38923 طالبًا وطالبة استقبلتهم جامعة حلوان في اختبارات القدرات    مع زيارة رئيس الوزراء.. حجم الاستثمار والتبادل التجاري بين مصر والسعودية    النفط يواصل الارتفاع مع استمرار تداعيات إعصار "فرنسين" على الإنتاج الأمريكي    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الثلاثاء    تنطلق اليوم.. 5 محاور لمبادرة "بداية جديدة لبناء الإنسان" أبرزها التعليم والصحة    أسعار الحديد اليوم الثلاثاء 17-9-2024 في أسواق محافظة المنيا    ارتفاع الفائض التجاري في إندونيسيا إلى أعلى مستوياته منذ 3 شهور    غضب في البيت الأبيض بسبب منشور إيلون ماسك حول عدم محاولة اغتيال بايدن وهاريس مثلما حدث ل ترامب    عملية عسكرية واسعة ل«الاحتلال» ضد لبنان تلوح في الأفق.. وحزب الله يضرب مواقع إسرائيلية    الأردن يتسلم جثمان منفذ عملية جسر الملك حسين    كيف تعززت الروابط الاقتصادية بين مصر والسعودية في سنوات؟    مباريات اليوم.. عودة ليالي الأبطال.. وتريزيجيه في صدام مع الهلال السعودي    صلاح يقود هجوم ليفربول أمام ميلان في التشكيل المتوقع بدوري الأبطال    إنترناسيونال يكتسح كويابا في الدوري البرازيلي    أسعار المانجو في سوق العبور اليوم الثلاثاء 17-9-2024    موقف أحمد فتوح النهائي من المشاركة في السوبر الإفريقي والعودة إلى تدريبات الزمالك    حالة الطرق اليوم، كثافات متحركة بشارعي رمسيس وشبرا مصر ومحور 26 يوليو    «الأرصاد»: طقس الثلاثاء حار على أغلب الأنحاء..والعظمى بالقاهرة 33 درجة    اليوم.. الجنايات تستكمل محاكمة متهمي "تنظيم الجبهة"    وكيل صحة قنا يوجه بحصر نواقص الأدوية للبدء في توفيرها    حرائق مدمرة في بيرو.. مصرع 15 شخصا واندلاع النيران بجميع أنحاء البلاد    اختفاء مروحية على متنها 3 أشخاص في منطقة أمور الروسية    اليوم.. انطلاق أكبر ملتقى للتوظيف بمحافظة المنيا لتوفير 5000 فرصة عمل    أكرم حسني يحتفل بعيد ميلاد ابنته بطريقة كوميدية (صورة)    تامر حبيب يهنئ منى زكي باختيار فيلمها «رحلة 404» لتمثيل مصر في الأوسكار    تفاصيل انطلاق اختبارات «كابيتانو مصر» لاكتشاف المواهب الشابة بمحافظة قنا    فيديو.. استشاري تغذية يحذر من الطبخ في «حلل الألومنيوم».. ويوضح طريقة استخدام «الإيرفراير» للوقاية من السرطان    نوستالجيا.. 20 عاما على أول ألبوم منفرد ل تامر حسني "حب" لمناقشة مواقف حياتية ب حالات الحب    ب أغاني سينجل ..محمد كيلاني يكشف عن خطته الغنائية المقبلة    أهالي قنا يحتفلون بالمولد النبوي بمسجد سيدى عبد الرحيم القنائي    ضبط مسجل خطر لسرقته الهواتف المحمولة بالمرج    مختار جمعة يرد على فتوى اسرقوهم يرحمكم الله: هدم للدين والوطن ودعوة للإفساد    حزب الله يستهدف تحركات لجنود إسرائيليين في محيط موقع العباد    بتكلفة 300 ألف دولار، تفاصيل الزواج الأسطوري لرجل أعمال سوداني بالقاهرة (فيديو)    هل يجوز الحلف على المصحف كذبا للصلح بين زوجين؟ أمين الفتوى يجيب    محافظ البحيرة تشهد فعاليات مبادرة «YLY»    مناقشة رواية «أصدقائي» للأديب هشام مطر في مهرجان «فيستيفاليتريتورا» الإيطالي    أحمد فتوح.. من الإحالة للجنايات حتى إخلاء السبيل| تايم لاين    استخدام جديد للبوتكس: علاج آلام الرقبة المرتبطة بالهواتف المحمولة    طبيب أعصاب روسي يحذر من آثار تناول القهوة    ثروت سويلم: سيتم الإعلان عن شكل الدوري الجديد وسيكون مفاجأة    محافظ المنيا يشهد احتفالية الليلة المحمدية بمناسبة المولد النبوي    تعرف على أقل سعر لرحلات العمرة هذا العام    استبعاد مدير مدرسة اعتدى على مسئول عهدة في بورسعيد    تكريم 100 طالب والرواد الراحلين في حفظ القرآن الكريم بالأقصر    احتجاج آلاف الإسرائيليين بعد تقارير إقالة "جالانت" من وزارة الدفاع    خاص.. غزل المحلة ينجح في ضم "بن شرقي" خلال الميركاتو الحالي    كرة نسائية - رغم إعلان الأهلي التعاقد معها.. سالي منصور تنضم ل الشعلة السعودي    إصابة شخصين إثر تصادم دراجة نارية وسيارة فى بنى سويف    الشوفان بالحليب مزيجا صحيا في وجبة الإفطار    المنافسة بالمزاد على لوحة "م ه م - 4" ترفع سعرها ل 13 مليون جنيه فى 6 ساعات    دار الإفتاء: قراءة القرآن مصحوبة بالآلات الموسيقية والتغني به محرم شرعًا    د. حامد بدر يكتب: في يوم مولده.. اشتقنا يا رسول الله    نشأت الديهي: سرقة الكهرباء فساد في الأرض وجريمة مخلة بالشرف    قطر: الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني مثال صارخ لتردي وغياب سيادة القانون    وزير الثقافة يفتتح "صالون القاهرة" في دورته ال 60 بقصر الفنون.. صور    إبراهيم عيسى: 70 يوم من عمل الحكومة دون تغيير واضح في السياسات    ضبط المتهمين بسرقة مبلغ مالى من تاجر في الهرم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مبارك "أحلام السلطة وكوابيس التنحى" .. الحلقة 30..مبارك والبابا شنودة.. أسرار السياسة فى الكنيسة..مقتل 29 مسيحياً فى الكشح كان أحد أسباب التوتر مع الكنيسة وطلب مبارك من البابا تهدئة أقباط المهجر
نشر في اليوم السابع يوم 21 - 07 - 2014

شهدت الشهور الأخيرة من عام 1999 أحداثا متسارعة وساخنة كانت تشير إلى تحولات فى شكل الحكم، تعرض حسنى مبارك لمحاولة اغتيال فى بورسعيد، وتم إنهاء الاستفتاء على الفترة الرئاسية الرابعة، ورفض مبارك أن يتخلى عن رئاسة الحزب الوطنى كما طالبته المعارضة ليكون رئيسا لكل المصريين، وبدا غير عازم على إجراء أى تغييرات فى بنية الحكم، وتؤكد كل الدلائل على أن مبارك مع الفترة الثالثة لم يعد هو نفسه الرئيس الذى بدأ بتواضع فى بداية الثمانينيات، مبارك أصر على التمسك بدوائر السلطة القديمة ومعها الدائرة الجديدة لجمال مبارك، وترك الأمر بين النفى والشائعات تجاه تعيين نائب، ولم يجب على تساؤلات كثيرة نحو القلق الذى يساور المواطنين والنخب السياسية التى أصبحت مشغولة أكثر بمستقبل البلاد.
