاتحاد الكتاب ولا لصحيفته نفسها التى نشرت الخبر، ولا لجموع الصحفيين المصريين ونشطاء منظمات حقوق الإنسان، فهو وحده العالم والأعلم بحقائق الأمور، ويبدو بالتالى أن المحضر الذى تم تحريره بقسم شرطة شبرا التابع له الناشر كان فرية وأكذوبة، ويبدو أن محامى اتحاد الكُتَّاب كان متواطئاً مع الناشر الذى تواطأ بدوره مع رئيس اتحاد الكتاب نفسه ليختلق هذه القصة كلها لا لشىء إلا للترويج والدعاية له ولمؤسسته الفقيرة المتواضعة...! أقول ربما تصيبك الدهشة والذهول من هذه التصريحات، لكن هذه الدهشة وذلك الذهول سيتلاشيان فوراً إذا أكملتَ تصريحات سيادة رئيس اتحاد الناشرين، حيث يقول إن الناشر ليس عضواً فى الاتحاد...! ويبدو أن هذا هو بيت القصيد كما يقولون، وكأنه يعاقبه على عدم انضمامه لعضوية الاتحاد وعدم دفعه لتلك الآلاف المطلوبة من كل ناشر لضمان العضوية وضمان التصديق والتضامن معه..! ولقد كشف المهندس إبراهيم المعلم عن موقفه بصورة سافرة أكثر عندما أكد فى التصريحات نفسها على أن الأستاذ محمد سلماوى "تدخل وأعلن عن رأيه من واقع دوره الوظيفى فقط كرئيس لاتحاد كتاب مصر"، وهو ما لم يحدث، حيث أدان محمد سلماوى المصادرة من واقع كونه مثقفاً ومبدعاً، وإذا فرضنا جدلاً أنه لم يفعل كما يقول المهندس إبراهيم المعلم فالمدهش أنه هو نفسه لم يفعلها أيضا، متسائلاً أين دور المثقفين فى موضوع المصادرة؟، حسناً أين دورك أنت إذن وتصريحاتك كلها خلت تماماً من أى إدانة، بل بالعكس قمتَ باتهام الناشر بتلفيق القصة من أولها إلى آخرها...! أما ختام تصريحات المهندس إبراهيم المعلم فتكفى وحدها ليضرب الشارع الثقافى أخماساً فى أسداس، حيث يقول "إن هناك نصاً فى القانون منذ العهد الناصرى ومازال معمولاً به حتى الآن يمنع غير الأعضاء فى اتحاد الناشرين من إصدار الروايات، إلا أن اتحاد الناشرين المصريين يقف مع هؤلاء من أجل حرية الرأى والتعبير"، والسؤال الذى يفرض نفسه الآن إذا كان هناك نص فَعَلى مَن تقع مسئولية عدم تفعيله وتطبيقه؟، والسؤال الآخر هل بهذه التصريحات يكون الوقوف مع هؤلاء الناشرين من أجل حرية الرأى والتعبير؟ قمة التناقض والارتباك فى تصريحات رئيس اتحاد الناشرين المصريين ونائب رئيس الاتحاد الدولى للناشرين، وهى تلتقى تماماً مع تصريحات الأستاذ حلمى النمنم، نائب رئيس الهيئة العامة للكتاب، والمحسوب على النخبة المثقفة والطبقة الليبرالية فى مصر، حيث تعامل مع الحدث من منطلق مسئوليته الوظيفية وحفاظاً فقط على سمعة معرض القاهرة الدولى للكتاب، حيث صرَّح سيادته أكثر من مرة أن الرواية لم تصادر من المعرض، بل صودرت من مقر مؤسسة النشر نفسها، وزاد على ذلك زعمه وادعائه أن هناك قضية مرفوعة على الناشر، وأن الأمر بعيد عن المصادرة..! وكانت أكبر كوارثه فى تصريحاته أن الناشر هو من أبلغ عن نفسه...؟! دون أن يهتز ضميره الثقافى لفكرة المصادرة نفسها، ولتحيا سمعة معرض القاهرة الدولى للكتاب، ولتسقط الحريات والضمائر بين أروقة اتحاد الناشرين المصريين وجَنَبَات الهيئة المصرية العامة للكتاب... ولا حول ولا قوة إلا بالله • شاعر وناقد