"التقليد لا يمكن أن يضاهى الأصل".. قاعدة يدركها كل راغب فى تحقيق نجاح حقيقى وتثبت صحتها فى مختلف المجالات، فيما يبدو أن جماعة الإخوان المسلمين الحاكمة فى مصر لم تدركها بعد، وتصر على أن تلصق نفسها بتجارب الآخرين، أو تحاول استدعاءها لتفاجأ بأن القائمين عليها أنفسهم يوجهون رسائل على عكس ما تتمنى وتتبنى الجماعة. ما حدث فى استدعاء الجماعة للتجربتين التركية والماليزية، واضح فى هذا المجال والمفاجأة كانت فى ردود أفعال القائمين على التجربتين، خلال زياراتهم لمصر ولقاءاتهم بقيادات إخوانية، فرئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوغان الذى عولت عليه الجماعة كثيراً لكى يشرح للمصريين كيف نجح الحكم الإسلامى فى تركيا، قال من قلب القاهرة إن "تركيا دولة حقوق وعلمانية وديمقراطية، والعلمانية يختلف معناها من أمريكا إلى أوروبا عن الدول الإسلامية، العلمانية تحترم كل الأديان، ولا تعنى اللا دينية، العلمانية ليست معادلات رياضية، وتختلف من مكان لآخر، ولا تنفى الدين، وتركيا تطبق مبدأ العلمانية وتقف على قدم المساواة من كل الأديان، أما الشعب فليس علمانياً ويعيش كل فرد دينه الذى يعتقد فيه"، وهى التصريحات التى أثارت غضب من دعوه من الإخوان واستقبلوه فى مطار القاهرة رافعين شعار "أردوغان يا صلاح الدين يا حامى حمى الدين". أما مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا الأسبق وصاحب تجربة نهضتها، فاجأ قيادات حزب الحرية والعدالة فى مؤتمرهم الذى نظموه له مؤخراً بقوله، إن تجربة الصكوك الإسلامية فشلت فى بلاده، وأن ماليزيا رفضت قرض صندوق النقد الدولى. "التواصل مع الآخر له شروط أهمها الإيمان أنه لا توجد تجربة تشبه الأخرى".. هكذا يعلق وزير المالية الأسبق حازم الببلاوى على محاولات "الإخوان" استعارة تجارب الآخرين، مشيراً إلى أنه لكل دولة ظروفها الاقتصادية والسياسية ولا يمكن نقل تجربة من دولة لأخرى بحذافيرها دون تطبيعها بطابع البلد المنقولة إليه، مؤكداً فى الوقت نفسه أن نقل الخبرات أمر مباح ووارد، لكن نقل التجارب معلبة أسلوب مستحيل وفاشل، مشيراً إلى أن الجماعة كانت يجب أن تعى جيداً تجربة كل دولة ودراستها بشكل مستفيض حتى تعلم كيف نجحت هذه الدول فى الخروج من أزماتها الاقتصادية قبل أن تبدأ فى الترويج لها، خاصة أن هذه الدول راعت فى تجاربها مقوماتها الداخلية ولم تستورد تجارب معلبة". ومن جانبه، قال الدكتور رفعت السعيد رئيس حزب التجمع السابق، أن جماعة "الإخوان" تتطلع لتجارب الدول المتقدمة وتحاول إلباسها رداء يليق على التجربة المصرية، وفى الوقت نفسه تنتقد الجماعة أى توجهات لمسئولى الدول الأخرى تكون مغايرة لتصورات الجماعة، مشيرا إلى أنه عندما قال أردوغان أن تركيا مع العلمانية، وصف الإخوان العلمانية بأنها "كفر"، وعندما قال "مهاتير محمد"، إن بلاده رفضت شروط صندوق النقد الدولى، رد "خيرت الشاطر" نائب المرشد العام ل"الإخوان" بوصف تصريحات مهاتير بأنها لا تمثل إلا التجربة الماليزية فقط. وأكد السعيد على أن لجوء الإخوان والرئاسة لهذه التجارب لا يعكس رغبتهم فى التغيير الفعلي، وإنما يلجأون إليها لتجميل وجههم. وفى السياق ذاته، وصف الخبير الاقتصادى الدكتور حمدى عبد العظيم ما يلجأ إليه النظام المصرى بأنه "عملية تقليد فارغة.. لا يمكن أن تأتى ثمارها"، حيث قال: "ما يحدث مجرد تقليد لتجارب ناجه، ولكن دون دراسة أو تطوير بما يناسب المناخ المصرى وتأثيره بالنواحى الأمنية والاقتصادية المصرية". أردوغان: العلمانية الطريق لحل مشكلات مصر