صدر عن وحدة الدراسات المستقبلية بمكتبة الإسكندرية العدد الثالث عشر من سلسلة "أوراق" المختصة بالدراسات المستقبلية تحت عنوان "ماذا نعنى بالمستقبليات الإسلامية؟" وهى من تأليف المفكر الإسلامى وعالم المستقبليات البريطانى ضياء الدين ساردار وترجمة محمد العربى الباحث بوحدة الدراسات المستقبلية، والذى قام إلى جانب ترجمة دراسة ساردار بتقديمه إلى القارئ العربى فى مقالة تحت عنوان "ضياء الدين ساردار.. مطارحة الإسلام والمستقبل". ويقول المترجم، إن أهمية هذه الدراسة تكمن فى تناولها لمبحث تم إهماله منذ انبعاث الفكر الإحيائى الإسلامى منذ حوالى مائتى سنة، حيث سيطرت أطروحة السياسة على الفكر الإسلامى المعاصر وأنتجت تيارات وحركات قائمة على محاولة استنساخ ماضى الإسلام دون أن تحاول أن تؤطر لمستقبله. يتركز فكر ساردار غير ذائع الصيت فى عالمنا العربى حول "بناء مستقبل الإسلام على أساس تجديد أصوله وإعادة تأويلها كأسس لبناء مستقبل مزدهر لشعوبه فى ظل عالم متسارع التغير، ويتسم بالتعقد والتشابك فى علاقاته وقضاياه". ويعبر فكر العالم الإسلامى ساردار عن مزيج ثرى من المعارف والعلوم، وهو يرى نفسه أنه أقرب إلى أبى الريحان البيرونى؛ عالم الإسلام الموسوعى الذى عبر عن تداخل العلوم والمعارف حتى الهويات؛ فيكتب ساردار أنه يحمل هويات متنوعة ومتشابكة؛ فرغم أنه يعيش فى الغرب، فإنه ليس من الغرب، ورغم التزامه الدينى، فإنه بعيد عن الأصولية الدينية، ورغم خلفيته الأكاديمية، فلم يقع فى شرك الأكاديمية الهرمية، إنه يصف نفسه دائما أنه على الهامش وأنه تعبير عن "الآخر" فى مواجهة الأنماط الفكرية السائدة سواء فى عالم الإسلام أو فى الغرب، وبالتالى يحاول دائما أن تعكس أعماله أصوات نقدية غير سائدة. يقول ساردار فى بداية ورقته التى تم إصدارها فى العام 2006 ضمن مجموعة دراسات عن الفكر الإسلامى المعاصر أصدرتها دار Blackwell البريطانية، إن هدف المستقبليات الإسلامية وضع طريق لإخراج الإسلام ككيان حضارى والعالم الإسلامى من مأزقهما الحالي، وتطوير رؤى للإدارة وبدء التغيير، ووضع خطط بديلة مستقبلية مرغوبة للأمة الإسلامية. ويتطلب مشروع المستقبليات الإسلامية قطيعة فاصلة مع الفكر الإسلامى التقليدى والمعتمد على التقليدية المتصلبة والفهم أحادى البعد للعالمين الحداثى وما بعد الحداثى، وفهما جريئا ومبدعا للتحديات التى تواجه الأمة الإسلامية. وأوضح ساردار ما يسمى بالدراسات المستقبلية بأنه المستقبل متوسط المدى الذى يمكن التعامل مع معطياته الحالية، وأضاف أن مبادئ المستقبليات الإسلامية وهى أن الإسلام يشتبك مع العالم المعاصر باعتباره نظرة عالمية تعمل شبكتها المفاهيمية كمنهجية لعلاج المشكلات وإنتاج إمكانات وخيارات مستقبلية من أجل المجتمعات المسلمة، وأن المسلمين فقط من خلال امتزاجهم فى حضارة واحدة تجمع مواردهم وتشاركهم فى إمكانيات دولهم، لحل مشكلاتهم وتحقيق أهدافهم المشتركة، سيصبح المسلمون قادرين على تجاوز الاهتمامات الضيقة للدول القومية المفتتة، والتهميش البالغ نحو تكوين مستقبل حيوى وحى لأنفسهم، وثالث هذه المبادئ إن تعددية وتنوع الإسلام هما حجرا الزاوية لتشكيل حضارة إسلامية حيوية ومزدهرة فى المستقبل. وأكد ساردار فى نهاية ورقته أن هناك العديد من المعالم التى تؤكد أن العالم الإسلامى رغم ما به من كبوه فى سبيله إلى تكوين مستقبله الذاتي، وأن هذه المعالم على صغرها إلا أنها قادرة على التراكم بحيث تكون نواة جيدة يمكن البناء عليها، تتمثل هذه المعالم فى التحولات الفكرية التى جسدها العديد من الحركات والتشريعات والأفكار التى تحاول الخروج من رقبة التسيس والماضى.