صدر عن دار الكتب الوطنية فى هيئة أبوظبى للسياحة والثقافة الترجمة العربية من كتاب "جنكيز خان، الحياة والموت والانبعاث" لجون مان المؤرخ البريطانى المتخصص فى الصين ومنغوليا، وهو من ترجمة حسن عبد العزيز عويضة. يقدم المؤلف صورة مفصلة لحياة وشخصية جنكيز خان الغامضة والتى ظلت محل جدل على مر العصور، فبرغم قلة المصادر المتعلقة بزعيم القرن الثالث عشر إلا أن الكاتب يورد رواية آسرة وشائقة لحياة جنكيز منذ ميلاده وحتى وفاته وإلى أبعد من ذلك، فقد ذهب المؤلف فى رحلة للبحث عن جنكيز خان عبر سهوب آسيا الوسطى والصين وجبالها، كما غاص الكاتب فى أعماق شخصية هذا القائد الذى اقترن اسمه دوما بالموت والدمار، ليسلط الضوء على شخصية جنكيز خان الإنسان المحب لأمته والذى استطاع النهوض بها من القبيلة إلى الإمبراطورية، كما يعرج الكاتب على العبقرية العسكرية والذكاء السياسى والولاء والشجاعة فى حياة "فاتح العالم" كما يلقب، ويتجلى ذلك من خلال الأثر والإرث الكبير الذى تركه لأبناء أمته بعد وفاته، لدرجة أنه لم يزل حيا فى الذاكرة الشعبية بعد مرور ثلاثة عشر قرنا من الزمن. ويصف المؤلف كتابه بأنه "محاولة لفهم تأثير جنكيز فى عالمه وعالمنا" وقد اتضحت بعض هذه التأثيرات فى وقت لاحق، كما يقول، إذ دُفع جنكيز بسبب الفقر والإذلال (كما نقول) أو بأوامر إلهية (كما يدعى هو) إلى حياة الغزو، ليصبح مؤسسا لإمبراطورية هى الأكثر اتساعا من حيث المساحة فى العالم، وليصبح أيضا رجلا خالدا، ليس فى جينات أحفاده لكن أيضا فى عالم كان قد تغير كلية بهجوم مقاتليه البدو، لذا تضمن مسعى الرحلات نوعين: العودة بالزمن إلى الوراء، بمساعدة ما أمكن العثور عليه من الكتب، وعبر آسيا الوسطى، بدء من الجبال التى أمضى فيها جنكيز شبابه، إلى مسارح الأحداث التى وقعت فيها كثير من غزواته، إلى الوادى الخفى الذى ربما يكون قد مات فيه، وأخيرا إلى الجبل المقدس الذى اعتبره مصدر إلهامه المقدس، حيث من المرجح أنه يرقد فى قبر سرى، لكنه لا يرقد بسلام، إذ جمعت إمبراطورتيه منغوليا والصين معا، بنتائج اجتماعية وسياسية مروعة أدت إلى اندلاع النزاع طوال القرون الماضية، ولازال النزاع حتى اليوم، ففى كل مكان يسافر إليه المغول يلازمهم فيه طيف جنكيز. ويورد المؤلف مقالة فى المجلة الأمريكية لعلم الوراثة البشرية منشورة فى مارس 2003 تفترض أن رجلا واحدا عاش فى منغوليا فى القرن الثانى عشر قد بعثر مادته الوراثية عبر نصف "أوراسيا" بحيث أصبحت مادته الوراثية الآن مشتركة مع رجل واحد من كل مئتى رجل يعيشون اليوم. ويرى المؤلف أن غزوات جنكيز صاغت روابط جديدة بين الشرق والغرب، إذ بنى هو وورثته أو أعادوا بناء أسس الصين الحديثة، وروسيا وإيران وأفغانستان وتركيا وسوريا والتبت والبلدان الجديدة فى آسيا الوسطى وأوكرانيا والمجر وبولندا، وأعادت الغزوات ترتيب أديان العالم الرئيسية، وأثرت فى الفن وأسست أنماطا جديدة من التجارة، وبقيت التأثيرات كحجارة أساس فى التاريخ الأوراسى.