نقلا عن اليومى.. تجارب وتوجهات اقتصادية متباينة قامت عليها نهضة العديد من الدول العالم، فصارت مثلا يحتذى لغيرها من دول العالم، حتى وإن نالت ظروف من بعض هذه التجارب وأعاقتها عن أن تصل إلى تحقيق هدفها كاملا. ويجمع الخبراء والمحللون على ضرورة أن يتبنى رئيس مصر الجديد خطة عمل تعطى الأولوية لإطلاق مشروعات التنمية الاقتصادية والإسراع بتحويل مصر إلى دولة ذات ثقل من الناحية الاقتصادية، فيما تتعدى آراؤهم ونصائحهم بشأن ما يجب أن يركز عليه الرئيس الجديد لتحقيق ذلك الهدف، وتقول الدكتورة نورهان الشيخ أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن لكل دولة خصوصية، ومن الخطأ نقل برنامج اقتصادى لدولة أخرى بحذافيره، «فهناك دول تعتمد على مواردها البشرية وهناك دول تعتمد على مواردها الطبيعية». وتضيف: أنه لكى يحقق الرئيس القادم تنمية اقتصادية، فيجب عليه الاعتماد على القطاع السياحى، مع العمل على استغلال دعم القطاع الزراعى والصناعى، بما يقود إلى صناعة نموذج اقتصادى خاص بمصر، موضحة أنه لكى يعود القطاع السياحى إلى طبيعته ونشاطه السابق فإننا نحتاج إلى 3 شهور فقط لاستعادة السياحة الأوروبية، أما بالنسبة للدول العربية فإن السياحة الخليجية لا تحتاج إلى وقت كبير لكى تعود من جديد. وترى «الشيخ» أن فرصة مصر أقوى بكثير من دولة كالبرازيل فى تحقيق نهضة اقتصادية، لتمتعها بعدة عوامل، منها موقعها الجغرافى الذى يتوسط العالم، فيما يلفت أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس الدكتور جمال سلامة إلى صعوبة تطبيق برنامج اقتصادى خاص بدولة فى دولة أخرى. وهناك تجارب مختلفة للتنمية فى العالم، بعضها فى دول تشبه أحوالنا وبعضها يختلف، فهناك تجربة كوريا الجنوبية التى تقدم تنمية ضمن الاقتصاد الغربى والعالمى، وتجربة لولا دا سيلفا فى البرازيل التى مثلت اليسار الذكى وأخرجت الدولة من الديون والتبعية، وهناك تجربة الصين حيث التنمية الواسعة الشمولية التى خلقت تنافسية، وأيضا تجربة الرئيس الفقير فى أوروجواى.. وعلى الرئيس أن يقرأ هذه التجارب وربما تستفيد منها مصر أو تسلك طريقا مختلفا. ماليزيا من دولة فقيرة إلى نمر اقتصادى على الرغم من أن دولة ماليزيا كانت تمتلك من مقومات الانهيار ما كان يمكن له أن يجعلها فى مصاف الدول الفاشلة، إلا أنها صنعت تجربة اقتصادية صارت مثالا لغيرها من دول العالم، فماليزيا لم تحصل على استقلالها إلا فى عام 1957، وعانت من حالة عدم الاستقرار السياسى التى بلغت ذروتها فى اضطرابات عام 1969، فضلا على أنها كانت واحدة من أفقر دول العالم حتى وقت ليس ببعيد. وحينما تولى مهاتير محمد رئاسة الحكومة فيها قرر تطبيق النموذج الاقتصادى اليابانى وتبنى أمام شعبه شعار «أن تكون ماليزيا يابان جديدة فى آسيا»، حيث سارع إلى وضع خطة مستقبلية لتحويل بلاده من الاقتصاد القائم على الزراعة إلى الاقتصاد المستند إلى الصناعة، خاصة فى مجال إنتاج أجهزة وبرمجيات الكمبيوتر والإلكترونيات، وتركز اهتمام مهاتير محمد على فرض تعليم أساسى بمناهج موحدة تضعها الحكومة حتى يصبح أفراد الشعب على مستوى تعليمى واحد متطور، كما اهتم بمشروعات البحث العلمى وبراءات الاختراع ودشن مشروعات البنية الأساسية اللازمة لقيام النهضة الصناعية الكبرى. واعتمدت حكومة مهاتير محمد على قروض ضخمة من صندوق النقد الدولى وتمكنت بلاده من النهوض والاستغناء عن الاقتراض بعد أن تحولت من دولة فقيرة ومتخلفة إلى واحدة من النمور الاقتصادية، فيما كان واحدا من الأعمدة التى قامت عليها تجربة مهاتير محمد هى الاعتماد على دولة مناسبة تقدم الدعم لماليزيا فى تجربتها نحو التقدم والتنمية. وعمل مهاتير على إضافة مناهج تعليمية تغرس الانتماء داخل تلاميذ المرحلة الابتدائية؛ فضلا على تدريس مناهج خاصة بالمجالات المهنية والفنية التى تتيح للطلاب فرصة تنمية وصقل مهاراتهم، وعمد مهاتير لإنشاء الكثير من معاهد التدريب المهنى التى تستوعب طلاب المدارس الثانوية وتؤهلهم لدخول سوق العمل فى مجال الهندسة الميكانيكية والكهربائية وتقنية البلاستيك، وكان من أشهر هذه المعاهد معهد التدريب