وزير الخارجية يتفقد القنصلية المصرية في نيويورك    "المشاط" تختتم زيارتها لنيويورك بلقاء وزير التنمية الدولية الكندي ورئيس مرفق السيولة والاستدامة    نائب محافظ قنا يتابع تنفيذ أنشطة مبادرة بداية جديدة لبناء الإنسان بقرية بخانس    بايدن يوجه بإعادة تقييم شامل لانتشار القوات الأمريكية في الشرق الأوسط    السفارة المصرية في بيروت تطالب المصريين بلبنان الراغبين بالعودة بتسجيل بياناتهم    "600 مشجع زملكاوي داخل غرفة جعلونا نبكي".. شيكابالا يوجه رسالة مؤثرة بعد الفوز بالسوبر    "أنا ويل سميث".. شيكابالا يكشف تفاصيل حديثه مع تركي آل الشيخ    سموحه يهنئ الزمالك بالفوز بالسوبر الإفريقى    "منشأ العضلة".. الزمالك يكشف تفاصيل إصابة صبحي في الأمامية    جوميز: الزمالك يستحق التتويج بالسوبر.. والفوز على الأهلي له بريق خاص    خبير تحكيمي: ضربة جزاء الأهلي صحيحة والشحات يستحق الطرد    عضو الزمالك عن التتويج بالسوبر الإفريقي: رد على المشككين    زيزو: قرار البقاء في الزمالك الأعظم في حياتي.. وكنت سأسدد الركلة الخامسة    5 نعوش في جنازة واحدة.. تشييع جثامين ضحايا حادث صحراوي سوهاج - فيديو وصور    تفاصيل إصابة شاب إثر الاعتداء عليه بسبب خلافات في كرداسة    حبس تشكيل عصابي تخصص في سرقة أعمدة الإنارة بالقطامية    نبيل الحلفاوي يوجة رسالة للزمالك بعد فوزه بلقب السوبر الإفريقي    نشرة التوك شو| تحسن في الأحوال الجوية والشعور ببرودة الطقس أوائل أكتوبر    تحرك جديد.. سعر الدولار الرسمي أمام الجنيه المصري اليوم السبت 28 سبتمبر 2024    عيار 21 الآن يسجل تراجعا جديدا.. أسعار الذهب اليوم السبت «بيع وشراء» في مصر بالمصنعية    الشروع في قتل شاب بمنشأة القناطر    «هتشوفوا الصيف والشتا».. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم السبت (تفاصيل)    جيش الاحتلال: سنوجه ضربات جديدة لمبانٍ استراتيجية تابعة لحزب الله    «زى النهارده».. وفاة الزعيم عبدالناصر 28 سبتمبر 1970    حظك اليوم.. توقعات الأبراج الفلكية اليوم السبت 28 سبتمبر 2024    أول تعليق من أحمد العوضي بشأن تعرضه لوعكة صحية    أسعار الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم السبت 28 سبتمبر 2024    عباس شراقي يُحذر: سد النهضة قد ينفجر في أي لحظة    «زي النهارده».. وفاة رئيس الفلبين فرديناند ماركوس 28 سبتمبر 1989    برج الدلو.. حظك اليوم السبت 28 سبتمبر 2024: علاقة سابقة تسبب لك مشكلات    مجلس بلدية صيدا بلبنان: آلاف النازحين يفترشون الطرقات ولا يجدون مأوى    جامعة الأزهر تحتفي بالقيادات النسائية وتبرز دور المرأة في المجتمع    مقاول يتهم رئيس مجلس مدينة أوسيم بخطفه واحتجازه والاعتداء عليه والأمن يحقق    بلينكن: أمريكا ستتخذ كل الإجراءات للدفاع عن مصالحها في الشرق الأوسط    إضاءة أهرامات الجيزة وتمثال أبوالهول احتفالا باليوم العالمي للسياحة    إضاءة أهرامات الجيزة وتمثال أبوالهول لمدة ساعتين احتفالا باليوم العالمي للسياحة    "مش هفتي في قانون الكرة".. مراد مكرم يعلق على مباراة الأهلي أمام الزمالك في السوبر الأفريقي    وزير الخارجية: من غير المقبول إفلات دولة ترى نفسها فوق القانون من العقاب    جامعة كفر الشيخ تستعد لاستقبال طلابها في العام الجامعي الجديد    حماس تندد بخطاب نتنياهو في الأمم المتحدة    الأزهر