فى الأول من أغسطس الجارى مرت الذكرى ال22 لرحيل الكاتب الكبير يوسف إدريس (1927- 1991) بدون احتفاء يذكر بأحد أبرز فرسان الأدب العربى فى القرن العشرين، على الأقل من جانب وزارة الثقافة.. وقد احتفل به يوم الاثنين الماضى الدكتور أحمد الخميسى فى منتدى "بيت الوادى" عبر ندوة تحدث فيها الناقد الدكتور يسرى عبد الله. ولد يوسف إدريس لأسرة متوسطة الحال بقرية البيروم، مركز فاقوس بمحافظة الشرقية فى 19 مايو 1927 وتخرج فى كلية الطب، جامعة القاهرة عام 1951 وعايش تقلبات تاريخ مصر المعاصر، ليس كما يعيشها الإنسان العادى، بل كما يعيشها الفنان المبدع الذى تؤثر فيه تفاصيل الأحداث، ويعمل على أن يرصدها ليتمكن من تأثيره عليها، فجاء أدبه معبرا عن كل مرحلة من هذه المراحل، وناطقا برأيه عما يتغير ويحدث حولنا فى هذا البلد وما يحدث فى أبنائها، ولاسيما أنه كان فى مطلع شبابه متأثراً بالفكر الماركسى بكل ما يحمله من هموم اجتماعية. كان يوسف إدريس غزير الثقافة، واسع الاطلاع، بالشكل الذى يصعب معه عند تحديد مصادر ثقافته أن تقول إنه تأثر بأحد الروافد الثقافية بشكل أكبر من الآخر.. حيث اطلع على الأدب العالمى وخاصة الروسى وقرأ لبعض الكتاب الفرنسيين والإنجليز، كما كانت له قراءاته فى الأدب الآسيوى، وإن كان مما سجله النقاد عليه أنه لم يحفل كثيرا بالتراث الأدبى العربى وإن كان قد اطلع على بعض منه. بدأ نشر قصصه القصيرة منذ عام 1950، ولكنه أصدر مجموعته القصصية الأولى "أرخص ليالي" عام1954، لتتجلى موهبته فى مجموعته القصصية الثانية "جمهورية فرحات" عام1956، الأمر الذى دعا عميد الأدب العربى "طه حسين" لأن يقول: "أجد فيه من المتعة والقوة ودقة الحس ورقة الذوق وصدق الملاحظة وبراعة الأداء مثل ما وجدت فى كتابه الأول (أرخص ليالي) على تعمق للحياة وفقه لدقائقها وتسجيل صارم لما يحدث فيها.".، وهى ذات المجموعة التى وصفها أحد النقاد حينها بقوله: "إنها تجمع بين سمات ديستوفسكى وسمات كافكا معا". لم يتوقف إبداع الرجل عند حدود القصة القصيرة والتى صار علما عليها، حتى إنها تكاد تعرف به وترتبط باسمه، لتمتد ثورته الإبداعية لعالمى الرواية والمسرح. ففى 1963 حصل على وسام الجمهورية واعترف به ككاتب من أهم كتّاب عصره، إلا أن النجاح والتقدير أو الاعتراف لم يخلصه من انشغاله بالقضايا السياسية، وظل مثابرا على التعبير عن رأيه بصراحة، ونشر فى 1969 مسرحية "المخططين" منتقدا فيها نظام عبد الناصر ومنعت المسرحية، وإن ظلت قصصه القصيرة ومسرحياته غير السياسية تنشر فى القاهرة وفى بيروت. وفى 1972، اختفى من الساحة العامة، على أثر تعليقات له علنية ضد الوضع السياسى فى عصر السادات ولم يعد للظهور إلا بعد حرب أكتوبر 1973 عندما أصبح من كبار كتاب جريدة "الأهرام". ومن أشهر مجموعاته القصصية "أرخص ليالى، جمهورية فرحات، حادثة شرف، العسكرى الأسود، النداهة، بيت من لحم".. ومن رواياته "الحرام، البيضاء، نيويورك 80"، ومن مسرحياته "ملك القطن، اللحظة الحرجة، الفرافير، المهزلة الأرضية".