لم تعتد شوارع الكورنيش غياب أحبائها عنها كما هو الحال الآن.. ولم تدخل جيوب الباعة السريحة 9 جنيهات من صباحية ربنا، وبينما حضرت أصوات أمينة وأوكا وأورتيجا بأغانيهم الشعبية على المراكب.. غابت البسمة عن وجوه عم إبراهيم وأم طارق الأرزقية فى هذه المنطقة، وذلك بعد فقدانهما شريحة كبيرة من زبائنهما بعد الثورة، خاصة أن الأسر المصرية صارت تتجنب التنزه على الكورنيش خوفاً من غياب الأمن وانتشار التحرش فى مكان كان يعتبره كثيرون بمثابة الشريان الذى يضخ الدم بجسد العاصمة.. هنا على كورنيش القاهرة يبرز سؤال يبحث عن أمل على ألسنة الجميع يقول: رايحة بينا بحالك الواقف على فين يا بلد؟ فهل من مجيب؟... فى البداية تجولت "اليوم السابع" بين بائعى الحمص ونصبات الشاى والتى تضاعف عددها ثلاث مرات بعد الثورة حتى صار بين الفرشة والأخرى مسافة لا تتعدى ال100 متر، فيقول الحاج إبراهيم قاسم الذى يعتبر عربية الحمص أكثر من عمل فهو ينام ويعمل ويبيت إلى جوار عربته كل يوم: رجل الزبون خفت على المنطقة جامد، واليوم مبيجبش أكتر من 10 جنيه بس نقول إيه أحسن من إننا نسرق أو نثبت البنات. واستطرد: فى بنات فى سن أولادى البلطجية والشمامين "بيثبتوهم" كل يوم، والشرطة بتطبق القانون على الناس الآن "بالذوق وده مينفعش". بينما أكدت "منة عبدالجواد"، بائعة الزهور فى هذه المنطقة والتى لم يتخط سنها السبع سنوات، أن حدة المعاكسات ارتفعت على كورنيش أم الدنيا، وقالت بلغتها الطفولية فى نطقها والكبيرة بمعانيها: "زبون البحر يوم كده ويوم كده ولو عاكس وبصبص مقدرش أعمله حاجة، كفاية يشترى منى وردة". وعن حالة أسرتها تحدثت موضحة: أذهب للمدرسة ثم أعود لبيع الورد باقى اليوم، وأبى سجن ظلما ولم يبق لأمى فى الدنيا سواى لذا أجرى على رزقى ورزقها وممكن أطلع فى اليوم ب70 جنيه، خاصة فى عيد الحب وشم النسيم والوردة نبيعها للزبون ب3 جنيه". وبين أشرعة المراكب ستجد أكبر شريحة من العاملين بالكورنيش حيث تأتى الفتيات للرقص على الأغانى الشعبية للاستمتاع، وتقول "أم سيف" التى تأتى مرة أسبوعياً هى وأسرتها المكونة من خمسة أفراد لركوب النيل: "جئنا من النوبة أصلا، وأهل النوبة لا يستطيعون الاستغناء عن النيل، لذا نحاول القدوم هنا كلما استطعنا فنحن نأتى لنضحك ونرقص ولكن الفسحة تكلف 20 جنيه للفرد ما بين تذكرة المركب والحمص والحاجة الساقعة يعنى 100 جنيه بالمرة والحال مش زى الأول عشان كده خففنا الرجل شويه على الكورنيش". وقال عمرو أحمد، المسئول عن المركب، "أعمل فى الكورنيش منذ 9 سنوات، عدت على الثورة والاعتصامات وزمن الحب والحبيبة"، وبسؤاله عن وجود قلة من المحبين فقط على الكورنيش؟، قال: "الناس دلوقتى نسيت الحب والسياسة سيطرت عليها ويمكن القول بأنها أصابتهم ب"زهايمر"، والرجل خفت على الكورنيش، البعض خائف من البلطجة والبعض الآخر السياسة عقدته ونسى إن مصر بها أحلى كورنيش فى الدنيا بمقدوره تخليص أى شخص من همومه بفسحة واحدة، ونتحدى" ومن مياه النيل إلى الحناطير التى تراصت على جانبى الكورنيش، حيث تواجد عم خلف أكبر سائق حنطور بالمنطقة وابنه "حماصة" الذى ورث مهنة الحناطير عن أبيه. وبدأ خلف حواره قائلاً: الثورة زعلت الحناطير.. وزعلت ناس كتير معاها، فقديماً كان السائحون يقفون طابور لتأجير حنطور بعد آخر والحال يمشى، دلوقتى السياح راحوا.. والخليجيين راحوا .. والفلوس الحلوة راحت، ولم يتبق فى مصر سوى السوريين ودول إخواتنا ومبنحبش نزعلهم حتى لو فاصلونا وخدوا الحنطور بنص الثمن". وقال "حماصة"، ابن عم خلف، المسئول عن الحصان وتحميل الزبائن مع أبيه: "تخرجت من السياحة والفنادق ولكنى لم أجد عملا فقررت مساعدة أبى ولكن للأسف لم يعد السائحون يتوافدون على التحرير بعد الثورة، وهذا أوقف حالنا تماما فركن الحنطور وحده يكلفنا 120 جنيها وأحيانا لا نكسب فى يومنا سوى ثمن أكل الحصان فنطعمه ونقضيها إحنا حمدا وشكرا لله". وأضاف: الوقت اللى إحنا فيه ده كان زمان موسم ولكن المظاهرات والاعتصامات أضرتنا وقطعت عيشنا وللأسف الثورة لم تغير شيئا". ومن الحناطير إلى الحبيبة والمخطوبين حيث قال أحمد أسامة، الذى جاء على الكورنيش مع خطيبته "شيماء": نأتى هنا كل عشرة أيام ولا أتركها تأتى بمفردها أبداً حيث أخاف عليها من بعض الشيوخ أكثر من البلطجية والمتحرشين حيث أخاف من معاكستهم لها فمعظم ملابسهم مجرد مظاهر وأكثرهم لا يدافع عن الفتيات إذا وجدوهن فى ضيقة". وأكدت "شيماء" كلام خطيبها قالة: البلطجية بأنواعهم يسيرون على الكورنيش ليعاكسوا الفتيات، وكثيرات هن من يتعرضن للتحرش هنا وأكثر الفتيات تسمع كلام بذىء من الشباب". واختتمت "شيماء" موضحة أن أكبر مخاوفها تأتى من الشيوخ الذين يطلقون على أنفسهم الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ويسيرون على الكورنيش ليروعوا الفتيات ويعظوهن بطريقة بعيدة تماما عن سماحة الدين، على حد قولها.