للفتوى: معتقد الأب والأم بضرورة تربية الأبناء مثلما تربوا خلل جسيم في التربية    تزامنا مع مباراة الأهلي والزمالك.. «الأزهر للفتوى» يحذر من التعصب الرياضي    إصابة طفلة بحروق نتيجة صعق كهربي بالواحات البحرية    محافظ المنوفية: تنظيم قافلة طبية مجانية على مدار يومين بقرية دكما    «مياه مطروح» تنظم الندوة التوعوية الثانية بالمسجد الكبير    الوزارة فى الميدان    افتتاح المسجد الكبير بقرية «التفتيش» في سيدي سالم    العمل والإتحاد الأوروبي يبحثان إعداد دليل تصنيف مهني يتماشى مع متغيرات الأسواق    "الصحة" تطلق تطبيقًا لعرض أماكن بيع الأدوية وبدائلها    جراحة عاجلة للدعم فى «الحوار الوطنى»    كل ما تحتاج معرفته عن حكم الجمع والقصر في الصلاة للمسافر (فيديو)    سياسية المصرى الديمقراطى: نحن أمام حرب إبادة فى غزة والضفة    اتهام بسرقة ماشية.. حبس المتهم بقتل شاب خلال مشاجرة في الوراق    أذكار الصباح والمساء في يوم الجمعة..دليلك لحماية النفس وتحقيق راحة البال    استشاري تغذية: الدهون الصحية تساعد الجسم على الاحتفاظ بدرجة حرارته في الشتاء    علي جمعة: من المستحب الدعاء بكثرة للميت يوم الجمعة    محافظ الفيوم يعلن نجاح أول عملية قلب مفتوح بمستشفى طامية المركزي    بلغة الإشارة.. انطلاق النسخة الثانية من ماراثون يوم الصم العالمي بالإسكندرية (صور)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الطريق إلى قصر العروبة (الحلقة الأولى)
نشر في اليوم السابع يوم 03 - 09 - 2009


الطريق إلى قصر العروبة
قصة رئيس مصر القادم والقوى السياسية المؤثرة فى اختياره (الحلقة الأولى)
العناوين:
=أكثر من 10 قوى تؤثر فى اختيار رئيس مصر القادم ما هى أدواتها... قوتها.. وزنها.. علاقتها بالقوى الأخرى... اتفاقاتها السرية؟
= سيخرج بوش من الحكم صباح الثلاثاء 20 يناير القادم وسيأتى الرئيس الأمريكى الجديد لكن هل سيحدث ذلك عندنا فى أكتوبر 2011...الله أعلم.
= المسألة ليست مجرد مواد فى الدستور يمكن تغييرها بسهولة بل فى القوى السياسية التى ستؤثر فى اختيار رئيس مصر القادم.
= نظريا: لا يحق لنا السؤال عن اسم رئيس قادم لأنه نظريا أيضا سيظل مبارك جالسا فى السلطة وهو فى هذا لا يخالف الدستور!!
سأل السيناتور الأمريكى جون كيرى الدكتور فتحى سرور رئيس مجلس الشعب أثناء زيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية عن الرئيس القادم إلى قصر العروبة والذى من المنتظر أن يخلف الرئيس مبارك، فرد عليه الدكتور سرور قائلا: (وهل تعلم أنت الرئيس القادم بعد جورج بوش؟).
ورغم قصر السؤال وإجابته إلا أنهما يعبران تعبيرا حقيقيا عن ثلاث مفارقات عميقة اختلط فيها ما هو نظرى بما هو عملى فى مسألة الرئيس المصرى الجديد والقادم إلى قصر العروبة، وذلك على النحو التالى:
المفارقة الأولى: لم يحدد الدستور المصرى عدد فترات الحكم لرئيس الجمهورية، وبالتالى فإنه نظريا لا يحق لأحد بما فيهم السيناتور الأمريكى كيرى أن يسأل عن اسم الرئيس القادم للحكم بعد مبارك، حيث من الناحية النظرية البحتة فإن مبارك جالس فى السلطة ولن يخرج منها وهو فى هذا لا يخالف مواد الدستور!!
ملحوظة هامشية: كان المطلب الأعظم للقوى الوطنية فى مصر أثناء التعديلات الدستورية الأخيرة هو تحديد فترة حكم الرئيس لكن الرئيس مبارك رفض وبإصرار شديد وتركها مفتوحة إلى أن يشاء الله.