كان الملف الطائفى من الملفات التى تسلمها مبارك، وتعامل معها بطريقة المسكنات ومن دون حلول جذرية، كانت المشكلات الطائفية متكررة خاصة بالصعيد، وغالبا ما كانت تخضع لسيطرة المجالس العرفية وتدخلات أجهزة الأمن، وكانت المشاجرات الصغيرة تتحول إلى معارك، ناهيك عن التعصب والحديث عن أسلمة الفتيات المسيحيات.
فى 31 ديسمبر 1999 شهدت قرية الكشح فى مركز دار السلام بمحافظة سوهاج معارك طائفية أدت إلى مقتل 20 منهم 19 مسيحيا وأصيب 33 آخرون، كان السبب خلاف وقع بين تاجر قبطى وزبون مسلم ليلة رأس السنة تطور إلى معارك، الكشح شهدت مصادمات قبلها بعام عندما اتهم مسيحيون أجهزة الأمن بخطف وتعذيب مسيحيين أثناء التحقيق فى جريمة قتل اثنين من المسيحيين، وأصدرت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان بيانا أدانت فيه سلوك أمن الدولة، وقالت إن الشرطة كانت تريد إلصاق التهمة بأحد الأقباط، لتجنب تصعيد التوتر بين المسلمين والمسيحيين، بعدها تم تقديم 4 من ضباط وأمناء شرطة للقضاء الذى برأهم من تهم التلفيق والتعذيب.
وبلغ التوتر بين المسيحيين والمسلمين ذروته فى معارك نهاية 99، وكان أغلب القتلى مسيحيين مما أدى إلى تصاعد الغضب بين المسيحيين فى الداخل، وتصعيد الاتهامات فى الخارج، كانت تلتقط هذه الأحداث منظمات قبطية فى الخارج، تتبنى الدفاع عن حقوق الأقباط، كانت أحداث الكشح الطائفية، بداية لتصعيد من جماعات أقباط المهجر التى اتهمت النظام فى مصر بالانحياز للمسلمين واضطهاد المسيحيين.
نظام مبارك اعتاد التعامل منذ توليه المسؤولية مع الملف القبطى أو الطائفى بوصفه ملفا أمنيا، كان يشتعل كل فترة دون أن تجد نهاية له، وظهرت ملفات الأقليات العرقية كالنوبة والبدو فى العقود الأخيرة لحكم مبارك، كان النظام يستند إلى الأمن من جهة، والجلسات العرفية التى يرعاها شيوخ وقساوسة من جهة أخرى، وهى طريقة أبقت القضية فى أيدى أجهزة الأمن، التى كانت تخضع للأهواء، ولتوازنات أمنية وليست سياسية أو اجتماعية. وبقى مفتاح الأمر أساسا فى يد الرئيس سواء بناء الكنائس، أو تعيين المسؤولين الأقباط.
استمر التوتر بين المسلمين والمسيحيين فى الكشح لشهور بعد هذه الحادثة، وتم تقديم 96 متهما بينهم 57 مسلما و39 قبطيا للمحاكمة، وفى فبراير 2001 برأت المحكمة 92 شخصا وأصدرت أحكاما بالسجن عشر سنوات على متهم واحد وآخر بالسجن عامين وآخرين بالسجن عاما واحد.
الحكم جاء مخيبا لآمال الأقباط ومنهم الأنبا بسنتى أسقف حلوان الذى صرح بأن الحكم لم يكن مناسبا لحجم الحادثة، وقال الأنبا ويصا أسقف «البلينة» التى تتبعها الكشح «لقد قتل 20 مسيحيا ولم ينتحروا، وتمت تبرئة القتلة».. وتم الطعن أمام النقض على الحكم، ولهذا طلب مبارك من البابا شنودة تهدئة أقباط المهجر، وقال له: النيابة نقضت الحكم، وعلينا أن ننتظر حكم النقض وأنت تعلم أننى لا أتدخل فى القضاء.
كانت الكشح وأمثالها تكشف عن التوتر الطائفى الذى ظل ضمن الملفات الأمنية، وتحولت الكنيسة إلى وسيط بين المواطن المسيحى والدولة، وظهر انعزال كثير من المسيحيين عن الكنيسة، وتكررت الأحداث ومعها ردود الفعل التى تتعامل أمنيا وعرفيا مع الملف الطائفى، والعلاقة بين البابا شنودة والرئيس مبارك مستمرة فى سياق تم الاتفاق عليه بشكل غير مكتوب منذ منتصف الثمانينيات.
تولى حسنى مبارك السلطة والبابا شنودة، بابا الأقباط، محدد الإقامة ومعزول فى دير الأنبا بيشوى بوادى النطرون، بقرار من الرئيس أنور السادات، ضمن قرارات سبتمبر التى شملت اعتقال المئات من المعارضين السياسيين من أقصى اليمين لأقصى اليسار. كان قرار السادات بإلغاء قرار تعيين البابا غير مسبوق فى تاريخ مصر، وجاء على خلفية الأحداث الطائفية فى الزاوية الحمراء بالقاهرة، التى سقط على أثرها العشرات من القتلى والجرحى، السادات اعتبر البابا ضمن أسباب اشتعال الأحداث الطائفية بين المسيحيين والمسلمين.
ظل البابا شنودة معزولا، ومحدد الإقامة فى دير الأنبا بيشوى، حتى أصدر مبارك قراره فى بداية عام 1985، بإعادة الاعتراف بالبابا شنودة وعودته، لتبدأ مرحلة جديدة من العلاقة بين الكنيسة والدولة، والأقباط فى مصر، علاقة اتسمت بالمد والجزر، اقترب فيها الطرفان، البابا والرئيس لبعضهما خطوة خطوة، وشعر كل منهما بحاجته للآخر.. استمر البابا طوال فترة حكم مبارك، وهى فترة شهدت تحولًا فى علاقة المسلمين بالمسيحيين، وشهدت العديد من الحوادث الطائفية، كما واجه مبارك الجماعات الإسلامية السياسية، فى معارك مختلفة، لم يسانده البابا مباشرة، لكنه غير من سياسته التصادمية مع السادات، لتكون سياسة تقوم على المناورة، وأيضا اندفعت الكنيسة لتوسع وجودها فى عالم الأقباط السياسى، وهى حسبة استفادت منها الكنيسة، لكن خسر الأقباط قدرتهم على الوجود السياسى.
