أجيال كثيرة لم ترها سوى فى شاشات التليفزيون، وأجيال أخرى لا تعرف عنها شيئاً، رغم أنها تنافس أعظم مراكز التجميل العصرية، وتتفوق على الجاكوزى والبخار والساونة، يقصدها قلة من الناس بمختلف الطبقات، هرباً من زحمة الحاضر، إلى عبق التاريخ، رغم وجودها فى أكثر المناطق شعبية. الحمامات الشعبية التى بدأ ظهورها فى عصر المماليك، وازدهرت وصارت من أهم معالم العمارة الإسلامية فى العصر العثمانى، ليست فقط مراكز للتجميل والتزيين، لكنها مكان مناسب أيضاً للعلاج الطبيعى والاسترخاء، وعلاج لكثير من أمراض العظام، لهذا كانوا قديما يطلقون عليها "الطبيب الأبكم". ومن أهم ما يميزها عن مراكز التجميل والمراكز الصحية، اعتمادها على البخار الطبيعى، المتصاعد من مغطس مملوء بالماء الساخن، ليساعد على تفتيح مسام الجسم، أما مراكز التجميل فتعتمد على البخار الصناعى الكهربائى، وهو ما قد يعرض الزائر للاختناق فى حال طالت مدة تعرضه للبخار، كما تتميز أيضاً برخص أسعارها مقارنة بمراكز التجميل الأخرى. كما أن الخامات المستخدمة فى الحمام الشعبى، معظمها خامات محلية مثل "قشر البرتقال، والليمون المهروس، وخشب الصندل، وبعض الفواكه ومسحوق الترمس، والذرة الممزوج بزيت الزيتون أو السمسم"، بينما الخامات المستخدمة فى مراكز التجميل تكون مستوردة من الخارج، مما يؤثر بالضرورة على تكلفة الخدمة. ومن أجمل ما فى هذه الحمامات معمارها الفريد، وحوائطها المزخرفة، وتخطيطها الهندسى، الدال على عبقرية المصمم الذى بناها على شكل دهاليز حتى لا يعطى فرصة للتيارات الهوائية أن تؤثر على الزائرين، فتؤدى إلى إصابتهم بنزلات البرد، حيث يمر كل زائر للحمام بعدة مراحل تبدأ بالتكيس، حتى يتخلص الجسم من الدهون،والجلد الزائد، وبعده عدد من الحمامات الساخنة والباردة بالتناوب،لتفتيح البشرة، ثم المساج، حتى يتم تنشيط الدورة الدموية لكامل الجسم، ويتم ذلك فى حوالى ساعتين. ويقسم الحمام أوقات استخدامه إلى فترتين، صباحية للنساء، ومسائية للرجال، ويقدم القائمون على الحمام لزبائن مختلف المشروبات وأحيانا يصل الأمر إلى تقديم وجبات العشاء على أنغام الموسيقى، أو على أغنيات كوكب الشرق "أم كلثوم". ويعتبر حمام التلات بمنطقة الموسكى، وحمام الأربع بمنطقة بولاق أبو العلا، أشهر الحمامات التى مازالت موجودة حتى يومنا هذا، ويقصدها الناس من مختلف الطبقات والأماكن، ويقصدها كذلك السائحون العرب والأجانب. كما هناك أيضاً حمام الملاطيلى بمنطقة باب الشعرية، وحمام قلاوون بشارع النحاسين، وحمام باب البحر بالقرب من ميدان رمسيس.