لكن من الناحية العملية- وهى الأهم هنا والأكثر واقعية فإنه فى عام 2011 القادم - موعد انتهاء فترة الولاية الخامسة للرئيس مبارك- سيكون قد تجاوز 82 عاما من عمره المديد، وبحكم الزمن والسن –نظريا- فإنها ستكون الولاية الأخيرة لحكمه، لذا فإن هذه القضية باتت تشغل ذهن الداخل فى مصر والخارج أيضا وتحديدا الولايات المتحدة فكان من الطبيعى أن يسأل كيرى سؤاله للدكتور سرور أو لأى مسئول.
المفارقة الثانية: كانت فى قلق الولايات المتحدة تجاه مسألة القادم إلى قصر العروبة ومن هو؟ فمن الناحية النظرية البحتة.. لا يوجد ما يستدعى كل هذا القلق والهواجس التى باتت تطارد كل مسئول مصرى إذا التقى نظيره الغربى.. إلا وكان السؤال عن الحاكم القادم ثالثهما، ونعود إلى الجانب النظرى فى الموضوع والذى يبدد جميع المخاوف حوله، فقد حدد الدستور المصرى ورسم وبشكل دقيق طريقة انتقال السلطة وكذلك اختيار رئيس الجمهورية (نظريا طبعا).. كأنها مسطرة تقيس وتحسب الخطوة، حتى أن الدستور لم يترك فرضية حالة الفراغ التى قد تنشأ فجأة لغياب رئيس الجمهورية لسبب أو لآخر، لذا كان طبيعيا أن تصدر تصريحات أقطاب الحكم وحزبه باستمرار لتؤكد هذا المعنى.
وإذا تركنا جانبا الناحية النظرية.. وتحدثنا فيما هو عملى وحقيقى وواقعى، سنعرف ونتفهم أسباب القلق الأمريكى حول شخصية الحاكم القادم لمصر، لأن المسألة ليست مواد فى الدستور يمكن تغييرها فى (قعدة) وبجرة قلم حاكم –كما نعرف جميعا- وهذه حقيقة، لكن القضية تبحث فيما هو أبعد وتحديدا عن القوى السياسية التى تحكم وتتحكم فى اختيار شخصية الرئيس، لذا كان سؤال كيرى يبحث عن (القوى السياسية) وليس (النصوص الدستورية) والفارق بينهما كبير، الأولى وهى القوى السياسية تعبير عن النفاذ والسيطرة والواقعية أما الثانية وهى نصوص الدستور فهى تعبير عما هو نظرى أو يفترض أن يكون وبالتالى ليس تعبيرا عن الحقائق.
أما المفارقة الثالثة والأخيرة عميقة الدلالة فى واقعة سؤال السيناتور الأمريكى فكانت فى إجابة قطب السلطة الكبير وحامل أختامه الدكتور سرور عندما قال لكيرى: وهل تعرف أنت من القادم بعد بوش؟. (وكأنه يجيب على سؤال لأحد نوابنا إياهم فى مجلس الشعب الموقر).
المؤكد أن كيرى قد أخفى ابتسامته لأن كل دول العالم تعلم تماما أن اسم الرئيس القادم بعد بوش الابن لن يخرج عن مرشحى الحزبين الجمهورى (جون ماكين) والديمقراطى (كلينتون أو أوباما)، هذا من الناحية الفعلية والعملية، كما أن ما يحدث فى الانتخابات الأمريكية هو تعبير حقيقى وواقعى عن القوى السياسية الحاكمة فى الولايات المتحدة، أضف إلى ذلك عدم وجود احتمالية سيناريوهات أخرى بديلة أو افتراضية - مثلما يقول أهل السياسة، لذا فسوف يغادر بوش الابن البيت الأبيض صباح الثلاثاء 20 يناير 2009 تصحبه السلامة إلى مزرعته الخاصة ولن يتخذ أى حركة (نص كم) مثل عملية فتح الدستور.. للبحث عن مادة تائهة هنا أو هناك تسمح له بالتمديد عبر تعديلات دستورية يتم طهيها فى مطبخ الحكم، شىء من هذا لن يحدث فى أمريكا وسيخرج بوش من البيت الأبيض فى اليوم والساعة، لأن كل شىء مرسوم بدقة (وبجد) وليس كدستوربلاد.. كل الاحتمالات فيها مفتوحة.
أذن السؤال عن القادم إلى قصر العروبة أصبح مشروعا على المستويين الداخلى والخارجى وهذا يتسق مع أهمية المنصب ومكانة الموقع، لذا ستظهر الأسئلة التى تبحث عن القادم ومن أين سيأتى؟ وما هى القوى السياسية التى ستأتى به؟ وعشرات بل مئات الأسئلة وكلها مشروعة وواقعية –وليست نظرية كإجابات الدكتور سرور وأقطاب النظام- لكنها جميعا أسئلة مفتوحة على شوارع من الإجابات.