عاد البابا شنودة من وادى النطرون، بعد قرار مبارك، وقد غير من طريقته، وإن لم يغير من أهدافه، مبارك ونظامه حرصا على ألا يخسرا الأقباط، وفى الوقت نفسه كان النظام يحرص على إبعاد الجميع عن السياسة مباشرة بمن فيهم الأقباط والمسلمون، وإن كان النظام لم يمد الخيط على آخره، وظلت العلاقة بين المسيحيين والمسلمين على خيط مشدود.
توفى البابا كيرلس السادس فى 9 مارس 1971 بعد 11 سنة و9 أشهر على مقعد البطريركية، تم اختيار الأنبا شنودة بعد القرعة الهيكلية فى 31 أكتوبر 1971، وفى البداية كان الرئيس السادات متحمسا للأنبا شنودة، واستشار ممدوح سالم وزير الداخلية وقتها الذى زكى شنودة، إلا أن شهر العسل لم يدم طويلا، نظرا لطبيعة البابا وأيضا لطبيعة المرحلة السياسية المختلفة التى عاشتها مصر والتى شكلت منعطفات مختلفة، اجتماعيا واقتصاديا، تأثر بها المصريون وأثروا فيها.
كان «نظير جيد»، وهو الاسم الدنيوى الأول للبابا، من جيل نشأ وتربى فى زمن يموج بالتحولات السياسية، عاصر المد السياسى خلال الثلاثينيات والأربعينيات، ولد فى عام 1923، توفيت والدته عقب ولادته، اصطحبه شقيقه الأكبر «روفائيل» إلى دمنهور ثم القاهرة.
التحق نظير بمدرسة الإيمان الثانوية بشبرا ثم بجامعة فؤاد الأول بكلية الآداب قسم التاريخ، وحصل على الليسانس بتقدير امتياز عام 1947، التحق نظير بالكلية الإكليركية وتخرج فيها ليعمل مدرسا للغتين العربية والإنجليزية، وحضر فصولا مسائية فى كلية اللاهوت وكان تلميذا وأستاذا فى نفس الكلية، عمل محرراً ثم رئيسا لتحرير مجلة مدارس الآحاد.
التحق نظير ضابطا برتبة ملازم فى الجيش لأداء الخدمة العسكرية، واشترك فى حرب سنة 1948.. وتخلى عن اسمه الحقيقى بعد أن رسم راهبا باسم أنطونيوس السريانى فى 18 يوليو 1954، وعمل سكرتيرا خاصا للبابا كيرلس السادس عام 1959، ثم أسقفًا للمعاهد الدينية والتربية الكنسية وبعد وفاة البابا كيرلس فى مارس 1971 أجريت انتخابات البابا الجديد فى 13 أكتوبر من نفس العام، وجاء حفل تتويج البابا شنودة الثالث للجلوس على كرسى الباباوية فى الكاتدرائية المرقسية الكبرى بالقاهرة فى 14 نوفمبر، ليصبح البابا رقم 117 فى تاريخ البطاركة.
لم يكن للبابا السابق كيرلس نشاط سياسى، وإن كان ارتبط بعلاقة قوية مع الرئيس جمال عبدالناصر بدأت فاترة وانتهت حميمية، وصلت إلى أن تبرع الرئيس جمال عبدالناصر بنصف مليون جنيه من رئاسة الجمهورية فى بناء الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، فضلا عن أن فترة الخمسينيات والستينيات كانت فترة مزدحمة بالعمل السياسى ولم تظهر خلالها أحداث طائفية، لأن الدولة كانت متجهة لمشروع سياسى لم يفرق بين المصريين وطالتهم ميزاته وعيوبه.
وجد البابا شنودة نفسه فى مواجهات متعددة منذ الشهور الأولى لجلوسه على كرسى مارمرقس، ولعل أحداث الخانكة فى عام 1972 التى هاجم فيها إسلاميون إحدى الكنائس كانت الشرارة الأولى فى هذه المواجهات.
يقول البابا عن علاقته بالسادات: «كنا نتبادل الدعابة والمزاح خلال لقاءاتنا وفى النهاية قلبها جد»، ففى بداية العلاقة بارك البابا «ثورة التصحيح»، التى أطلقها السادات وحسم بها الصراع مع منافسيه على السلطة عام 1971، حتى ظهرت نزعات السادات الدينية وتودده للتيارات الإسلامية، ومن ثم صار الطريق مفتوحا للصراع بين القساوسة والمشايخ.
شعلة الاحتقان الطائفى بدأت فى أحداث الخانكة عام 1972، وهى المرة الأولى التى تحرك فيها الأقباط فى مظاهرة من 400 شخص يرتدى 100 منهم ملابس كهنوتية بعد أن اتفق مجمع الكهنة بالقاهرة على إقامة الصلوات بمقر الجمعية التى أحرقت، ولم يفلح الأمن فى إثنائهم ومضوا سيرًا على الأقدام مرددين التراتيل ثم انصرفوا دون تصادم.
وجاءت حرب أكتوبر التى اختفى خلف انتصاراتها الكثير من المشكلات، وتراجعت الأحداث الطائفية، وتوترت علاقة الرئيس مع البابا شنودة والسادات بعد انتفاضة يناير 1977، وسرب السادات أرقاما تشير إلى أن تعداد المسيحيين لا يزيد على مليونين ونصف المليون، وهو رقم لم يكن صحيحا، ولم يعلن الرقم الرسمى أبدا، حيث كان المسيحيون يقولون إن الرقم بين 15 و%20 بما يساوى من سبعة إلى ثمانية ملايين وقتها، وتدهورت العلاقات وبلغت أدنى درجاتها حين قرر البابا شنودة إلغاء الاحتفالات بعيد القيامة احتجاجا على الحالة السيئة للأقباط، وجاءت أحداث الزاوية الحمراء التى راح ضحيتها العشرات من الأقباط وأنهت علاقة السادات بالبابا وأوصلتها إلى طريق مسدود، صدرت قرارات سبتمبر 1981 التى تضمنت إلغاء اعتراف الدولة بالبابا شنودة كبطريرك للأقباط الأرثوذكس قبل شهر من اغتيال السادات على يد أعضاء الجماعات الإسلامية المتطرفة.
استدعى السادات عام 1978 بعد توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، البابا شنودة إلى منزله محاولا إثنائه عن موقفه المتشدد تجاه إسرائيل والسماح للأقباط بزيارة القدس، إلا أن البابا تمسك بموقفه، ورفض السير مع السادات إلى القدس، ربما لأنه رأى أن الاصطدام مع المجتمع سيكون أكثر كلفة على الأقباط، وبدا البابا بعيد النظر، ربما لإدراكه أن المسلم الذى يسير مع حاكم مسلم فى طريق خاطئ لن يدفع الثمن الذى يمكن أن يدفعه قبطى.
