قبل الثورة فى 25 يناير كنّا إذا تساءلنا ماذا نفعل كانت تأتى الاجابة: نفعل مثلما فعلت تونس، والآن وبعد فشل التجربة الإخوانية الجهنمية المهلبية فى الحكم نتساءل: لماذا فشلت التجربة؟ وكالعادة تأتينا الإجابة من تونس. يقول راشد الغنوشى زعيم حركة النهضة التونسية فى محاضرة له منذ أيام فى معهد كارنيجى: "وكانت الترويكا بين النهضة وحزبين علمانيين، دليلاً على اقتناعنا بأن تونس لا تحكم بغير الوفاق، وأن المراحل الانتقالية لا تدار بمنطق الأغلبية والأقلية"، وهذا بالضبط الدرس الذى لم يفهمه الإخوان عندنا فى مصر. ولم يفهموا أن لحظات التحول التاريخية التى تمر بها مصر لا يجب أن تدار بمنطق المكايدات السياسية وإقصاء المنتصر للمهزوم و"موتوا بغيظكم"، فى واحدة من أسوأ واحط حالات الاستغلال لأية قرآنية كريمة!! لم يفهم هؤلاء أن قيادة الوطن نحو النهوض والتقدم خصوصًا فى مراحل الانتقال بعد الثورات يحتاج إلى نفسية متجردة متسامحة مع الجميع حريصة على مصلحة الناس والوطن بكل انتماءتهم وولاءتهم.. تحتاج إلى نفسية متصالحة ومنفتحة مع المخالفين لها فى الموقف والمعتقد.. تحتاج إلى أفق رحب يتسع للجميع ويستفيد من كل كفاءات الوطن المتنوعة من أجل البناء والنهوض بعد سنوات عجاف من التخلف والفقر والقهر. كنا نتمنى لو وعوا الدرس كما وعته حركة النهضة فى تونس التى تنازلت عن الحكم وهى صاحبة الأغلبية وصاحبة الحق فى رئاسة الحكومة لفريق علمانى مختلف عنها ومعها من أجل صالح الوطن وتماسكه، وبرر الغنوشى ذلك التنازل قائلاً: "خسرت الحركة السلطة لكن ربح الوطن كله".. نعم ربح الوطن بتماسكه وتوافقه ووحدة قواه السياسية. أمّا عندنا فاشتعلت حرب أهلية سياسية بسبب عناد وتحجر من معه الأغلبية واستئثاره وحده بالسلطة رغم وعوده بعكس ذلك، فكانت سوءتين: سوءة نقض العهد واستئثار السلطة!!. لكن لماذا فهمت تونس الدرس ولم يفهمه الإخوان عندنا؟! لا ندرى.. لكن يبدو أننا سيئو الحظ. كنا نتمنى لو قدموا للعالم كله نموذجًا إسلاميًا ناجحًا ومبهرًا يقنع العالم فعلاً لا قولاً بأن الإسلام هو الحل وأنه لا يتعارض -بل يأمر- بقيم الحرية والعدل والمساواة والعمل والكفاءة.. نموذجًا يحارب الفقر والفساد والمحسوبية، نموذجًا يذكرنا بسيرة بسيدنا عمر بن الخطاب الذى جلد ابن سيدنا عمرو بن العاص لأنه أهان قبطيًا. كنا نتمنى كل هذا منهم.. لكن ماذا تقول فى قلوب وعقول عليها أقفالها !!. قلوب مغلقة رأت فى كل من يخالفهم الرأى والموقف متأمر ضدهم وكاره لهم وحاقد عليهم يريد أن يقضى على المشروع الاسلامى الذى لم نرى له أى إمارة.. ومع تسليمى بوجود المتأمر والحاقد.. لكن هل كل من خالفهم متآمر عليهم؟! أما العقول المغلقة فتجلت فى استعانتهم بأهل الكفاءة المعدومة ووضعهم فى مواقع المسئولية طالما أنهم من الجماعة أو يدينون لها ولمرشدها بالولاء والنطاعة، كنا نتمنى أن يكون بينهم رجل راشد.. مثل راشد الغنوشى.