هنا ومن خلال هذه السلسلة من الحوارات.. سنبحث فى جريدة الدستور وعبر هذه الحلقات هذه القضية التى تهمنا أكثر من السيد كيرى وعائلته وأمريكا والعالم.. بحكم أنها بلدنا التى نعيش فيها وسنموت إذا أذن الله لنا فيها، سنفعل وسنحقق أيضا ودونما انتظار من إجابة نظرية للدكتور سرور أو ما شابه، والمؤكد أننا سنصل إلى معرفة ما يدور أو ما يتوقع أن يدور حول الحاكم القادم، وأن كانت الإجابات تبدو لغزا لكنها ليست سرا، فى المقابل وقبل قراءة هذه الحلقات نود أن نتفق على عدد من الملاحظات والبنود المهمة على النحو التالى:
1- يلفت كاتب هذه السطور انتباه حضراتكم أن هذه الحلقات غير معنية باسم الرئيس الجديد القادم إلى قصر العروبة؟ ولا تبحث فى ذلك؟ وهل هو وريث أم مرشح؟.. كل هذا لا يهم (على رأى إحسان عبدالقدوس)... لكنها تسأل عن القوى السياسية التى تؤثر وتحسم شخصية رئيس الجمهورية فى مصر (أى رئيس جمهورية) وبطبيعة الأحوال والظروف فإن هذه القوى من حيث عددها وموازين قواها تؤثر فيها عدد من المتغيرات والتى تختلف من فترة لأخرى، لكننا اجتهدنا فى هذه الحلقات–وهو اجتهاد مشروع- فى تحديد أهم هذه القوى السياسية الرئيسية والمهمة، بعضها يؤثر تأثيرا مباشرا والبعض الآخر منها يؤثر بشكل غير مباشر، وقليل منها يمكننا اعتباره مثل العوامل المساعدة، لكنها جميعا وبلا استثناء مؤثرة وفاعلة وستؤثر أكثر فى مسألة اختيار حاكم مصر القادم مقارنة باختيار رؤساء مصر الأربعة منذ بداية الجمهورية عام 52، لذا تأتى أهمية هذه الحلقات الحوارية.
2- نشعر ورغم اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية بعد ثلاث سنوات- وهى بعمر الزمن قليلة- أن درجة الاهتمام بهذه المسألة ليس على المستوى المطلوب رغم أهمية الحدث، لذلك تأمل هذه السلسة أن تحرك راكدا وتزحزح ساكنا وتوقظ نائما.
3- إن اختيار الرئيس القادم لمصر هو الأخطر منذ إعلان الجمهورية، حيث كنا نعلم جميعا ومنذ الثورة اسم الرئيس (الوريث للدقة) القادم للحكم، لكن هذه المرة لا تبدو الأمور بهذه البساطة، حتى ولو جرت محاولات من قوى معينة بالسلطة لترسيخ اسم مرشح بعينه فى أذهان العامة والخاصة على حد سواء، إلا أن فرص وصول هذا المرشح (أو غيره) مرهونة بالعديد من المتغيرات والتى لم تعد ثابتة مثلما حدث مع رؤساء مصر منذ 52 فالحاكم القادم سيمر عبر قوى سياسية فاعلة وقوية ومؤثرة، لايزال قبولها لما يمكن تسميته (بالمرشح المحتمل) محل شك.
4- لا نود أن تتم قراءة هذه الحلقات بشكل مجتزأ يأخذ فقرة من سياقها ويترك أخرى، وأن الأفضل أن يتم التعليق عليها وإبداء كافة الملاحظات بعد الانتهاء من النشر حتى تكتمل الصورة الموضوعية التى نحرص عليها منذ السطور الأولى فى هذه الحلقات، وأن يضعها القارئ العزيز فى حجمها الذى لا يخرج عن كونه اجتهادا صحفيا ساهم فيه نخبة من كبار مفكرى مصر والمهتمين بالشأن العام بل لاعبين على مسرح الحياة السياسية على مختلف ألوان الطيف السياسية، بهدف استعراض كافة الآراء حول هذه القضية المصيرية والتى تشغل ذهن العالم لكنها لا تحتل هذه المساحة من الذهن الداخلى رغم أهميتها.
