أحمد نظيف - تصوير: أحمد إسماعيل «المصريون شعب طيب، والطيبون يسهل عليهم التأثير على الآخرين، وحتى لو لم يكن الأمريكان اليوم لطفاء كما ينبغى، فإنهم لا زالوا يأملون خيراً فى علاقتهم بمصر بطرق مختلفة. ولهذا السبب أنا هنا، لأتأكد من أن هذه الصورة موجودة» هذا حرفياً ما قاله الدكتور نظيف لمجلة «يو إس إيه توداى» خلال زيارته لواشنطن عام 2005 تعليقاً على مماطلة الأمريكان فى إجراء مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين. والعبارة تعكس الموقف المصرى من أمريكا، إذ فيما يصر المصريون على التعامل بطيبة مع الإدارات الأمريكية، يصر الأمريكان على التعامل بحذر. ليس أدل على ذلك من بعثات طرق الأبواب المتعاقبة وبالتحديد منذ عام 1996 التى كانت فى كل مرة وفيما تطرق أبواب الأمريكان، تسألهم عن «متى سنبدأ الكلام فى اتفاقية التجارة الحرة؟»، وكانت الإجابة الأمريكية فى كل مرة لا تتغير «الاتفاقية مهمة، ودعم مصر مهم، لكن المناخ غير مؤهل بعد للحديث فى الاتفاقية» كان المصريون يبدأون جولة جديدة من «الإصلاح الاقتصادى» لتعود البعثة مرة أخرى محملة بنفس السؤال «متى؟» ويجيب الأمريكان «انتظروا». ففى مارس 1996 بعثة طرق الأبواب التى كان شعارها «مصر وأمريكا.. شراكة للقرن الواحد والعشرين» حملت برنامج الإصلاح الاقتصادى بقيادة الدكتور كمال الجنزورى رئيس الوزراء، وقطعت خطوات واسعة ومع ذلك فوجئت بممثلى إدارة كلينتون يقولون «الاقتصاد المصرى تغير كثيراً وبشكل مشجع» لكنهم طلبوا زيادة الاعتماد على القطاع الخاص. ووضع إطار زمنى لبرنامج الإصلاح الاقتصادى، وتقديم حوافز للاستثمارات، قبل الكلام فى اتفاقية التجارة الحرة. كان ذلك فى عهد رجل الأعمال شفيق جبر أول من قام بإرسال بعثات لطرق الأبواب إلى أمريكا، وساءت العلاقات بين رئيس الغرفة شفيق جبر وحكومة الدكتور الجنزورى بعدما انتقد شفيق الأوضاع الاقتصادية بعد عودته من إحدى رحلات طرق الأبواب، وأعطى نصائح للحكومة لضبط سوق النقد وهو ما أغضب الجنزورى وأدى إلى قطيعة مع بعثات طرق الأبواب حتى عام 1999. وعندما تولى عبيد رئاسة الوزراء عام 1999 ذهبت بعثة طرق الأبواب وفى ذهنها الكثير من المديح الذى كالته مجلة الإيكونمست الأمريكية التى صنفت مصر ضمن أكثر خمس أسواق واعدة فى العالم، وتولى المهندس محمد منصور رئاسة الغرفة خلفاً لجبر مع تحديد مدة رئيس الغرفة دورتين أى 4 سنوات فقط من 2000 إلى 2004، وشهدت هذه الفترة تعاونا بين البلدين وكانت هناك طفرة فى الاقتصاد المصرى رغم بعض الأزمات المفاجئة مثل أزمة السيولة وتأثير حروب العراق وتعويم الجنيه. وقال المصريون فى واشنطن «لا سلام فى المنطقة بدون مصر، ولا تعاون اقتصاديا بدون مصر» وقال الطرف الأمريكى إن اتفاقية التجارة الحرة أصبحت قاب قوسين أو أدنى من بدء المفاوضات. وفى عام 2001 طلب المصريون «بدء مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة والانتقال من مرحلة تلقى المعونة إلى التبادل التجارى» وكان الطرف الأمريكى يظهر