"دنياك سكك حافظ على مسلكك وامسك فى نفسك يا العلل تمسكك وتقع فى خية تملكك.. تهلكك.. أهلك يا تهلك دنتا بالناس تكون" هكذا قال سيد حجاب، ولحن عمار الشريعى، فأصبحت تلك الأغنية الجميلة علامة على مسلسل شبه قديم من أجمل مسلسلاتنا، الغريب أن هذه الأغنية وهذه الأبيات على وجه التحديد صارت عندى معادلا لسيد حجاب نفسه، كلما أراه أو أسمعه أو حتى أتذكره ينساب لحن "أرابيسك" وتفيض كلماته كبقعة ظل فى يوم حرور، صارت هذه الأغنية بالنسبة لى بمثابة "تتر سيد حجاب" وإن لم أتذكرها هى أتت أختها التى لحنها ميشيل المصرى لمسلسل ليالى الحلمية الذى كتبه كما كتب أرابيسك الرائع أسامه أنور عكاشة.. تأتى جملة "ليه يا زمان مسبتناش أبرياء" نازفة حانية صارخة مستعطفة مسترحمة ومعاتبة، لتلقى باللوم على زمن تلوث ولوث معاصريه، يأتى الزمن القمىء ليجر الأبرياء إلى رذائله، بينما هم متمسكون ببراءتهم تمام مثلما تمسك محمد أبو سويلم بأرضه حينما جرته خيول المستبدين فى فيلم الأرض، جرب أن ترى هذا المشهد وتغنى "ليه يا زمان مسبتناش أبرياء" لتعرف كم الحسرة التى حملها العتاب وكم الألم الذى يعانيه الشاعر حينما ينتزع من براءته لتعرف كم هو جميل وصادق وشاعر هذا الذى هو سيد حجاب. عادة ما يأتى "عم سيد" مصحوبا بالأغانى والألحان، وما من مرة رأيته أو قرأت له إلا وأتت كوبلايهات أغنياته المحفورة فى الوجدان كنقش فرعونى أصيل لتزينه وتنعم على خاطرى باستراحة قصيرة ملؤها الصفاء والنغم، إلا هذه المرة، التى قرأت فيها حوارا معه فاختفى فيها شعر سيد حجاب وأتى شعر الكبير فؤاد حداد ووجدت نفسى أردد أجزاء من قصيدته التى كتبها يرثى بها صاحبه محمد عباس قائلا: "ما لى يا محمد أقل عتاب/ مالى غير الحب والإعجاب/ اللى عاش راجل ومات راجل/ مبقاش بينى وبينه حجاب/ من هموم الدنيا كان فاضل/ قبل منى تسافر الأحباب/ قولتلك لو كنت هتسبنى/ يا محمد لا ترد الباب/ وإن رجعت فى يوم تحاسبنى/ مهنة الشاعر أشد حساب/ اللى عاش فيها استفاد الهم وانتهى م الزخرف الكداب/ لما شاف الدم قال الدم/ مفتكرش التوت ولا العناب". على إيقاع أبيات "حداد" تراقص "حجاب" فى خاطرى، فامتلأت بفرحة كسرت حالة الحداد التى كنت أقيم فيها، قرأت حوارا لعم سيد أجراه الزميل المبدع محمد الكفراوى ونشرته المصرى اليوم، فاطمئن قلبى وعرفت أن للشعر رجال صدقوا ما عاهدوا الفن عليه، تكلم سيد حجاب عن الشعر والأغانى والدولة والثقافة فبدا كنهر ينساب دون عناء أو تدابير أو "تحسيس" كان صريحا كالنهر، تلقائيا كالعرق، واضحا كشجرة جميز عتيقة، تحت أفرعها نختبئ وبظلالها نستجير ومن ثمراها نطعم، لأنه "عاش راجل" فمبقاش بينا وبينه "حجاب". صرخ حجاب فى وجه القبح والرذالة والاستهبال، وألقى سهام نقده على مستغلى الأحلام ومودعيها فى بنوك الخسة ليعطونها بدلا عنها كوابيس ومنغصات وأكاذيب، صرخ سيد حجاب فكشف عن كل ذى سوءة سوءته، وخلع عن كل كاذب قناعه، وقال للأعور "يا أعور" ويا دميم، لم يسلم من سهام "حجاب" أحدا فالكل مدان، الناقد الذى يدلس على قرائه، والشاعر الذى يحتقر قارئه، والمسئول الذى يتكسب من منصبه أو يستغله لتسييد ذوقه الشخصى، معاتبا أيضا على القارئ الذى ترك نفسه لعبة فى يد كل ألعوبان، وراصدا ما شاب الحركة الشعرية من تخلف وتراجع سواء بسبب القراء أو النقاد أو بسبب الشعراء أنفسهم، وكعادته دافع عن حق شعر العامية فى الوجود باعتبارها قضية حياة أو موت، وهاجم قصيدة النثر قائلا إنها مازالت تفتقد إلى الشرعية، ورصد انتكاسة الحكام التى صاحبها انتكاسة الشعر بداية من هزيمة 67 وحتى الآن، ولم ينس أن يشير إلى حق الدولة فى أن تكون دولة لها تقاليدها وأعرافها وقوانينها وألا تتحول إلى "عزبة" يملكها "شخص" مطلقا اسمه على جوائزها وشوارعها ومبانيها أيا كان هذا الشخص. قد تختلف معه أو توافقه وقد لا يعنيك أمره وقد لا يعنيك ما تحدث فيه بالمرة، لكن ما يصعب الاختلاف عليه هو نبل هذا الرجل وحماسته وصراحته، لأنه "لما شاف الدم قال الدم مفتكرش التوت ولا العناب".