سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
حال حديقة حيوانات الجيزة لا يسر حيوان ولا إنسان.. الزوار يشكون تدهور أوضاعها وغياب النظافة والرقابة على "مافيا الباعة والعمال".. ناشطة بيئية: ما يحدث فى الحديقة يخالف كافة معايير حدائق الحيوان الدولية
حين تنوى زيارة المكان الذى عرف قديمًا ب"درة تاج حدائق الحيوان الإفريقية" ستراودك الكثير من الأحلام حولها، فهى الحديقة التاريخية التى وضع تصميمها المهندس الذى وضع تصميم برج إيفيل الفرنسى، تقرأ إنها تحفة فنية بدءًا من البوابة الثرية بالزخارف الفنية المتقنة لحيوانات مختلفة، مرورًا بأرضيتها المرسومة بإتقان، وصولاً للحيوانات النادرة داخلها، ولكن ما إن تطأ أقدامك أبواب الحديقة حتى تبدأ هذه الصورة الوردية فى التداعى. البوابة الجميلة التى صارت ملامحها باهتة، لا تكاد تراها من عدد الباعة الجائلين، بين بائع السودانى الذى يأكله البعض ويطعمه الآخرون للحيوانات، وبين بائعى الألعاب للأطفال، حيث يمثل المكان بالنسبة لهم سوقًا رائجة، بفضل عدد الأطفال الكبير الذى يزور المكان، فضلاً عن السياح، تفتش عن الأرضية، التحفة الفنية التى حلمت بمشاهدتها عن قرب لتفاجأ ببرك من المياه غير النظيفة المتراكمة فوق الحفر المتناثرة فى الأرضية، يعوم فوقها عدد لا بأس به من أوراق الأشجار، إضافة إلى أكياس حلوى أطفال وبقايا وجبات الأسر التى زارت المكان. وعلى امتداد الحديقة التى تبلغ مساحتها 80 فدانًا تلاحظ طوال طريقك أن الباعة بالمكان ربما يفوق عددهم عدد الحيوانات، سواء كانوا باعة جائلين للألعاب وعقود الفل والياسمين وغيرها من البضائع، أو مستأجرين للمكان بتصريح من الحديقة لتزيين وجوه الأطفال، أو لبيع الشاى والحلويات والمشروبات الغازية والذين مع الوقت يفرضون عليك مشروبًا جبريًا إذا قررت أن تجلس لتستريح على أحد المقاعد المحيطة بمكانهم، والتى هى بالأساس ملك للحديقة. تتجاهل كل ذلك وتركز على الحيوانات فتشعر بأسى مضاعف تجاههم، فبين مضايقات الزوار والظروف المعيشية السيئة يعانى الكثير من حيوانات الحديقة، وهو ما تنتقده الناشطة فى حقوق الحيوان والبيئة، ومنسق رابطة "آوار" للتوعية بالحيوان دينا ذو الفقار التى تقول "أكثر ما يؤلم فى حديقة حيوان الجيزة هو أماكن مبيت الحيوانات غير المناسبة، على سبيل المثال الأقفاص التى وضعت فيها السباع والتى لا تتخطى مساحتها 4 فى 4 أمتار والتى تسبب أضرارًا كبيرة لهذه الحيوانات التى تحتاج إلى الحركة والانطلاق حتى لا تصاب بالكساح ولا تتضرر نفسيًا"، وتتساءل مستنكرة "لماذا نضع أكثر من حيوان فى مساحة ضيقة وظروف معيشية سيئة، إننا من الممكن أن نقلل العدد ونحسن ظروفهم المعيشية"، تتابع "يسوؤنى كثيرًا أن أرى حيوانات تعيش بطبيعتها فى قطيع ونجد منها فردًا واحدًا فى الحديقة كالحمار المخطط مثلاً". وتضيف الناشطة البيئية "تحدث فى الحديقة الكثير من التجاوزات المخالفة لكل معايير حدائق الحيوان الدولية، منها مثلاً السماح للأطفال والزوار بشكل عام بالتصوير مع أشبال الأسود الصغيرة، وملامستهم وهو ما يسبب أضرارًا بالغة للأشبال وللإنسان أيضًا"، وتوضح "هذا التلامس بين الحيوان والإنسان قد يتسبب فى نقل الأمراض فيما بينهم، سواء من الحيوان إلى الإنسان أو العكس، لا سيما أن الأشبال الصغيرة كالأطفال، مناعتها ضعيفة لصغر سنها، فماذا لو أن أحد الزوار يحمل فيروسًا خطيرًا كالسل مثلاً أو الدرن؟ سينتقل المرض على الفور إلى الحيوان حين يقترب منه الزائر، ومن الحيوان إلى زوار آخرين، وإلى باقى الحيوانات"، تتابع "هذا فضلاً عن الألم النفسى الذى يصاب به الشبل لانتزاعه من حضن أمه، كما أنهم فى بعض الأحيان يحقنون الشبل بالمسكنات، كى لا يؤذى الزوار من الأطفال خاصة إذا أمسكوا أذنه أو ذيله أو حاولوا إيذاءه بأى شكل". وفى زيارة ل"اليوم السابع" إلى الحديقة، استطلعنا رحلة "التصوير مع الشبل" التى لا تطلب من الزائر سوى دخول بيت السباع وتنهال عليه العروض متفاوتة الأسعار من المصورين لالتقاط صورة مع الشبل الصغير، يتفاوت السعر حسب عدد الزبائن و"شطارتهم"، ففى حين يمكن أن تلتقط صورة ب20 جنيها مع الشبل، يمكن ببعض التفاوض أن تحولها إلى 15 أو 10 جنيهات، خاصة إذا كنت ستأخذ أكثر من صورة، ليصطحبك المصور إلى غرفة مغلقة تجد نفسك فيها فى مواجهة الشبل الصغير دون أية حواجز أو موانع، ولا تنس قبل أن تخرج أن "تحلى بق" حارس الشبل بحد أدنى 5 جنيهات، و"أنت وذوقك". وترى "ذو الفقار" أن غالبية مشاكل الحديقة ترجع لأسباب اقتصادية، لأن السماح بالتصوير مع الحيوانات يتم بموافقة الحديقة بموجب عقود رسمية تعطى امتيازًا لمستأجرين بتصوير الحيوانات بشكل مباشر دون حواجز، كما أن التجاوزات التى يسمح بها بعض العمال، كالسماح للزوار بالاقتراب من الحيوانات ولمسهم مقابل جنيه أو اثنين ترجع أيضًا لأسباب اقتصادية، أهمها تدنى أجور العمال بشكل غير إنسانى، مشيرة إلى أن غالبية العمال يعملون بعقود ويتقاضون 4 جنيهات عن اليوم فقط، وليس لهم أى معاش. وطالبت الناشطة البيئية بضرورة وجود شفافية فى ما يتعلق بميزانية الحديقة وكيفية تحديد أولوياتها واحتياجاتها، مشيرة إلى أنه فى الوقت الذى تعانى فيه الحديقة من عجز يؤدى إلى التقصير فى حقوق الكثير من الحيوانات، نجد قرارًا بشراء 3 زرافات بمبلغ 1.5 مليون جنيه، فى العام الماضى، وأوضحت "أنا لا أتهم أحدًا بالسرقة أو ما إلى ذلك، ولكن على الأقل نحتاج إلى إدارة جيدة لأولوليات واحتياجات الحديقة". وتقول الناشطة البيئية سندريلا البدرى "منذ عام تقريبًا وأنا أزور الحديقة مرة أو اثنتين فى الأسبوع، وألمنى جدًا الحال السيئ للحيوانات، فأسست مع مجموعة من محبى الحيوانات مجموعة باسم "معا لإنقاذ حديقة حيوان الجيزة" فى محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وعرضنا بالفعل تقديم مساعدات طبية ومادية للحديقة لتحسين الأوضاع، ولكن الإدارة وضعت فى طريقنا العراقيل ورفضت بطريقة غير مباشرة أية مساعدات"، وتوضح "عرضنا مد الحديقة بقرابة عشرين طبيبًا بيطريًا من طلبة السنة النهائية بالكلية، ليتدربوا تحت أيدى أطباء الحديقة ويساعدونهم فى رعاية الحيوانات، مما يحقق فائدة مزدوجة للطلاب من جهة اكتساب خبرة، وللحديقة من جهة توفير رعاية طبية كافية للحيوانات بالحديقة، ولكن إدارة الحديقة رفضت ذلك وأخبرتنا أن المكان الوحيد المتاح هو لطبيب واحد فقط". فيما استنكر مفتش الآثار محمد ممدوح إغلاق الأماكن الأثرية بالحديقة مثل الكشك اليابانى والاستراحة الملكية وجبلاية الشمعدان ومتحف الحيوان، بدعوى الترميم والتطوير، لافتًا إلى أنه تقدم بمذكرة لوزارة الآثار باستطلاع أوضاع هذه الأماكن وبعد فحصها ومعاينتها ثبت أنها لا تحتاج سوى بعض الإصلاحات البسيطة والدهانات الخارجية والتى لا تتطلب أبدًا إغلاقها، إلا أنها لا تزال مغلقة حتى الآن، ولا يسمح للزوار برؤيتها رغم قيمتها التاريخية الكبيرة. وأثار تدهور أوضاع الحديقة استياء الزوار أيضًا، الذين عانوا الأمرين من "مافيا العمال والباعة" داخلها، فيقول "أحمد مصطفى" الذى يزور الحديقة بصحبة طفليه وزوجته "إحنا دفعنا فى التذكرة 5 جنيه، لكل فرد، لكن فى الحديقة دفعنا أكتر من 100 جنيه، شويه للعمال وشويه للشاى والمايه والحاجة الساقعة اللى بيضاعفوا ثمنها بشكل مبالغ فيه جوا الحديقة، لكن بنضطر نروح علشان العيال"، فيما استنكر المهندس وئام محمود الذى يزورها بصحبة أطفاله الثلاثة أيضًا "وضع الحديقة سيئ جدًا، أنا زرت الهند والصين وبلاد كثيرة وعمرى ما شفت حديقة بالوضع دا، مافيش نظافة ولا نظام والحيوانات وضعها بائس، والعمال ما بيلتزموش بيونيفورم واحد علشان نعرف مين شغال فعلاً هنا ومين بيضحك علينا، ومافيش أى رقابة فى أماكن كثيرة حتى إن بعض الأطفال بيدخلوا لأماكن تواجد الحيوانات ومافيش حد بيمنعهم"، وتابع "دا غير المظاهرات اللى فجأة تقلب الدنيا ونضطر لمغادرة الحديقة وسط دخان وغاز وخوف، الوضع سيئ فعلاً للحيوانات وللبنى أدمين".