القوى المؤثرة
يبحث هذا التحقيق فى القوى السياسية المؤثرة فى اختيار الرئيس القادم إلى قصر العروبة وحجمها النسبى مقارنة بأخواتها وهل بدأت الاهتمام بقضية الحاكم الجديد ومنذ متي، وما هى أدواتها وآلياتها للتأثير فى هذا الملف، وهل تملك من المعطيات ما يجعلها مؤثرة بل هل تملك إمكانية أن يأتى الرئيس القادم من بين صفوفها، وما هى علاقاتها ببقية القوى السياسية الأخرى بل ما مدى الوزن النسبى لها فى مسألة تحديد شخصية الرئيس القادم.
أسئلة عديدة سنبحثها وسوف نعرض بإيجاز سريع لبعض من هذه القوى على أن نقدم لها باستفاضة فيما بعد وهو ما يهدف إليه هذا التحقيق. وللحديث عن القوى المؤثرة داخل الحياة السياسية المصرية يتطلب ذلك منا التفريق بين مستويين أولهما نظرى وهو الذى يفترض بداهة أن أى مجتمع سياسى معاصر ستلعب فيه الأحزاب دورا أساسيا فى تحديد الرئيس، ينطبق ذلك على المجتمعات الديمقراطية بالمعنى الكلاسيكى أو على بعض أنماط المجتمعات غير الديمقراطية، ففى الدول الشيوعية مثلا كان الحزب الشيوعى هو المتحكم فى اختيار رئيس الدولة مقارنة بالدول الديمقراطية التى جعلت الأحزاب هى الآلية الأساسية فى اختيار رئيس الدولة.
لكن الجوهر الحقيقى للمشكلة يكمن فى المجتمعات التى لا يمكن وصفها بالديمقراطية أو حتى بالديكتاتورية لكنها متخلفة، وفيها تتحدد رئاسة الدولة وفق متغيرات عديدة قد يكون من بينها الأحزاب وقد لا يكون، ومصر مثال على ما نقوله.
وللحديث عمن يحدد رئيس مصر القادم، يجب فى البداية تحديد مراكز القوى السياسية الفعلية والحقيقية فى مصر بصرف النظر عن الإطار الدستورى والتوصيفات الشكلية والقانونية لها (أى أبعد عن النظرى فى هذه المسألة لأنها تعتمد ويتم حسمها على أرض الواقع)، لأنه من الناحية الشكلية يفترض أن السيادة للشعب الذى يمثله مجلس الشعب، وتوجد آليات يحددها الدستور لاختيار رئيس الجمهورية وتتمثل فى طريقة معينة للترشيح ثم الانتخاب، لكن هذا النوع من السياسة أو الآلية الشكلية والقانونية ليس هو المعبر عن القوى الحقيقية فى الملعب السياسى، وستكتشف أن المسألة فى مصر ليست دستور وأحزب وخلافه مثل الخارج الديمقراطى، فكل ما سبق ينحصر دوره فى الجانب الشكلى ولا يصب فى الجوهر وهو أن الرئيس لا يأتى إلا عبر قوى سياسية حاكمة ولها الكلمة النافذة والباقى –إذا جاز التعبير- مسألة شكليات لا تقدم أو تؤخر، ويمكننا هنا أن نعرض لبعض القوى المؤثرة والمهمة والحاسمة فى قضية اختيار الرئيس القادم:
القوة الأولى المؤثرة على المسرح السياسى المصرى فى اللحظة الراهنة هى القوات المسلحة لكونها اللاعب الأساسى فى السياسة المصرية منذ يوليو 52 ومنذ هذا التاريخ فإن القوات المسلحة هى التى تحدد اسم رئيس الجمهورية ولذلك لم يكن غريبا أن يتعاقب على مصر أربعة رؤساء عسكريين.
ورغم أن غالبية من التقيتهم فى هذا التحقيق قد تحدثوا عن حدوث تغيير فى المعطيات الأساسية مما سمح بظهور قوى أخرى مدنية، أضف إلى ذلك أن الجيش لا يحتكر السلطة مثلما كان الحال فى أوائل الخمسينيات، إلا أن المؤسسة العسكرية تظل القوى الرئيسية دون منازع، خاصة أنها تحتل مكانة خاصة ومتميزة فى وجدان الشعب المصرى استحقتها عن جدارة عبر تاريخها الوطني، وإذا احتفظنا لهذه المؤسسة بما تستحقه من احترام وتأثير، فإن الموضوعية تقتضى الحديث عن بعض القوى المدنية والتى لا ترقى بأى حال من الأحوال ولا يمكن مقارنتها- من حيث التأثير والقوة- بالمؤسسة العسكرية، إلا أننا سنعرض لعدد منها وبإيجاز سريع خلال السطور التالية:
يمكننا الحديث هنا عن قوى سياسية تمتلك تأثيرا نسبيا مثل الإخوان المسلمين وهم ليسوا حزبا سياسيا لكنهم قوة سياسية موجودة ومؤثرة، وأرى أنه من المهم هنا أن نحسن تقدير قوتهم الحقيقية دون مبالغة أو تهوين، ويمكننا التسليم بأن الإخوان قوة موجودة ومؤثرة بالقياس إلى قوى أخرى موجودة لكن لا ترقى إلى أن تكون القوة الأولى على الإطلاق.