بعد أحداث سبتمبر 1981 عقد السادات مؤتمرا صحفيا فى ميت أبوالكوم شن على البابا هجوما عنيفا وقال: «ليس هناك شخص أحدث ضررا بشعبى مثلما فعل هذا الرجل، وسوف يدون التاريخ أن هذا الرجل هو الذى حطم شعبى المسيحى، الذى هو جزء من شعبى المصرى.. إننى لن أتهاون أمام الفتنة الطائفية، أو أى شىء ضد الوحدة الوطنية».. بعدها ذهب السادات إلى مجلس الشعب وألقى خطابه الشهير الذى تضمن قرارات اعتقال المعارضين وقرر عزل الأنبا شنودة وتعيين لجنة خماسية لإدارة شؤون الكنيسة وتحديد إقامة شنودة فى دير وادى النطرون.
كانت هناك غصة ما لدى مبارك تجاه البابا شنودة ترجع إلى وقت التوتر الأخير بين السادات والبابا، عندما رفض الرئيس السادات لقاء البابا وأوفد نائبه حسنى مبارك، ورد البابا بإرسال مجموعة من الأساقفة نيابة عنه للقاء نائب الرئيس، كانت حجة البابا أن كل الأمور فى مصر تدار مباشرة عن طريق رئيس الجمهورية، وأن تفويض نائب الرئيس أو أية شخصية أخرى كان نوعا من التسويف واللف والدوران.
لكن مبارك بعد تولى الرئاسة استجاب للكثير من مطالب البابا فى عدة قضايا ووضع مبارك الملف القبطى فى أيدى الأمن، وجعل طرفا من الملف فى يد الرئاسة التى كثيرا ما تدخلت لتحقيق مطالب للأقباط بشكل سياسى.
ويعتقد كثير من المحللين أن فرض الإقامة الجبرية أو الاعتقال على البابا فى دير الأنبا بيشوى عام 1981 شكّل نقطة تحول فى حياة ودور البابا شنودة، وبعد الإفراج عنه فى عهد مبارك أصبح يتعامل بهدوء وعملية أكثر، وحرص على كسب الإعلام والاهتمام بالبعد الدولى، وتواصل مع أقباط المهجر وفتح كنائس جديدة من أجل استيعابهم وتنظيمهم.
عادت العلاقة بين مبارك والبابا والتقى به مرات، منها ما هو معلن ومنها ما هو سرى، وقد استقبل مبارك البابا فى قصر المنتزه بالإسكندرية وهو ما أسهم فى عودة العلاقة بشكل طبيعى، كما شارك مبارك فى جنازة الأمين العام السابق للحزب الوطنى فكرى مكرم عبيد، ولم يزر مبارك الكنيسة، لكنه احتفظ بعلاقة مباشرة مع البابا.
ولعب أقباط المهجر دورا مهما فى العلاقة بين مبارك والأقباط، كان ظهورهم أقوى بشكل لافت استغلوا الإعلام، ونظموا مؤتمرات، وأصدروا بيانات وأصبح أقباط المهجر يمثلون ثقلا سياسيا، وكانت العلاقة بينهم وبين الكنيسة والبابا محل اعتبار وتساؤل من النظام وأجهزة الأمن، كانوا أحيانا يهاجمون البابا ويتهمونه بالتهاون فى حقوق الأقباط، بينما أطراف فى التيارات الدينية تتهم مبارك بالانحياز للمسيحيين، الكنيسة، وإن لم تعلن تأييدها لأقباط المهجر، فإنها لم تتخذ ضدهم أية إجراءات عنيفة، وهو ما دعا بعض الجهات السياسية تعتبر الكنيسة راعيا للأقباط فى الخارج. لكن الكنيسة اعتادت فى ظل رئاسة البابا شنودة، ألا تلقى أيا من أوراق اللعب، وكانت مثل تيارات الإسلام السياسى، لا ترفض اللعب بأى من الأوراق المتاحة، وكانت للبابا شنودة مواقف وطنية واضحة جعلته ضمن التيار الوطنى، منها رفضه التطبيع مع إسرائيل، وإعلانه منع حج الأقباط للقدس قبل أن يدخلوها مع المسلمين، كما أنه كان قد أعلن مقولته الشهيرة «مصر ليست وطنا نعيش فيه لكنها وطن يعيش فينا».
كانت الكنيسة مدفوعة للعمل السياسى حماية للأقباط، من دون أن تعلن أن هذا اختيار لها.
بدا مبارك فى السنوات الأولى من عصره بمصالحة مع المعارضة، أطلق سراح المعتقلين السياسيين ومنهم رجال الدين الأقباط، وألغى قرارات سبتمبر باستثناء قرار عدم الاعتراف بالبابا شنودة الذى بقى محدد الإقامة بدير الأنبا بيشوى، لأربعة أعوام، مما أثار حساسيات قبطية ضد نظام مبارك، وتدخل وزير الداخلية اللواء حسن أبوباشا ضمن آخرين للوساطة، وفى مطلع 1985 أصدر مبارك قرارا بإعادة اعتراف الدولة بالبابا.
كانت علاقة مبارك بالبابا تسير على خيط مشدود، بين الفتور والدفء، وتحالف غير معلن، بين زعيم دينى يريد زعامة السياسة ورئيس يريد أن يواصل الحكم من دون منغصات. كلاهما يواجه تحديا من جماعات الإسلام السياسى، المسلح أحيانا، والطامح للحكم أحيانا أخرى. كانت علاقة مبارك والبابا علاقة عملية يحكمها توازن متبادل بين دوريهما، ولعب الوسطاء دورا فى هذه العلاقة، تجنب مبارك سياسة السادات فى التعامل مع بابا الأقباط، ولم يرد للعلاقة أن تصل فى أى وقت إلى الصدام وحتى فى الفترات التى كانت تشهد توترا فى العلاقة كان يحرص على أن تظل قنوات الحوار مع الكنيسة مفتوحة من خلال الاعتماد على سكرتيره للمعلومات مصطفى الفقى الذى ظل لسنوات عديدة «همزة الوصل» بين الكنيسة والدولة.
