" آه من هؤلاء البشر.. وآه من خبايا صدورهم.. لو استطعنا أن نخترق حُجُبها.. لولينا منهم فراراً.. ولملئنا منهم رُعباً " .. هذه الكلمات ليست لسيجموند فرويد أو للفيلسوف الألمانى شوبنهور.. بل هى كلمات الفيلسوف الفارس الذى ضَّل طريقه إلى كتابة القصص القصيرة والروايات التى تفيض مشاعر ورومانسية.. أو قد يكون وجد ضالته ومتعته فى التعبير عن أفكاره وفلسفته فى كتابتها مثله مِثل مَثَلَهُ الأعلى "نابغة الشرق" توفيق الحكيم.. إنها للأديب العظيم يوسف السباعى من مجموعته القصصية "خبايا الصدور". تَذَكَّر إبراهيم هذه العبارة التى قرأها ذات مَرَّة فى مكتبة مدرسته الإعدادية.. وهو جالساً القرفصاء.. مُخبئاً رأسه ما بين يديه وركبَتيه فى زنزانة بسجن المحافظة العمومى.. وهو يقضى عقوبة الثلاث سنوات بتهمة الاتجار بالمخدرات .. رغم أنه لم يُدَّخِن سيجارة طَّوال حياته. ولكن كما إنه وراء كل رجل عظيم امرأة أعظم .. أيضاً وراء كل رجل مظلوم ومهزوم، امرأةٌ خسيسة وخائنة.. واسألوا شَمشون ونابليون وغيرهم من العظماء والعامة . كانت البداية ( كالعادة ) عندما عاد إبراهيم ذات مساء إلى بيته البسيط المتواضع الذى بناه بعد رحلة تعب وشقاء فى خارج مصر وداخلها.. ليجد زوجته فى أحضان رجل آخر .. وقبل أن يفيق من مرحلة الصدمة ليدخل مرحلة رد الفعل.. أخرج الرجل الآخر سلاحه النارى، فأرْدَاه أرضاً مُضْرَجَاً فى دٍمائِه، وفَّر هارباً . أصابته الطلقة فى كتفه . وبدلاً من أن يتمسك إبراهيم بحقه فى القصاص من زوجته الخائنة وعشيقها الذى حاول قتله.. أقنعته الحيّة زوجته بأن يقول فى التحقيقات أنه قد أصابته الطلقة النارية فى الشارع، وأنه لم ير الفاعل .. وكان لها ما أرادت . لا تلوموا إبراهيم ؟؟! لقد حاول حتى آخر لحظة أن يحافظ على بيته الذى بذل أجمل سنوات عمره ليبنيه .. وما ذنب ابنه الرضيع ليشقَى بعار أُمًّهٌ طَّوَال العمر . قَرَّر إبراهيم أن يترك قريته التى شهدت مولده وطفولته وشبابه .. ليست قريته فقط بل المحافظة بأكملها .. ليذهب إلى أبعد مكان ممكن .. ليبدأ حياة جديدة ويحاول أن ينسى الماضى الأليم . وعندما علمت الزوجة العشيقة بِنِيَّة إبراهيم دار الحديث التالى : العشيقة :- إبراهيم عايزنا نسافر ونسيب البلد العاشق :- مش هيلحق .. العشيقة :- إزاى ؟؟ العاشق :- هَجيبلك طَلَب .. حُطِّيه فى الدولاب . وبعد يومين كان ضابط المباحث فى منزل إبراهيم يُخرِج من دولابُه لفافات البانجو، بُناءً على بلاغ من مجهول، وألقى القبض على إبراهيم، ومن ثَمَّ حُكِم عليه بثلاث سنوات .. سيقضيها فى غَيَاهِب السجون والظلم والغدر والخيانة .. والغضب مِنْ نفسه وطِيبَتها .. وزوجته وخيانتها .. والدنيا وقساوتها .. وفين يا طبيب الدواء اللى يداوينى .. مجروح وقلبى إنكوى بخيانة مُحِبينى.