لم أدرك يوماً مدى روعة سن الأربعين إلا عندما قرأت الرسالة التى بعث بها عزيز لإيلا فى يوم عيد ميلادها قائلاً فيها: "العزيزة إيلا.. عيد ميلاد سعيد إن الأربعين هى أجمل عمر للرجال والنساء على حد سواء، هل تعرفين أن الأربعين فى الفكر الصوفى ترمز إلى الصعود من مستوى إلى مستوى أعلى، وإلى يقظة روحية؟ فعندما نحزن نحزن لمدة أربعين يوماً، وعندما يولد طفل فهو يستغرق أربعين يوماً حتى يتهيأ لبدء الحياة على الأرض، وعندما نعشق يجب أن ننتظر أربعين يوماً حتى نتأكد من حقيقة مشاعرنا، لقد استمر طوفان نوح أربعين يوماً، وفى حين دمر الماء الحياة فقد جرف أيضاً جميع الشوائب، ومكن البشر من بدء حياة جديدة، وفى الصوفية الإسلامية أربعون درجة تفصل بين الإنسان والله، بالإضافة إلى ذلك هناك أربع مراحل أساسية من الوعى فى كل منها عشر درجات فيصبح مجموعها أربعين، و قد خرج المسيح إلى القفر أربعين يوماً وليلة، وكان محمد "ص" فى الأربعين من عمره عندما نزل عليه الوحى، وتأمل بوذا تحت شجرة زيزفون أربعين يوماً، بالإضافة إلى قواعد شمس الأربعين. إنكِ تتلقين مهمة جديدة فى الأربعين، حياة جديدة ! لقد بلغتِ الرقم الميمون و أكثر الأرقام التى تبشر بالخير. مبروك! لا تقلقى لأنك كبرت سنة. فلا يمكن لقوة التجاعيد ولا الشعر الشائب أن تتحدى قوة الأربعين". اللافت للنظر أيضاً أن سر الأربعين مميز فى عمر الإنسان إذ أنه الوحيد الذى ذكره الله فى كتابه وجعله سناً لبلوغ العقل تمامه ورشده فقال تعالى: "حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعنى أن أشكر نعمتك على وعلى والدى وأن أعمل صالحاً ترضاه وأصلح لى ذريتى إنى تبت إليك وإنى من المسلمين". ويقول ابن كثير فى تفسيره للآية الكريمة: ابن الأربعين لا يتغير عما يكون عليه وفى الأربعين يتناهى العقل ويكمل الفهم والحلم وتقوى الحجة، وليس أدل على ذلك من أن الأنبياء بعثوا فى أقوامهم بالرسالة بعد بلوغهم الأربعين. كان منطقياً أن يكون الاختيار فى هذا السن لمن أتيح له الاختيار رجلاً كان أو إمرأة أن يكون الأكثر نضجاً وفهماً للاحتياج المعنوى والروحى والعاطفى والمادى والجسدى أيضاً. نضجت بشكل كافٍ لمعرفة لماذا تريد و ماذا تحب، وما يسعدك ليس بالضرورة يسعد ويريح الآخرين ولكن المهم أنه يروقك أنت و من اخترت. لذلك يكون الزواج فى هذا السن سواء أكان أول مرة أم لا زواج ناجح لأصحابه وأصحابه فقط متى ما عرفت تحديداً ماذا تريد. هو سن اختيار العقل والروح والعاطفة متفادياً أخطاء الاختيار فى العلاقات السابقة للمرحلة العمرية المنقضية، حتى إن نسبة فشله أقل بكثير من الفشل فى المراحل العمرية السابقة فالتجربة و الخبرة خير معلم لهذه المرحلة سواء كنت رجل أو امرأة. النضج و ما أدراك ما النضج يا عزيزى! معايير السعادة و الراحة مختلفة تماماً عن المراحل السابقة و إن تناقضت هذه السعادة مع العاهات والتقليد.. أقصد العادات و التقاليد. لست مجبراً لإنجاحه بالفعل مثل العلاقات السابقة لأن الاختيار صائب منذ البداية متوافق مع قناعاتك أنت كرجل أو امرأة فلا فرق فى نضجهما فى تلك المرحلة. الأولوية قبل الزواج واختيار الشريك تحديد أهدافك وطلباتك ولو قمت حتى بكتابتها ومناقشتها مع نفسك، ماذا أريد وما هى أولوياتى؟! وكيف يكون الشريك الموائم لى لمعطياتى ومتطلباتى، ليس يقيناً ولكن غالباً ما يكون الاختيار صائب بنسب مرتفعة والعلاقة سليمة وصحية تميل إلى الأبدية ولو لم تعجب أحدا ولكنها عجبت وأراحت أصحابها و نعموا بالراحة النفسية و العقلية و أكملوا طريق الحياة التى لم نخلق فيها الا لنعيش فى كبد كل منا حاملاً رسالته و أهدافه راغباً فى تحقيقها بمشاركة شريك مهوناً عليه ضغوطات تلك الحياة .. مَنّ الله على الجميع بهدوء السريرة و بلوغ المراد .
