سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
رجال الحماية المدنية "الحصان الأسود" فى إنقاذ ملفات مئات القضايا بمحكمة باب الخلق.. أحدهم يؤكد: اليوم كان راحتنا لكنى تركت أبنائى وذهبت ألبى النداء.. وآخر: لم أر حريقًا مثل ذلك من فترة كبيرة
رجال الحماية المدنية، الجندى المجهول، وكلمة السر فى كل الأمور والكوارث التى تحدث يومياً فى الشارع المصرى هم رجال أولى بأس شديد لا يهابون الموت أو النيران ينتشرون كالجراد داخل المبانى، التى تتصاعد منها ألسنة اللهب كأنهم ضد النار، تجدهم يلهثون خلف السيارات ويصعدون على السلالم الهيدروليكية العالية لإنهاء مأساة المواطنين من احتراق منازلهم أو مبانيهم أو محلاتهم أو المبانى، والمقرات الحكومية دون رهبة أو خوف. نشب فجر اليوم، الخميس، حريق هائل تصاعدت فيه ألسنة اللهب من محكمة باب الخلق بشارع بورسعيد بالقرب من مديرية أمن القاهرة وما إن وصل الخبر لرجال الإدارة العامة للحماية المدنية بالقاهرة، هرولوا وارتدوا ملابسهم وركضوا خلف سيارات الإطفاء وقادوها بكل همة وإقدام لإنهاء المأساة والسيطرة على الوضع للحفاظ على مصالح المواطنين بداخل المحكمة بنياباتها المختلفة. فى هذا الصدد يؤكد الرقيب أول، عبد الحليم الخولى، أحد رجال الإطفاء بالقاهرة فى دردشة على مقهى خلف المحكمة لمحرر "اليوم السابع": "أحنا بنعمل اللى فيه الخير للناس لأننا منهم ومش بنرضى نشوفهم فى ضيقة ونسيبهم ودا بيريح ضميرنا جداً وبيخلينا مبسوطين بعد إطفاء أى حريق". ويضيف "تصدق أننا بنشوف الموت كل يوم ولا بنخاف ولا هنبطل إنقاذ ورش مية دى مهمتنا فى البلد ولازم نقوم بيها لأننا مصريون وبنحب ترابها ومش بنفكر يوم التخلى عنها". ويؤكد أن طبيعة عمل رجل الإطفاء تتمثل فى يوم عمل ويومين إجازة أو بالمعنى الدارج بينهم "راحة"، ويتبادلون الراحات فيما بينهم حتى لا يحدث عجز، وكان اليوم، الخميس، راحة عدد كبير منهم لكونه بالطبيعى يوما هادئا، لكنهم فور علمهم بأن الحريق ضخم تركوا منازلهم وأطفالهم وراحتهم التى هى من صميم حقوقهم وتوجهوا على الفور لتلبية نداء "الإنقاذ والإطفاء"، وساعد فى إطفاء الحريق ما لا يقل عن 50 سيارة إطفاء و70 رجل إطفاء هرعوا جميعاً دون تردد واقتحموا المحكمة، التى انتشر بداخلها الدخان حتى أن من يكون بداخلها لا يرى من بجواره، ولكنهم صمموا على العمل والجدية لإنهاء تلك المأساة. من جانبه، يؤكد أمين شرطة يدعى محمود يعمل بالإدارة أن الحريق قوى جداً ولم ير مثله منذ فترة كبيرة، وأن طريقة انتشاره كانت غريبة نوعاً ما، مشدداً على أن النيران كانت تعود مجدداً رغم إغراقها بالمياه، وذلك أمر لا يجد له تفسيرا بحكم عمله فى المهنة. وأضاف أن رجال الإطفاء يعانون من أمرين، الأول يكمن فى مجازفتهم بحياتهم فى سبيل خدمة المجتمع والمواطن المصرى، والثانى يكمن فى الراتب الذى لا يكفى لأغراض الحياة والمعيشة وتربية الأبناء، وأنهى كلامه قائلاً: "لكن ربنا رزقنا بالشغلانة دى عشان ناخد أجر نلاقيه فى الآخرة". ويأتى على رأس قائمة رجال المهام الصعبة اللواء جمال حلاوة، نائب مدير الحماية المدنية بالقاهرة، والذى انتقل فور ورود البلاغ لغرفة النجدة ورافقته 30 سيارة إطفاء ووصلوا إلى المحكمة عقب نشوب الحريق بدقائق وبدأوا فى نشر القوات فى محيط المحكمة للسيطرة على الحريق من جميع جوانبه ورفعت السلالم الهيدروليكية، التى كان لها الدور الأكبر فى إخماد النيران. أما اللواء عبد العزيز توفيق، مدير الإدارة العامة للحماية المدنية بمدينة نصر وهو الذى ترأس الحماية المدنية بأكملها فى القاهرة وكانت تسمى بمصلحة الدفاع المدنى سابقاً فور علمه بتفاقم الوضع وخروج الأمور عن السيطرة، فأرسل على الفور فوج إنقاذ من إدارته ضم عددا كبيرا من رجال الإطفاء، وضم أيضاً 5 سيارات إطفاء وقاطرة مياه و2 سلم هيدروليكى 32 مترا، للمساعدة فى السيطرة على الحريق. ودفع رجال الحماية المدنية ضريبة عملهم بإصابة أحد زملائهم أمين الشرطة عبد المنجى أثناء محاولته السيطرة على الحريق فى الجزء الأيسر من المحكمة والمقابل لمبنى مديرية أمن القاهرة، وسقط أثناء تواجده على السلم الهيدروليكى، والتف حوله أصدقاؤه وحملوه فى انتظار وصول سيارة الإسعاف لنقله للمستشفى لتلقى العلاج، وفور نقله خرج أحد رجال الإطفاء وصعد على السلم دون تردد أو خوف من أن يلاقى مصير زميله. ولم يقف دور رجال الحماية المدنية عند هذا الحد أو عند حدود وظيفتهم فى الإطفاء فقط، ولكنهم راحوا يجمعون الأوراق والملفات الهامة والمستندات الخاصة بالقضايا المتواجدة داخل الدور الأول والثانى بالمحكمة خوفاً من امتداد النيران إليها، ووضعوها داخل غرفة مؤمنة بعيدة جداً عن الحريق وآثاره، وبهذا يضربون أروع الأمثال فى الخوف على الوطن وقضاياه فنعم الرجال رجال الحماية المدنية.