وكانت جماعة الإخوان المسلمين استعانت فى نوفمبر من العام 2012 برئيس وزراء تركيا، ورئيس حزب العدالة والتنمية رجب طيب أردوغان لزيادة شعبيتها فى الشارع المصرى ومحاولة التأكيد على قوة تركيا فى ظل حكم التيار الإسلامى، إلا أن آمال الجماعة باءت بالخيبة بعد دعوة أردوغان المفاجئة للمصريين إلى بناء دولة علمانية، وقوله إن "العلمانية هى الطريق لحل مشكلات الدولة المصرية الراهنة". تلك الجملة كانت بمثابة الهزة والصدمة لجماعة الإخوان المسلمين فى مصر، والتى تحول موقفها من إعجاب شديد بالنموذج التركى إلى انتقاد ورفض لموقف أردوغان، واعتباره تدخلا مرفوضاً فى شئون مصر الداخلية، ووقتها قال بعض قيادات الجماعة إن الشعب المصرى شعب متدين ولن يقبل بالنظام العلمانى. ماليزيا ترفض الصكوك خلال مشاركة "مهاتير محمد" رئيس وزراء ماليزيا السابق، فى مؤتمر دعا إليه حزب الحرية والعدالة تحت عنوان "تجارب النهضة فى العالم.. ماليزيا نموذجًا"، وتحدث مهاتير عن تجربة النمو الاقتصادى فى بلاده من خلال المساواة والشراكة و الوحدة بين فئات الشعب الماليزى، أما فيما يخص مشروع الصكوك وقرض صندوق النقد فقال أن صندوق النقد ضلل بلاده وحاول فرض شروط رفضتها الدولة، مضيفا أن مشروع الصكوك المالية مشروع فاشل ولم يقبل به الشعب الماليزى لأن به شبهة ربا. وتصريحات مهاتير الذى كان يجلس على منصة المؤتمر بجوار خيرت الشاطر، النائب الأول للمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، جاءت بمثابة الصدمة للإسلاميين فى مصر، خاصة قيادات جماعة الإخوان المسلمين ليسارع الشاطر إلى وصف تصريحات رئيس الوزراء الماليزى السابق بأنها تخص بلاده. البرازيل.. النجاح من الداخل كانت زيارة الرئيس الدكتور محمد مرسى للبرازيل مؤخراً استهدفت تحقيق جملة من الأهداف منها محاولة التحدث مع المسئولين هناك عن أمكانية انضمام مصر لتجمع "البريكس" الذى يضم البرازيل وجنوب أفريقيا والهند والصين وروسيا، فضلا عن الاطلاع عن قرب على نجاح التجربة البرازيلية فى المرور من الأزمة المالية والاقتصادية التى شهدتها بداية 2000، و كيفية تعامل البرازيل مع صندوق النقد الدولى، والذى كان يرفض إقراض البرازيل فى أواخر عام 2002. وفى البرازيل كان الرئيس السابق لولا دى سيلفا صاحب رؤية لما ينبغى أن تكون عليه بلاده واستطاع أن يحول البرازيل من دولة مستوردة إلى ثامن دولة اقتصادية فى العالم، بعدما طور الاقتصاد الوطنى من خلال سياسة تحقيق النمو ومعالجة الفقر والخروج من شبح الإفلاس، فبدأ أولا بتنفيذ برنامج للتقشف لسد عجز الموازنة والقضاء على أزمة الثقة، وتم تغيير سياسات الإقراض حيث خُفضت سعر الفائدة من 13.25% إلى 8.75% مما ساعد على إقراض المستثمرين الصغار. ومن ثم أدى ذلك إلى تسهيل إقامة المشروعات الصغيرة و التوسع فى الصناعات البسيطة القائمة على المواد الخام مثل تعدين المعادن والصناعات الغذائية والجلدية والنسيج و الصناعات الثقيلة مثل السيارات والطائرات والتوسع فى مجال زراعة المحاصيل زراعية مثل البن واستخراج النفط والثروات المعدنية. واهتم "دى سلفيا" اهتماما كبيرا بتنشيط قطاع السياحة، حيث ابتكر نوع جديد من السياحة يعرف بسياحة المهرجانات الجماهيرية التى تشهد حالة من الاحتفال الجماعى فى الشوارع برقصات السامبا والموسيقى والألوان والاستعراضات المبهرة، كما شرع فى تطبيق برنامج "صفر جوع" عام 2003، وهو برنامج اجتماعى استهدف القضاء على الفقر وتقديم مساعدات وقروض لذوى الدخل المحدود وإعادة توزيع الأراضى فى إطار الإصلاح الزراعى.