ويشغل ملف الرئيس القادم إلى قصر العروبة مساحة كبيرة من اهتمام الجماعة ولو من باب التصريحات والتى تخرج بشكل شبه مستمر ومن خلال تحليلها يمكنك أن تحدد نوعية العلاقة بين الإخوان والحكم، وقد خرج المرشد العام للجماعة غير مرة معلقا على مسألة تولى ابن الرئيس مبارك للحكم قائلا: (الجماعة ترفض توريث الحكم لجمال مبارك)، وعلى هذا المنوال صارت تصريحات بقية قيادات الجماعة.
وعند الحديث عن مختلف القوى الموجودة واللاعبة فى الحياة السياسية لا يمكننا إنكار دور الأحزاب السياسية شريطة وضعها أيضا فى حجمها الحقيقى ويأتى على رأس هذه الأحزاب من حيث الأهمية الوفد والتجمع والناصرى رغم ضعفه، إضافة إلى أحزاب أخرى حديثة للغاية لم تثبت فاعليتها حتى الآن، كما أن الأحزاب الأخرى ليس لها ثقلا حقيقيا يمكن ذكره فى هذا السياق، كما لا يمكننا إغفال أثر بعض القوى السياسية الجديدة التى ظهرت فى الحياة السياسية المصرية خلال السنوات الخمس الأخيرة، حيث بدأت مصر تشهد وتحديدا فى بدايات 2001و2002 ظهور حركات سياسية جديدة غير حزبية وغير تقليدية مثل كفاية والعديد من الجمعيات الأهلية التى تدعو مثلا إلى حقوق الإنسان ومن الصعوبة أن نبالغ فى قيمة وتأثير هذه الجمعيات لكنها موجودة وتؤثرا تحديدا على توجهات النخبة السياسية، وهى تجمعات ضئيلة من حيث وزنها الكمى لكنها مهمة كيفا، وتعد جماعة 9 مارس نموذجا.
وتظل الأحزاب هى المؤثرة فيما يتعلق بشرعية وقانونية القرار السياسى فقط باعتبارها القوى التى يستمع إليها فى هذا المجال، إضافة إلى أنها تملك الإطار الشكلى القانونى والشرعى مقارنة ببقية القوى الأخرى الموجودة وهذه ميزة نسبية مرجحة تملكها الأحزاب ولا تملكها بقية القوى الأخرى والتى قد يفوق تأثيرها قوة الأحزاب مجتمعة.
لا يمكننا أيضا ونحن نبحث عن القوى المؤثرة والتقليدية أن نغفل الحديث عن قوى جديدة ظهرت كالحركات الجديدة والتى ربما ترتبط بتطورات غير مألوفة فى الحياة السياسية المصرية أو فى العالم كله، مثل القوى التى ظهرت مؤخرا للشباب الجدد الذين يتواصلون عبر الإنترنت والوسائل العصرية الحديثة، وهذه قوى لا يمكن إغفالها خصوصا من زاوية قدرتها على حشد الشارع أو التحريض أحيانا بدرجة تفوق مقدرة الأحزاب.
هنا لا يمكننا تجاهل التطور الهائل الذى حدث فى وسائل الاتصال خلال السنوات الخمس أو العشر الأخيرة مثل انتشار المحمول والإنترنت والتواصل الحركى، حتى بات لأى مجموعة صغيرة - تضم أعضاء من الإسكندرية إلى أسوان- من الاتصال ببعضهم خلال ثوان، هى أذن ثورة حقيقية لا يمكن تقديرها، وقد تعاملنا مع هذه الثورة التكنولوجية الهائلة إضافة إلى الإعلام أو الميديا وتحديدا القنوات الفضائية كأحد القوى الحديثة فى معادلة القوى التى ستؤثر فى اختيار الحاكم القادم، ويكفى هنا للدلالة على تأثير الإعلام المتصاعد فى الانتخابات هو مقدرته على تشويه أحد المرشحين لحساب مرشح آخر، وتبرز أهمية الإعلام كقوة مؤثرة بين المصريين إلى زيادة نسبة الأمية فى المجتمع والميل العام إلى عدم القراءة والتحليل، واعتماد ما يمكن تسميته بالثقافة السمعية كمدخل أساسى للتعريف بكل ما يدور فى المجتمع، ولعل ذلك يفسر ويبرر جماهيرية البرامج الليلية على قنوات مثل المحور ودريم والأوربت.