كان مبارك يعلم أن الصدام مع البابا ليس فى مصلحته، وسعى من بداية حكمه إلى توطيد العلاقة بينهما من خلال لقاءات عديدة بعضها كان معلنا وبعضها لم يعلم به سوى عدد قليل من المقربين سواء من شنودة أو مبارك. اختار البابا جانب مبارك، ساعيا لترسيخ أصول الكنيسة السياسية والاقتصادية. كان مبارك يخوض حربا فى مواجهة الجماعات المتطرفة والإرهاب ولم يكن راغبا فى دفع البابا مع الجانب الآخر. بينما البابا لم يكن لينضم للجبهة الأخرى التى لو انتصرت كان هو أول الخاسرين. فالجماعات تضع الكنيسة
والدولة «الكافرة»، فى جانب واحد. وعلى الرغم من أن ملف الكنيسة كان من اختصاصات أمن الدولة، فإن البابا لم يكترث لذلك واختار أن تكون العلاقة الخاصة مع مبارك هى الأساس. وكان يقول إن الخطر الذى يهدد النظام، والأقباط واحد، ومن الأفضل لهم أن يراهنوا على مبارك والبابا سياسيا ودينيا حتى لا يخسروا الرهانات كلها لو اتجهوا لأى بديل آخر.
وكثيرا ما كان الأقباط يشكون علنا من الاستبعاد من الوظائف المهمة، لكن فترة مبارك كانت تتأرجح فى هذا الإطار، وكانت العادة أن يتم تعيين وزراء للتعاون الدولى أو وزراء دولة فى مناصب وزارية، وقد لعب الدكتور بطرس بطرس غالى دورا مهما فى رحلات السادات لإسرائيل، وأيضا مع مبارك، وهو الذى دعمه لموقع الأمين العام للأمم المتحدة. وحرصت الكنيسة على المطالبة الهادئة وبالفعل تم تعيين يوسف بطرس غالى وزيرا للتعاون الدولى فى وزارة الدكتور عاطف صدقى الثانية، ويومها كما ذكر الجنزورى طلب عاطف صدقى من مبارك أن يعين مسيحيا وزيرا فى تأكيد على تحدى المتطرفين الإرهابيين ممن كانوا يهاجمون الأقباط والدولة معا، كما أن مبارك جعل قرارات بناء الكنائس وترميمها فى يد الرئاسة ولم يذكر أنه رفض طلبا من البابا فى هذا الشأن، وإن كانت عملية توسيع المقار الخدمية إلى كنائس أدت لمصادمات طائفية أكثر من مرة فى المنيا وأسيوط وأسوان، وكانت الدولة تتدخل عرفيا ورسميا لإنهائها. وكثيرا ما كان البابا يبلغ غضبه لمبارك بأكثر من طريقة مع تصاعد الأحداث الطائفية، وتصاعد موجات الأسلمة وخصوصا أسلمة الفتيات القاصرات وافتعال الأزمات مثل أزمة وفاء قسطنطين، وبعد أحداث الكشح بما بدا أنه نوع من الاضطهاد للأقباط، حوادث متفرقة هنا وهناك، كان البابا يشجع المواطنين الأقباط على الانخراط فى الأحزاب السياسية والترشح فى الانتخابات، حتى لو كان المناخ العام لم يكن يسمح بالانتخاب على أساس وطنى وكانت تدخله النزعات الطائفية وهو ما كان يدفع الأقباط إلى العزوف عن المشاركة.
كان الملف الطائفى ملفا أمنيا، وأحيانا كان يتم استخدامه من قبل الأمن وتسريب بعض القضايا للصحف، وتضخيم أخطاء الرهبان والقساوسة المشلوحين ومنها القضية التى نشرتها صحيفة «النبأ» ذاعت فى وقتها عن فضائح أخلاقية لأحد الرهبان وكان مشلوحا من الكنيسة، ويومها اشتكى البابا مباشرة لمبارك، وتم إغلاق الجريدة والقبض على رئيس تحريرها ممدوح مهران، وعقد المجلس الأعلى للصحافة جلسة أدان فيها النشر واتصل مبارك بالبابا شنودة واعتذر له وتعهد بألا يتكرر وقال إن وراء ذلك متطرفين.
وكثيرا ما كان البابا يغضب من حملات غير مبررة فى الإعلام، للطعن فى عقيدة المسيحيين، وقد تسبب هذا فى سوء تفاهم شهير بين البابا والشيخ الشعراوى، عندما فسر الشيخ الشعراوى الآيات الخاصة بصلب المسيح، الأمر الذى دفع كثيراً من الأقباط إلى اعتبار التفسير هجوما على العقيدة المسيحية، ولجأوا إلى البابا بالشكوى والبحث عن رد يحفظ عليهم إيمانهم، وبعدها مرض الشيخ الشعرواى وأوصى البابا الكهنة والآباء فى الكنيسة المصرية بلندن بزيارة الشيخ الشعراوى وأرسل له شيكولاته، وبعد عودته زار الشعرواى البابا وتم استقباله بحفاوة، وقدم الشيخ الشعراوى للبابا عباءة سوداء وعلق البابا: نحن نريد للمجتمع كله أن يعيش تحت عباءة واحدة، وقال الشيخ وهو يصافح البابا: «أسأل الله أن يجعل هذا اللقاء معكم بداية خير لدينه ورسالاته، وأن نتمكن معا من أن نلفت الناس إلى منهج السماء فيجعلوه مطبقاً فى منهج الأرض».. فيما رد البابا: «نصلى جميعاً ليحفظ الله بلدنا وشعبنا ووحدتنا وصفاء قلوبنا» وبعد وفاة الشيخ الشعراوى ذهب البابا للعزاء برفقة وفد من كبار الكهنة، ودون عبارته «لقد خسرنا شخصية نادرة فى إخلاصها ونقائها وفهمها لجوهر الإيمان». وكانت العلاقة بين البابا شنودة والأزهر جيدة بشكل عام، وجرت العادة أن يتبادل البابا وشيخ الأزهر الزيارات والتهانى فى المناسبات الدينية.
كانت هناك مقايضة بين مبارك زعيما سياسيا للمسلمين، والبابا وكيله لدى الأقباط، مقابل ترسيخ سلطته السياسية، وعدم وقوف الدولة مع التيار العلمانى فى المجتمع القبطى أو أى تيار معارض للبابا كما يقول الباحث أحمد زكى فى دراسته «البابا شنودة.. أربعون عاما بين الاصطدام والاحتواء» ويقول: فى الثمانينيات والتسعينيات كان الحلف السياسى بين البابا ومبارك، أقوى من التيار العلمانى والمعارض، الذى كان يرفض سلطة الكنيسة السياسية، ويسعى للدفع بالأقباط من عزلتهم ليخوضوا غمار السياسة كمواطنين. لكن هذا الاتجاه
تعرض للهزيمة وسط وضع يرسخ لاستقطاب بين الحزب الوطنى محتكر السياسة، وجماعة الإخوان والتيارات الدينية. ودعم البابا مبارك فى جميع الاستفتاءات. وفى 28 سبتمبر 1993 وقع البابا شنودة و50 من أعضاء المجمع المقدس على بيان يؤيدون فيه ترشيح مبارك لفترة رئاسية ثالثة، ويدعون المسيحيين للذهاب للأدلاء بأصواتهم يوم الاستفتاء، وفى 29 مايو 1999 كان البابا شنودة و66 من أعضاء المجمع المقدس يؤيدون ترشيح مبارك لفترة رئاسية رابعة، وفى عام 2005 كان البابا و71 من أعضاء المجمع المقدس يوقعون على وثيقة يناشدون فيها الرئيس مبارك بالاستجابة لرغبات الجماهير بترشيح نفسه للرئاسة فترة خامسة. وعندما أعلن مبارك ترشيح نفسه كان البابا شنودة فى الولايات المتحدة، وقال «نؤيدك بكل قلوبنا»، وكانت هناك تقارير غير رسمية لكون الكنيسة تدعو لدعم مبارك بل وعندما جرى الحديث عن التوريث، لم يبد البابا رفضا لتولى جمال، وهى مواقف كانت تسبب ارتفاع معارضة الشباب المسيحى للبابا، بينما هو يرى أنه يضمن ألا تقع مصر فى أيدى تهدد مصالح المسيحيين.