الصناعى الماليزى، الذى ترعاه وزارة الموارد البشرية. وبالتوازى مع الاهتمام بالتعليم دخلت ماليزيا فى التسعينيات مرحلة صناعية مهمة؛ وذلك حين شجعت الصناعات ذات التقنية العالية وأولتها عناية خاصة، كما عملت على التصنيع فى الأسمنت والحديد والصلب، بل تصنيع السيارة الماليزية الوطنية «بريتون»، ثم التوسع فى صناعة النسيج وصناعة الإلكترونيات التى صارت تساهم بثلثى القيمة المضافة للقطاع الصناعى وتستوعب %40 من العمالة. الأوروجواى أفقر رئيس فى العالم يوصف رئيس دولة الأوروجواى «خوسى موخيكا» بأنه «الأفقر» من بين رؤساء العالم، فقد كان يعيش فى بيت ريفى بمزرعته ويرفض العيش فى القصر الرئاسى، ويرفض فكرة الحراسة المشددة، كما كان راتبه الشهرى 12 ألفا و500 دولار، وكان يحتفظ لنفسه بنسبة %10 منه فقط ويتبرع بالباقى للجمعيات الخيرية فى بلاده، فيما يقول مؤشر منظمة الشفافية العالمية إن معدل الفساد فى دولة الأوروجواى انخفض بشكل كبير خلال ولاية موخيكا، إذ يحتل هذا البلد الواقع فى أمريكا الجنوبية المرتبة الثانية فى قائمة الدول الأقل فسادا فى أمريكا اللاتينية. ولا يتبنى خوسى موخيكا المنتمى لحركات اليسار المسلح أسلوبا شعبويا فى سياسته، بل يتصرف ويعيش ببساطة، وهو قليل الظهور فى وسائل الإعلام، لذلك يوصف بالرئيس العملى الذى يصنف بالأكثر قربا من شعبه فى العالم، وتطلق عليه وسائل الإعلام «أفقر رئيس فى العالم أو رئيس الفقراء»، بسبب تواضعه رغم رئاسته للبلاد، هذا بالتحديد ما يميزه عن جميع رجال السياسة فى العالم. البرازيل ماسح الأحذية يقود النهضة «أنا أغادر الرئاسة.. لكن لا تعتقدوا أنكم ستتخلصون منى لأننى سأكون فى شوارع هذا البلد للمساعدة فى حل مشكلات البرازيل»، بتلك العبارة أنهى الرئيس البرازيلى السابق لولا دا سيلفا فترة حكمه للبلاد، بعد أن استطاع وضع خطة اقتصادية انتشل بها بلاده من وحل الفقر إلى مرحلة التقدم الاقتصادى. كانت البرازيل فى فترة التسعينيات وبعد تراجع الجيش تماما عن الحياة السياسية، تتبنى السياسات الاقتصادية الرأسمالية، والانفتاح الاقتصادى، والخصخصة، ما أدى إلى زيادة البطالة وتراجع الإنتاج المحلى ومعدلات التصدير، كما غرقت البلاد فى الديون، حيث ارتفع حجم الدين الخارجى من 150 إلى 250 مليار دولار. وقد ورث دا سيلفا تركة ثقيلة من المشكلات الاجتماعية، منها تردى التعليم، وانعدام الأمن وانتشار الجريمة، فضلا على مشاكل الجوع والبطالة والفقر، وانقسام المجتمع إلى طبقتين، الأولى شريحة تتمتع بثراء فاحش، وأخرى تعانى فقرا مدقعا بينما كادت تختفى الطبقة المتوسطة، فى ظل انعدام شبه كامل للعدالة الاجتماعية، وبنهاية عام 2010 أدت سياسات دا سيلفا الاجتماعية والاقتصادية إلى ازدياد حجم الطبقة المتوسطة فى البرازيل إلى %58. أولى خطوات البرازيل فى اتجاه النهوض الاقتصادى تمثلت فى تنفيذ برنامج صارم للتقشف، وفقا لخطة صندوق النقد الدولى بهدف سد عجز الموازنة والقضاء على أزمة الثقة فى الاقتصاد البرازيلى عالميا، وارتفاع التصنيف الائتمانى للبلاد، وبالتالى تقليل انعدام الثقة فى الاقتصاد، ونتيجة لذلك تلقت البرازيل نحو 200 مليار دولار استثمارات مباشرة فى الفترة من عام 2004 إلى 2011، البرازيل التوسع فى الزراعة واستخراج النفط والمعادن، وأصبحت منتجة لمحاصيل زراعية متميزة، واعتمدت على تصدير الخام من النفط والمعادن، واستفادت من ارتفاع أسعاره فى الأسواق العالمية قبل الأزمة العالمية فى 2008، فيما اتجهت السياسات الاقتصادية للرئيس دا سيلفا للاهتمام بالصناعات البسيطة أو الصناعات التقنية المتقدمة. حكومة دا سيلفا عمدت أيضا إلى تنشيط السياحة ولم تكتف باجتذاب السياح عن طريق الطبيعة الجغرافية لها. وقدم دا سيلفا العديد من برامج الإصلاح الاجتماعى لحل مشكلة الفقر، من خلال وقف عمليات تصنيع الأسلحة، وتعامل دا سيلفا الذى عمل قبل توليه الرئاسة كماسح للأحذية وكصبى فى محطة وقود، ثم حرفى فى ورشة، وبعد ذلك ميكانيكى لإصلاح السيارات، وبائع خضروات، تعامل الرجل أثناء ولايته بشفافية تامة فى عرض كل ما يخص البرازيل وخططها ومواردها، فكسب ثقة شعبه.