وفى عرضنا لبقية القوى المؤثرة فى مسألة اختيار الحاكم القادم لا يمكن أن نتجاهل هنا أثر الكنيسة القبطية وقدرتها على الحشد، ومن الناحية النظرية لا يمكننا الحديث عن الكنيسة كقوى سياسية لكن أن الأوضاع السياسية فى مصر- وتحديدا منذ إعلان الجمهورية- قادت إلى إعطاء الكنيسة دورا سياسيا، وبلا شك فإن شخصية الحاكم القادم مسألة تشغل حيزا كبيرا من اهتمام المؤسسة القبطية، وعندما سألت أحد مفكرى الأقباط ما الذى يخشى الأقباط حدوثه فى مسألة الرئيس الجديد؟.. رد سريعا قائلا: نخشى الحكم الدينى أو أن يجلس الدين على كرسى الحكم.
كل هذه القوى التى سبق الإشارة لها فى عجالة ستؤثر وتتأثر بعنصر جديد ومهم يتعلق بالطاقة الكامنة مجهولة التأثير والتى يصعب على أى محلل سياسى التكهن بها وسببها حالة التفاوت الطبقى والاجتماعى غير المسبوق فى مصر والتى رأى أحد المفكرين الذين التقيتهم أنها لم تحدث منذ عصر المماليك.
وقبل أن ننتهى من هذا العرض الموجز لبعض القوى المؤثرة فى ملف الرئيس القادم فإننا لا يمكن أن نتجاهل قوى أخرى فاعلة ولم تكن مؤثرة داخل الحياة السياسية وتحديدا فى مسألة اختيار رئيس الجمهورية مثلما هو الحاصل الآن ونعنى بها لوبى رجال الأعمال والذين باتوا يشكلون قوى مهمة تهدف للتأثير المباشر وغير المباشر فى هذا الملف، وقد برزت هذه القوى بشكل كبير خلال العقود الثلاثة الماضية لكن تزايد نفوذهم فى الحياة السياسية خلال العقد الماضى.
وإذا كنا قد عرضنا سريعا لبعض القوى المؤثرة فإننا لا نقصد بذلك قوى الداخل فلايزال (الخارج) عنصرا حاسما وقويا فى مسألة حسم الحاكم القادم إلى قصر العروبة وعندما نتحدث عن الخارج فإن الذهن ينصرف فورا إلى الولايات المتحدة الأمريكية بصفتها القوة الأعظم ويكفى هنا أن تعيد قراءة السطور الأولى من هذا التحقيق لنعرف مدى اهتمام واشنطن بقضية الرئيس المصرى القادم بعد مبارك، لكننا نكتفى هنا بذكر ما قاله السفير الأمريكى ريتشاردونى قبل عودته لبلاده بعد انتهاء فترة عمله، حيث قال فى برنامج العاشرة مساء عن الحكم فى مصر:(أنا متفائل لمستقبل مصر ونحن نحترمها وليس من حقنا أو من مسئوليتنا أن نختار الرئيس القادم لمصر، حيث نحترم أيا من يأتى إلى السلطة بشرط أن يكون متمتعا بثقة شعبية وأن يأتى عبر طرق شرعية ودستورية وقانونية يقبلها الشعب المصرى، وبالنسبة لشخصية السيد جمال مبارك فأنا أحترمه وكان لى شرف اللقاء معه أكثر من مرة باعتباره أحد قيادات الحزب الحاكم ولكن اختيار الرئيس القادم فى مصر هو اختيار مصرى فقط ولا دخل لنا به).
وبعيدا عن التصريحات الدبلوماسية للسفير الأمريكى فإن الواقع العملى يبرهن على أن أمريكا ليست بعيدة عن هذا الملف وأن السؤال لا يغنى عن الترتيب لما هو قادم، فالمؤكد أن واشنطن لا تضع يدها على خدها فى انتظار ما ستأتى به الأيام وأخشى أن يكون قد تم حسم ملف الرئيس القادم، وأن ما نراه هو إخراج للصورة حسب تعبير أحد المختصين بالشأن الأمريكى.