وكان البابا ذا شخصية قوية وتأثير قوى فى الأقباط، المسيحيين والمصريين عموما، وكان صاحب تأثير وطنى على الأغلبية المعتدلة من المسلمين فيما جعله سياسيا بابا المصريين.
وكان مبارك حريصا على أن تصب أغلبية الأصوات المسيحية لمصلحته، وبالتالى سمح بأن يتولى مسيحيون مناصب وزارية، فضلا عن رئاسة محاكم الاستئناف ومجلس الدولة، وتراوحت أعداد الوزراء المسيحيين بين الصعود والهبوط. وكانت لمبارك علاقة مميزة مع الدكتور بطرس بطرس غالى الذى تولى وزير دولة للخارجية مع السادات ورافقه فى رحلة القدس ومع مبارك شغل مكانة مميزة فى الخارجية، ودعمه مبارك لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة وأيضا للفرانكفونية بعدها.
والدكتور بطرس بطرس غالى دبلوماسى مصرى لعائلة قبطية وأم أرمينية، ولد فى 14 نوفمبر 1922. كان الأمين العام السادس للأمم المتحدة للأعوام 1992 - 1996، وهو حفيد بطرس نيروز غالى رئيس وزراء مصر فى أوائل القرن العشرين الذى اغتاله إبراهيم الوردانى. هو أيضاً عم يوسف بطرس غالى الذى كان وزيراً للتعاون الدولى والاقتصاد والمالية وأحد حلفاء جمال مبارك فى لجنة السياسات.
وشغل الدكتور بطرس غالى منصب وزير الدولة للشؤون الخارجية فى عهدى السادات ومبارك. وكان نائبًا لرئيس الاشتراكية الدولية حتى تولى منصب الأمين العام للأمم المتحدة. من 1992 - 1996 ليصبح أول عربى يتولى هذا المنصب، فى فترة سادت فيها صراعات فى رواندا والصومال وأنجولا ويوغوسلافيا السابقة، لم تمتد رئاسته لفترة ثانية بسبب استخدام الولايات المتحدة لحق الفيتو بعد تقرير أدان إسرائيل. وسجل فى مذكراته «بانتظار بدر البدور» أن الرئيس حسنى مبارك استقبل غالى فى يناير 1997 بعد خروجه من الأمم المتحدة ورفض أمريكا التجديد له ويقول: لمحت فى نظرة مبارك بعض التشفى وقال له: نصحتك بألا تتحدى الأمريكيين، وأضاف بابتسامة: لو كنت أكثر لطفا مع مادلين أولبرايت وزيرة خارجية الولايات المتحدة لأعيد انتخابك.. وفى مساء نفس اليوم يقام احتفال فى ناد عسكرى يحضره مبارك وزوجته، وشيخ الأزهر والبطريرك شنودة الثالث، ورئيس الوزراء كمال الجنزورى عابسا كعادته، ورئيس الوزراء الأسبق عاطف صدقى وقد زاد وزنه، بطبعه المرح، وسفير الولايات المتحدة، ويقول غالى: يجدد مبارك مزاحه حول موضوعه المفضل: لو امتلكت الجرأة مع أولبرايت. لما أبعدتك عن الأمم المتحدة، يضحك الجميع، من القلب باستثناء سفير الولايات المتحدة الذى يبقى باردا كالرخام.
غالى يصف مبارك بأن تحليلاته تتسم بالكثير من الواقعية والبرجماتية، شأنه فى ذلك شأن الرئيس السادات من قبله، منشغل بالمشاكل القصيرة المدى، ويسجل غالى أنه فى نهاية عام 99 واحتفالات الألفية عند سفح الهرم، عندما كان غالى وزوجته ضيفين على مائدة الرئيس مبارك، بينما الوزراء موزعون على الطاولات ويروى غالى: تناول العشاء على الطاولة الرئاسية، بينما هؤلاء الذين يحكموننا موزعون على طاولات صغيرة يحيطنى بهالة لا مثيل لها، فى عيون حاشية الرئيس مبارك.
يروى بطرس غالى حادثا وقع فى سبتمبر من عام 2000، عندما التقى مبارك فى باريس وذكره بحادث المصعد الشهير، الذى وقع يوم افتتاح الجامعة الفرانكفونية فى الطابقين الخامس والسادس من برج القطن بالإسكندرية، تعطل أحد المصعدين أثناء الهبوط فجأة، وكان يستقله الرؤساء عبده ضيوف وميتران وموبوتو ومبارك وسنجور، وولى عهد بلجيكا، وعدد لا يستهان به من الحرس. يقول بطرس: غرق الجميع فى عتمة مطبقة، أكثر من عشر دقائق، وكانت الشرطة فى حالة من الارتباك. ظنا أنه حادث اعتداء. ووصف غالى حادث المصعد بأنه يشبه الهبوط إلى الجحيم، ويقول غالى بعد مرور عشر سنوات لا يزال الرئيس مبارك عاجزا عن الابتسام، عندما يتذكر ذلك الهبوط إلى الجحيم.
ويبدى غالى قدرا من الكراهية للدكتور كمال الجنزورى ويقول عنه إنه رجل معقد وميال إلى الإمساك بكل نشاطات البلد.. علاقته بابن أخى يوسف ليست على ما يرام. ويقول إن ابن أخيه يوسف يمثل الجيل الخامس من عائلة ترفد الدولة المصرية بالموظفين الكبار يومها فى 1997 كان وزيرا للتعاون الدولى فى حكومة الجنزورى. ويستطرد: يبدو أن الوزير الشاب يفضل السلطة على المال، لا أظنه سيترك الحكومة، على الرغم من العداوة التى يكنها له رئيس الوزراء الجنزورى، ذهب الجنزورى وبقى يوسف بطرس، وفى 2001 ترك حقيبة وزارة الاقتصاد، إلى المالية وينتقل إلى عاطف عبيد الذى يذهب لزيارته، ويصفه بأنه رجل تبدو عليه علامات الشيخوخة، والتعب وأرهقته ممارسة السلطة. أباغته طوال فترة محادثتنا يغالب النعاس، أقول له: إن صورة مصر سيئة كما صورة العالم العربى، يجب أن نبادر بهجوم معاكس.. يوافقنى عاطف عبيد: عندما تقابل الرئيس مبارك يجب أن تكلمه فى ذلك.. وكان عاطف عبيد يشكو لغالى من هجوم الصحافة، التى لا ترحمه. يقول له: إن الانتقاد والنميمة هما الضريبة اليومية التى يجب دفعها يوميا للمرور من الباب العالى للسلطة.
