مرت، أمس، ذكرى وفاة أمير الشعراء أحمد شوقى، الشاعر الذى لم يأتِ بعده من استطاع أن يتبوأ مكانته الشعرية فى مصر والعالم العربى، فمن يستطيع إنكار أن شوقى هو رائد التجديد فى الشعر العربى، وأنه المتفرد بلغته وشاعريته بين جميع شعراء عصره. التاريخ فى شعر شوقى يقول الشاعر فاروق شوشة "كان شوقى مغرمًا بالتاريخ تشهد على ذلك قصائده التى لا تخلو من إشارات تاريخية، ولا أظن أن قصيدة من بين قصائده تصور ولعه وعشقه للتاريخ مثل قصيدة "كبار الحوادث فى وادى النيل" التى ألقاها فى مؤتمر المستشرقين الدولى الذى انعقد فى جنيف سنة 1896، وكأنه بهذه القصيدة يقول للعالم بلغة الشاعر هذه مصر التى أمثلها بينكم، تاريخاً، وحضارة، إشراقاً وعبوساً، انتصارات وهزائم. وأشار شوشة، وبالرغم من احتشاد القصيدة بالوقائع والشخوص، يظل الشعر منساباً ومحلقاً فى كثير من المشاهد واللوحات المعتادة لشعر شوقى فى تجلياته الكبرى. اللغة فى شعر شوقى الشاعر محمد إبراهيم أبو سنة قال "إن شوقى أبرز شعراء عصر النهضة، استطاع فى السنوات الأخيرة أن يؤكد حضوره كشاعر رائد مجدد، ومبتكر، قدم لنا القصيدة بأسلوب يجمع بين التراث والمعاصرة، وتعتبر لغته لغة شعرية من الطراز الأول من حيث القدرة على الوصول إلى القارئ، وتجسيد التجربة، ومن حيث التواصل بين القديم والجديد. وأكد أبو سنة أنها بلا شك لغة متفردة، ولا شك أن حفظ شوقى للقرآن منذ طفولته قد غذى موهبته بكثير من عناصر الجزالة والقوة والفحولة من حيث الموضوع. شعر شوقى والسلطة د.سيد البحراوى يقول "كان واضحاً أن شوقى يمثل موهبة شعرية متميزة، ويكاد أن يكون خرج من إطار المدرسة الإحيائية، إلى مرحلة الرومانسية، فحاول من خلال قصائده التقليدية أو الحداثية أن يعبر عن مشاعره وتجاربه الخاصة، وأن يكسر التقاليد الشعرية القديمة بأوزان شعرية جديدة. وأضاف البحرواى "لكن تظل المشكلة الكبيرة الدائمة هى علاقة الشعر بالسلطة، فقد نُصب شوقى أميراً للشعراء، وربما كان وراء هذا التنصيب أنه كان شاعراً للأمراء، وهذا يقودنا إلى المشكلة السياسية بعلاقة المثقفين بالسلطة، وقد أثر ذلك على شوقى فى أن يواصل التجديد، حيث رفض الخديوى بعض استعاراته المجددة حينما جاء من فرنسا، فلم يكمل مجهوده فى تحقيق الجديد فى الشعر العربى، فعلاقة شوقى بالحكام حجمت إمكانياته فى تحقيق الإمكانية الشعرية فى أن تواصل التجديد. شوقى بين نقاد عصره يقول د.سامى سليمان "احتفى عدد من النقاد المعاصرين لشوقى بشعره، ورأوا أن ما قدمه يمثل إضافات فى مسار حركة الإحياء الشعرى، لكن منذ بداية عشرينيات القرن العشرين أخذت تظهر بعض كتابات النقاد الرومانسيين ككتابات عباس العقاد، وإبراهيم المازنى، اللذان وجها نقداً عنيفاً لشعر شوقى. وأضاف سليمان "وإذا نظرنا لهذا النقد سنجد أن التطورات النقدية التى طرحها الناقدان لاسيما العقاد استندت على أن الأدب والشعر تعبير عن ذات الشاعر، والقصيدة تكشف للقارئ عن شخصية الشاعر، ومن منطلق هذا التصور انتقد العقاد شعر شوقى وتوقف عند قصيدة رثاء مصطفى كامل، وسجل عليها مجموعة من المآخذ، ووصفها بأنها لا تكشف عن شعور حقيقى وعميق للأشياء التى يصورها. وأكد سليمان أنه من الإنصاف أن نقول إن بعض كتابات العقاد والمازنى كانت تجنياً على شوقى، وبعضها طرحاً جديداً لمفهوم الشعر، ولعل تجنيهما على شوقى يعود إلى أنهما كانا يمثلان جيلاً جديداً من الشعر والنقد يحاول أن يرفع صوته عالياً، ولم يكن أمامه إلا مهاجمة الشعراء الكبار حتى يتاح للحركة الأدبية المعاصرة أن تعلن عن نفسها.