وقبل أن ننهى هذا العرض السريع لبعض القوى التى اهتم بها التحقيق لا يمكن أن نغفل دور الدين ومكانته فى التأثير على ملف الحاكم القادم وأن مقولة لا دين فى السياسة قد تراجعت إلى حد كبير وأن الحاصل الآن هو ممارسة الحكم لمقولة (السياسة فى الدين) وقد خصصنا إحدى حلقات هذا التحقيق للحديث عن المؤسسة الرسمية الدينية ودورها فى هذا الملف والذى رأى أحد الذين حاورناهم بأنه دور أقرب إلى الديكور أو تجميل الصورة لا أكثر أو أقل بعد أن تحول الأزهر بقيمته الكبيرة إلى أحد أجهزة الحكومة الذى يدور فى فلكها ويأتمر بأمرها، وكل ما سبق لا يغنى عن أهمية ملف الحاكم القادم فى ذهن الأزهر (شيخا ومشيخة) وفى تعليقه على ما يتردد بشأن التوريث، قال الدكتور سيد طنطاوى: لا مانع من توريث الحكم إذا جاء عن طريق انتخابات نزيهة.
وقد دخل على نفس الموجة الشيخ محمود لطفى عامر رئيس جمعية أنصار السنة بمحافظة البحيرة والذى أفتى بجواز توريث الحكم من الرئيس حسنى مبارك إلى نجله وكان صاحب الفتوى قد قال إنها ليست بدعة أو اجتهادا جديدا، كما وصف الرئيس مبارك بأنه أمير المؤمنين.
كيف تقرأ هذه الحلقات: سوف نعرض حلقات الطريق إلى قصر العروبة يومى الأحد والخميس من كل أسبوع وسيتم خلال الحلقة محاورة أحد الباحثين أو المهتمين بهذه القوى التى سنعرض لها فى كل حلقة.. بهدف إلقاء الضوء عليها والتعريف بها ومدى قدرتها على التأثير فى مسألة حاكم مصر القادم.
موضوعات متعلقة..
محمد على خير يكتب: الطريق إلى قصر العروبة (الحلقة الثانية)
محمد على خير يكتب: الطريق إلى قصر العروبة (الحلقة الثالثة)
محمد على خير يكتب: الطريق إلى قصر العروبة (الحلقة الرابعة)
محمد على خير يكتب: قصة رئيس مصر القادم والقوى السياسية المؤثرة فى اختياره (الحلقة الخامسة)
محمد على خير يكتب: الطريق إلى قصر العروبة (الحلقة السادسة)
محمد على خير يكتب: الطريق إلى قصر العروبة (الحلقة السابعة)
محمد على خير يكتب: الطريق إلى قصر العروبة (الحلقة الثامنة)
محمد على خير يكتب: الطريق إلى قصر العروبة (الحلقة التاسعة)
محمد على خير يكتب: الطريق إلى قصر العروبة (الحلقة العاشرة)
محمد على خير يكتب: الطريق إلى قصر العروبة (الحلقة الحادية عشر)
محمد على خير يكتب: قصة رئيس مصر القادم والقوى السياسية المؤثرة فى اختياره (الحلقة الثانية عشر)
محمد على خير يكتب: مفاجأة: الأسهم التى سيمتلكها المصريون ليست مجانية
محمد على خير يكتب: ملاحظات مهمة حول بيان النائب العام فى قضية سوزان تميم..
محمد على خير يكتب: فى حريق الشورى حضر رئيس الجمهورية والوزراء وفى كارثة المقطم حضر محافظ القاهرة فقط
محمد على خير يكتب: لماذا رفعت الحكومة يدها عن دعم أكبر رجل أعمال فى مصر؟
محمد على خير يكتب: لماذا يمسك رشيد منتصف العصا فى قضية احتكار الحديد؟
محمد على خير يكتب: دولة جمال مبارك التى رحل عنها (عز)
محمد على خير يكتب: 3 سيناريوهات تحدد مصير مجموعة طلعت مصطفى إذا تمت إدانة هشام
محمد على خير يكتب: عمليات شراء واسعة لأراضى طريق مصر إسكندرية الصحراوى
محمد على خير يكتب: قصة رئيس مصر القادم والقوى السياسية المؤثرة فى اختياره (الحلقة الخامسة)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.