ويروى بطرس غالى قصة لقاء مع الدكتور عصمت عبدالمجيد أمين عام الجامعة العربية، 1999، وينتقل إلى أسامة الباز قائلا خلال مقابلاتنا يدون أسامة الباز بصورة شبه دائمة بعض الملاحظات، التى لا يلبث أن يضيعها. ويقول عن وزير الخارجية وقتها عمرو موسى إنه: مثل جميع أقرانه، لا يبدى اهتماما كبيرا بالمنظمات غير الحكومية، وبالأحزاب السياسية. وفى فبراير 2001، التقى غالى وزير الخارجية. الذى يخبره بأنه عرض عليه منصب الأمين العام للجامعة العربية، يسأل موسى غالى: ماذا أختار، فى رأيك.
يجيبه غالى: إنه سؤال بلاغى، فى نظامنا السياسى نحن لا نختار، لكن الرئيس يختار لنا، ومع ذلك لو كنت مكانك لرغبت فى التجربة الجديدة، ويروى بطرس غالى أنه التقى مبارك فى القصر الرئاسى وقتها وسأله مبارك عمن يصلح فى نظره لخلافة عمرو موسى بوزارة الخارجية. يقول غالى: فى المرة الأخيرة اقترحت عليك ثلاثة أسماء، هذه المرة لم أقترح إلا واحدا، هو السفير على ماهر، ولو أنى أقترح تعيين وزيرين للإحاطة بكامل الملفات.
يعلق مبارك: أمامى أكثر من ثلاثة أشهر للقيام بهذا الاختيار، ولأسمع الشائعات التى ستتردد بشأن وزير خارجيتنا العتيد. ويمزح غالى: هل تسمح لى سيدى الرئيس بأن أردد إشاعة بأننى من بين المرشحين. يضحك مبارك بعد لقائنا هذا الصباح سيعم الخبر بصورة تلقائية.
كانت علاقة مبارك بالآخرين تدور كلها حول تقوية سلطته وطالما كان البابا أو المسيحيون مع هذه السلطة لا يمانع من التعامل بالمنح والعطاء، كما أنه يستمر فى مساندة من يساندون سلطته فى كل وقت، ولهذا ظل الدكتور بطرس غالى قريبا من مبارك يحظى بدعمه وتم تعيينه رئيسا للمجلس القومى لحقوق الإنسان بعد تشكيله فى أعقاب الضغوط الخارجية والداخلية واختار غالى لكونه واجهة دولية فضلا عن أنه قبطى وهو ما يمنح المجلس دعما سياسيا خارجيا. وهو جزء من براجماتية مبارك التى كانت تميزه بالرغم من أنه ترك باقى جنابات السياسة حزبيا وسياسيا بلا غطاء. وكثيرا ما كان مبارك يلتقى البابا شنودة فى أوقات التوتر الكبرى، وآخر لقاء بينهما كان فى 22 ديسمبر 2010، حيث استقبل مبارك البابا شنودة فى لقاء مفاجئ، بعد أن كانت العلاقة بين الكنيسة والدولة وصلت لدرجة من الاحتقان، وكان نحو ألفى مسيحى حاولوا اقتحام مبنى محافظة الجيزة احتجاجا على منع الأمن لهم من تحويل مبنى خدمى إلى كنيسة فى العمرانية دون الحصول على ترخيص وقعت مصادمات قتل فيها شابان مسيحيان وأصيب عشرات وتم اعتقال نحو 164 مسيحيا، أفرج عن أغلبهم على دفعات، والتقى مبارك مع البابا الذى طالب بسرعة إقرار قانون بناء دور العبادة الموحد المعطل فى البرلمان منذ سنوات، وطلب تدخل مبارك للإفراج عن المعتقلين. ووعد مبارك بالتدخل، مؤكدا التزام الدولة بالمساواة بين المسلمين والمسيحيين.
كما كان شنودة على اتصال مع مبارك فترة مظاهرات 25 يناير، وبكى بعد تنحى مبارك، بينما مبارك نفسه بعد التنحى قال فى حديث لأحد مرافقيه بالمحكمة إنه بكى عند وفاة البابا شنودة، الذى كان وطنيا عظيما.