ترددا إزاء المعونة التى يقدمها لمصر. وحدثت تغيرات كثيرة استدعت أن تكرر البعثة زيارتها فى نوفمبر، أى بعد شهر واحد من انهيار برج التجارة العالمى. وبحلول 2002 كان الاقتصاد المصرى يعانى من أزمة تضاعفت بعد 11 سبتمر، والحرب على الإرهاب التى أثارت غضب المصريين بسبب التحالف المصرى مع الولاياتالمتحدة التى اعتبرت »شريكها الاستراتيجى« وهو الشعار الذى اتخذته بعثة طرق الأبواب. التى أكد أعضاؤها للأمريكان أن مصر تدعم الحرب ضد الإرهاب، لكن لديها تحفظات على السياسة الأمريكية فى المنطقة خاصة فيما يتعلق بفلسطين، وطالبت البعثة بمزيد من الإيجابية للدعم الاقتصادى ممثلاً فى وكالة الدعم الأمريكية «التى صارت الحاجة إليها ملحة أكثر من أى وقت مضى». عام 2003 كان عام المفاجآت الكبرى والتغيرات الجوهرية، سقوط العراق ومبادرة خارطة الطريق، والأسواق المصرية تستقبل صادرات أمريكية بحوالى 3.5 مليار دولار سنوياً، وتصدر للسوق الأمريكية ب900 مليون دولار فقط.. طالب المصريون مجدداً باتفاقية التجارة الحرة. وواصل الجانب الأمريكى رفضه الناعم. وفى تلك الأثناء كانت الأجندة المصرية تضم العديد من التغييرات، حملتها معها بعثة 2004 لواشنطن، أبرزها كان التغيير الشامل فى وجه الحكومة بقيادة الدكتور أحمد نظيف والتى أطلق عليها لقب حكومة رجال الأعمال، وتغييرات كبيرة فى الحزب الوطنى، ومجلس قومى لحقوق الإنسان، حملت بعثة 2004 قائمة من التشريعات الهامة أبرزها قانون مكافحة غسيل الأموال، وقانون المناطق الاقتصادية الخاصة، ودعم الصادرات، والملكية الفكرية، وقوانين الاتصالات، والعمل الموحد، والبنوك، ومشروعات القوانين الاقتصادية مجلس الشعب. وهى تعديلات تدعم القطاع الخاص وتسد الثغرات التشريعية التى كانت محل اعتراض من الجانب الأمريكى. وكان الطلب المصرى «مزيد من التواصل مع المصريين فى كافة المجالات» ويا حبذا لو تم ذلك من خلال اتفاقية التجارة الحرة. إلا أن ما تمت المفاوضات بشأنه فعلياً كان اتفاقية الكويز بين مصر والولاياتالمتحدة وإسرائيل والتى تعفى الصادرات النسجية والملابس الجاهزة لأمريكا من الضرائب شرط أن تتضمن مواد خام إسرائيلية. فيما ظلت تصريحات المسئولين الأمريكيين تلوح بأن المناخ صار مهيئا للكلام حول اتفاقية التجارة الحرة، دون أن يتحول إلى خطوات حقيقية. اقتربت مصر فى العام 2006 من الشكل الاقتصادى المثالى مؤسسياً عن طريق إجراء اصلاحات فى مجال الضرائب، وحماية المستهلك، وهيكلة البنوك. لكن أمريكا أعلنت أن الأوضاع السياسية فى المنطقة هى التى تعرقل مسيرة اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين، فيما أصبح الكونجرس على الجانب الآخر يشكك فى أهمية اتفاقات التجارة الحرة كوسيلة من وسائل التعاون مع دول العالم. وهو ما ترجمه السفير نبيل فهمى سفير مصر فى الولاياتالمتحدة فى 2007 على مائدة إفطار جمعته بأعضاء بعثة طرق الأبواب، حين قال «اتفاقية التجارة الحرة خرجت من أجندة حوارنا مع أمريكا منذ 2005، لأسباب تتعلق بالأمريكان».