◄ مبارك الفرعون الأخير .. الحلقة الأولى:كيف تصرف مبارك فى اليوم التالى للتنحى؟..طلب الاتصال بالنائب والمشير.. وانقبض من مشهد الأفراح فى الشوارع.. وتذكر شاوشيسكو وصدام وقال بلدنا مش كده
◄ مبارك "أحلام السلطة وكوابيس التنحى"..الحلقة الثانية:قال لأوباما: أنت لا تعرف وبعدها سأل نفسه:من يكون هذا الشعب ولماذا ثار ضدى؟..عندما سقط الإخوان اعتبره تحقيقا للنبوءة..وأصيب بأزمة بعد تأكده أنه متهم
◄ مبارك "أحلام السلطة وكوابيس التنحى"..الحلقة الثالثة.. رحلة أجداد مبارك من البحيرة إلى المنوفية.. قصة صاحب الكرامات..عبد العزيز باشا فهمى توسط لتوظيف والده حاجبا.. وأدخل مبارك الكلية الحربية
◄ مبارك "أحلام السلطة وكوابيس التنحى"..الحلقة الرابعة..قصة مبارك وعبد الناصر..دخل مبارك الكلية الحربية عام 1947 بوساطة المحامى الشهير عبدالعزيز باشا فهمى وبعد عامين دخل الطيران
◄ مبارك "أحلام السلطة وكوابيس التنحى"..الحلقة الخامسة..مبارك وسوزان الطريق للسلطة..ليلى والدة سوزان البريطانية رفضت خطبة حسنى لابنتها ثلاث مرات بسبب فرق السن والمستوى الاجتماعى
◄ مبارك "أحلام السلطة وكوابيس التنحى"..الحلقة السادسة.. قصة أسر العقيد حسنى مبارك فى المغرب.. السادات قال لمبارك بعد عودته من الاتحاد السوفيتى: أنت طلعت عُقر.. وهيكل أشار لمشاركته فى اغتيال زعيم المهدية
◄ مبارك "أحلام السلطة وكوابيس التنحى"..الحلقة السابعة.. المخابرات الأمريكية كانت تحتفظ بفيديو عن مبارك وزوجته سوزان وقال باحث أمريكى زوجته الإنجليزية سبب اختياره .. كيف فضل السادات مبارك
◄ مبارك "أحلام السلطة وكوابيس التنحى"..الحلقة الثامنة.. مبارك وأبوغزالة.. أسرار الحرب الخفية والإطاحة بالمشير.. خطط مبارك للتخلص من المشير بعد ظهور اسمه مرشحا للرئاسة فى أول اجتماع بعد اغتيال السادات
◄مبارك "أحلام السلطة وكوابيس التنحى"..الحلقة التاسعة.. مبارك يطيح بأبوغزالة بضربة قاضية..صفقة مبارك وحسين سالم لتصدير 10 آلاف حمار للمشاركة فى الحرب بأفغانستان ضد السوفيت
◄مبارك "أحلام السلطة وكوابيس التنحى"..الحلقة العاشرة.. مبارك خطط للإطاحة بمنافسه منصور حسن وقال له: ماتبقاش تلعب معايا تانى..تقرير المخابرات الإيطالية عن مبارك أثار غضب السادات فقال: حسنى بيلعب
◄مبارك "أحلام السلطة وكوابيس التنحى"..الحلقة 11..مبارك وأشرف مروان..عندما هدد مروان: مبارك لا يمكنه منعى من دخول مصر.. أنا ..مبارك تقدم جنازة أشرف مروان وحرص على تبرئته من تهمة الجاسوسية
◄ مبارك "أحلام السلطة وكوابيس التنحى"..الحلقة 12.. لماذا أصر مبارك على سجن الفريق الشاذلى؟..مبارك غير صور حرب أكتوبر بالفوتوشوب ووضع نفسه مكان الشاذلى.. وابنة الفريق اتهمته بالتزوير
◄ مبارك "أحلام السلطة وكوابيس التنحى"..الحلقة 13.. مبارك واغتيال أنور السادات..مبارك قال: علاء أصيب بفقدان وعى أمام التليفزيون وجمال أخذوه من أمامى بالمنصة بعد إطلاق الرصاص
◄ مبارك "أحلام السلطة وكوابيس التنحى"..الحلقة 14.. مبارك وأبوباشا ومعركة عيد الأضحى فى أسيوط..عقب اقتحام مديرية أمن أسيوط وقتل 106 أفتى عمر عبدالرحمن لعناصر التنظيم بصوم 60 يوماً كفارة لعدم مشورته/
◄ مبارك "أحلام السلطة وكوابيس التنحى"..الحلقة 15..كيف أقنع فؤاد محيى الدين مبارك برئاسة الحزب الوطنى.. ظهر فى صورة الرئيس المتواضع.. يرتدى ملابس سفارى صناعة مصرية وأمر بعدم نشر التهانى فى الصحف
◄ مبارك "أحلام السلطة وكوابيس التنحى" .. الحلقة 16 ..الرئيس الأسبق يستسلم لمؤامرات فؤاد محيى الدين.. عندما قال مبارك ليحيى الجمل: «أول مرة أعرف إن الشيوعيين بيصلوا»
◄ مبارك "أحلام السلطة وكوابيس التنحى" ..الحلقة 17.. أسرار حرب مبارك..القصة الكاملة للإطاحة بوزير الداخلية أبوباشا من أجل الحزب الوطنى..مبارك «شخط» فى وزير الداخلية: سامى أخويا مش هيدخل مجلس الشعب
◄ مبارك "أحلام السلطة وكوابيس التنحى" ..الحلقة18..مبارك وأسرار مطبخ صفوت الشريف وكمال الشاذلى ..الشريف كان يقدم لمبارك تقريرا يوميا بخطوط سير الوزراء وعلاقاتهم العامة والخاصة
◄ مبارك "أحلام السلطة وكوابيس التنحى" ..الحلقة19.. مبارك وعلى لطفى حكومة سكرتارية..مبارك أرسل أسامة الباز لرئيس الحكومة يقول له: الرئيس عاوز يعرف جدول أعمال الاجتماع.. ليحدد ما تناقشونه
◄ مبارك "أحلام السلطة وكوابيس التنحى" ..الحلقة 20.. مبارك والإخوان والسعد والريان.. شعار «الإسلام هو الحل» مع شركات توظيف الأموال.. مغامرات السياسة والاقتصاد
◄ مبارك "أحلام السلطة وكوابيس التنحى" ..الحلقة 21.. مبارك.. وأسرار الإطاحة بوزير الداخلية أحمد رشدى..هل راح أحمد رشدى ضحية مواجهة المخدرات وصراعات الكبار حول مبارك
◄ مبارك "أحلام السلطة وكوابيس التنحى" ..الحلقة 22.. مبارك وعاطف صدقى وشتائم زكى بدر..دخل الدكتور أسامة الباز ليوقع من الرئيس خطاب تكليف الجنزورى فشطب اسمه وكتب عاطف صدقى
◄ مبارك "أحلام السلطة وكوابيس التنحى" ..الحلقة 23.. مبارك ولغز اغتيال رفعت المحجوب..اغتيال الدكتور المحجوب تم بدرجة عالية من الاحتراف.. وكان لدى القتلة معلومات دقيقة بتحركاته
◄مبارك "أحلام السلطة وكوابيس التنحى" .. الحلقة24.. مبارك وصدام ولوسى آرتين.. د. مصطفى الفقى: قضية لوسى آرتين مؤامرة للإطاحة بالمشير أبوغزالة.. وخرجت من الرئاسة قبل التسجيلات
◄ مبارك "أحلام السلطة وكوابيس التنحى" .. الحلقة25..مبارك وفتحى سرور واللعب مع الفساد..مبارك أطاح بعبدالحليم موسى من الداخلية بحجة إجراء حوار مع الجماعة الإسلامية بالسجن رغم علمه المسبق
◄ مبارك "أحلام السلطة وكوابيس التنحى" .. الحلقة 26..مبارك وأسرار الاغتيال فى أديس أبابا..8 محاولات اغتيال وخطف تعرض لها مبارك.. أخطرها تلغيم مطار «برانى» ونسف كوبرى «الفردوس»
◄ مبارك "أحلام السلطة وكوابيس التنحى" .. الحلقة 27.. مبارك وعمر سليمان والبحث عن الرجل الثانى.. جهاز المخابرات لعب دوراً مهماً فى مكافحة الإرهاب وأصبح عمر سليمان فى مقدمة الصفوف والمرشح لخلافة مبارك
◄ مبارك "أحلام السلطة وكوابيس التنحى" .. الحلقة 28..مبارك والجنزورى..الجنزورى جاء ونصف وزراء الحكومة يكرهونه ودخل فى مواجهات مع زكريا عزمى ويوسف بطرس وصفوت الشريف


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.